مقدمةٌ في الانتظار
في الانتظار رفضٌ للحظة الآنية، استهزاء بها، كما لو أنها مجرد معبرٍ للحظة أخرى لما تأت بعد.. والوقوع في فخ الإنتظار يعني الشعور بأن لاشيئ كافٍ بذاته أو مكتمل، وإن الاكتمال فراغٌ جديد يستوجب الإملاء ..
لطالما اعتبرت الانتظار فعلاً مستقلاً واضحاً يتطلب جهداً عضلياً مضنياً. فإذا ما فاجآني أحدهم يوماً بسؤال : «ماذا تفعلين؟؟ « لربما أجبته مستنكرةً : « انتظر!!» كما لو أن الأمر واضحٌ لا يحتاج سؤالاً.
تأخرت حتى أُدرك أن الانتظار خفيٌ لا يُرى دائماً ولا يمكن تميّزه، لأنه ليس فعلاً تاماً كالمشي أو الكلام، وإنما عَرَضٌ جانبي أو مجرد عادةٍ سيئة!! لذا لا حاجة بي لتجسيد صورة المنتظر النمطية : بذرع الغرفة جيئةً وذهاباً بينما أزفر بصوتٍ مرتفع! أو بالجلوس وقتاً طويلاً مسندةً رأسي على يدي محدقةً في الفراغ.
وإذا ما سُئلت : «ماذا كنتِ تنتظرين ؟؟» سأجيب غالباً : «لا أعلم!» فالثابت أنني كنت دوماً أنتظر شيئاً ما ليحدث، لكن أهداف الانتظار هي التي اختلفت: انتظرت غليان القهوة على النار ومريضاً كي يصحو من غيبوبته. انتظرت أن أذهب في زيارة مع إحدى صديقاتي وهناك انتظرت العودة إلى المنزل. في الليل توقعت قدوم النهار للبدء من جديد .. وفي النهار تقتُ لليلٍ آخر ينهي تقلب النهار وجنونه. ترقّبت أن يرن هاتفي أو أن أرى إشارة حمراء على علبة رسائلي الإفتراضية، تقت أن أجد حباً يجعلني أتوقف عن عادة التحديق في وجوه العابرين..
انتظرت لحظة انقلاب التاريخ، ثم بدأت أترقب بعد ذلك بدء نشرة الأخبار كل مساء، انتظرت أن يعود الأموات إلى قيد الحياة أو أن تختفي الخيم ، ثم بتّ أترقب أن يقل عدد الأموات ليس إلا... توقفت عن الانتظار وبتُّ أترقب أن أنتظر من جديد ..
ولأن الانتظار يتيح للمرء وقتاً كافياً للتفكير بدأت أتساءل: ما المشكلة في الانتظار؟؟ هل الانتظار تجسيدٌ للأمل وحلمٌ بغدٍ أفضل؟ هل الانتظار تدريبٌ مكثّفٌ على الصبر؟ أم أنه يأس وانسحاب؟
تأخرت حتى أُدرك أن الانتظار حولني إلى مراقبة، إلى ساعة حائطٍ في غرفة معيشتي الخاصة، إلى رحالةٍ لا تطيق البقاء في مكانٍ واحد، كما أنها لا تقصد وجهةً محددةً.
ربما يكون الانتظار أملاً حينما يكون الفعل الممكن الوحيد، أو عندما يكون المرحلة الأخيرة من سلسلة أفعال تستحق بعدها الجلوس والراحة والاكتفاء بعدِّ الدقائق. لم أستطع حتى هذه اللحظة التوقف عن الانتظار وربما لست بحاجة لذلك، إلا أنني أدركت أنني يجب أن أتوقف عن ترقب ما لن يحدث، وأنه ربما هناك من ينتظر مني الآن القيام بأمرٍ ما. تعلمت أن أفعل أشياء أخرى بينما انتظر، من يدري ربما انشغل حقاً وأنسى استراق النظر إلى الوقت لأكتشف أنني توقفت عن الانتظار دون أن أدري!