دمى الخيال والأسطورة
تحجز كرسياً في المطعم، أو مقعداً في الطائرة، حيث يقدم لها المُضيفون على الخطوط التايلندية شوكولا «سنكيرز» وبعض المرطبات. هي ليست طفلةً عادية، بل في الحقيقة ليست طفلاً على الإطلاق. مجرد دمية مُتقنة الصنع، تسمى في تايلند دمية «روح الطفل» أو « لوك ثيب» (Luk Thep).
في تايلند يبادر الكبار والصغار من الميسورين لاقتناء دمية خاصة يُعتقد بأنها تجلب الحظ والثروة. يقال أن دمية «روح طفلٍ» تدعو الأرواح الهائمة كي تسكنها، فهي ترتبط ببعض المعتقدات الدينية والسحر الأسود. صنعت اللعبة لتحاكي ببراعة هيئة أطفالٍ صغار بأزياء تقليدية، وتتراوح تكلفة الواحدة منها بين (97- 362 دولاراً). اشتعل الهوس بالدمية بعدما روّجت لها إحدى المشاهير في تايلند، باعتبارها جالبة للحظ. بعد ذلك وصلت شدة الهوس إلى حد معاملة اللعبة كأنها طفلٌ بشري حقيقي، بحيث تستقبل بعض المطعام الدمية كزبونٍ عادي. أما الخطوط الجوّية التايلندية «تاي سمايل» فأصدرت بدورها قوانين سابقة تتيح قطع تذكرة لـ «الطفل الملاك»، بحيث يوضع للدمية حزامُ أمان ويقدم لها الطعام.
بعيداً عن الخوض في الدلالات النفسية التي تعكسها حكاية الدمية التايلندية، بما تنضوي عليه من مشاعر يأس تعكس حاجة الناس لتصديق الأعاجيب. كما لو أنه «نكوص جمعي» أصاب مجتمعاً كاملاً. تبقى حكاية دمية «روح الطفل» مثالاً فريداً للمزاوجة بين «سطوة الأسطورة» ورأس المال القائم على الربح ونزعة الاستهلاك. فالدمية التي تشترى من المتجر بأسعارٍ باهظة يتم مباركتها من قبل «كاهن»، في صورة تختصر الكثير من تناقضات عصرنا.
لكن بالمقابل، تفتح قصة دمية «روح الطفل» باب الخيال والأسطورة، وتحفّزنا على البحث عن تاريخ بعض الدمى التقليدية التي كادت أن تصبح طي النسيان بتأثير طغيان موجة الصناعات الاستهلاكية المُعولمة التي اختصرت عالم الدمى بـ «باربي وأخواتها». ففي غواتيمالا مثلاً هناك ما يسمى بـ «ألعاب القلق» (Worry Dolls). وهي دمى صغيرة تصنع من الخيوط الملونة، يعتقد بأنها تُذهب القلق عن صاحبها إذا ما وضعها تحت وسادته، لأنها «تقلق بالنيابة عنه» . أما دمى الأكوبا (Akuaba Doll) اليابانية فكانت تصنع من الخشب لأطفال الفلاحين وما زالت تباع اليوم للسياح. هناك أيضاً دمى الهوبي كاتشينا الهندية (Hopi Kachina) التي تصنع من القطن وتعامل ككنوز تُقدر وتُدرس دون أن يتم عبادتها أو اعتبارها ألعاباً للأطفال. أما دمية المتريوشكا الروسية الخشبية (Matryoshka) فتتألف من دمية خشبية كبيرة قابلة للفتح، تحوي في داخلها دمى أصغر، تتدرج في أحجامها وقد يصل عددها إلى 12. وهناك مئات النماذج الأخرى من الدمى التي تختلف في مواد تصنيعها ودرجة اتقانها ورمزيتها، لكنها تعكس جميعها ابداعاً وابتكاراً و«طفولية حية » يفتقدها عالم اليوم.
قبل أشهر أطلقت شركة «ماتيل» مجموعة جديدة من دمى باربي، مختلفة الأحجام والأطوال والأعراق. وجاء خط الانتاج الجديد في حينها كمحاولة لتدارك التراجع في نسب مبيعات الشركة.
تعبر الدمى في المحصلة عن هواجس مجتمعاتها. في تايلند، ما تزال التقاليد حاضرة في الحياة اليومية للتايلنديين، بحيث تجسد مخاوفهم الاقتصادية أو رغبتهم بالنجاح والحظ السعيد، وإن ظهر ذلك بصورة فاقعة. أما باربي بحلتها الجديدة، فتعكس بدورها الانشغال بصورة الجسد ومفاهيم الجمال، بحيث تدّعي الترويج للمساواة واحترام الاختلافات. ذلك لا يلغي في النهاية حقيقة أن الدميتين أمسيتا مجرد مُنتج يهدف للربح.
مقابل ما تعكسه الدمى التقليدية حول العالم من عمق الخيّال الإنساني وتجدده، وما تعبر عنه من تنوعٍ بشري يختلف حسب البيئة الطبيعية والجغرافية، ويتباين تبعاً للمرجعيات الثقافية والطقسية والمثيولوجية، تبدو باربي على المقلب الآخر كما لو أنها تتظاهر بما ليس فيها. تجاهد الدمية لتحوير وتعديل قالبها الثابت والمعلّب، كي تتظاهر بأنها تحاكي التنوع والاختلاف بين البشر. كما لو أن إجراء تعديلات طفيفة على مقاس الأقدام ولون البشرة أو مقاس الخصر، كافٍ لاختصار هكذا تنوع.