درس المهن

يقف الأستاذ أمام طلبته متلعثماً، يقلب صفحات الكتاب أمامه دون أن يدري من أين يبدأ. في السابق كان درس "المهن" من أسهل الموضوعات وأكثرها متعة، إلا أنه يشعر اليوم أنه في ورطةٍ حقيقية، فالصمت طال والأطفال بدؤوا التململ في مقاعدهم.

فكر أن يبدأ بالطبيب الذي يعمل في المستشفى، ويحدثهم عن قسم أبيقراط، إلا أنه خاف أن يسأله أحدهم ما معنى مستشفى ميداني وما الفرق بينه وبين المستشفيات الأخرى؟ أو لماذا هناك من يقتادون إلى السجن بعد أن يدخلوا المستشفى وآخرون يموتون دون أن يساعدهم أي طبيب؟؟

ربما يستطيع أن يحدثهم عن شرطي المرور، إلا أنه انتبه أنه منذ زمنٍ لم ير واحدا ً في الشارع، إضافة لاحتمال أن يخلط الطلبة بين شرطي المرور والجنود على الحواجز، وسوف يصعب عليه شرح الفرق بينهما، أو لماذا يستخدم شرطي المرور الصفارة بينما الجندي يمسك بارودة!

قد يحدثهم عن العمال،لأن  آخر الإحصاءات والأرقام التي تتحدث عن نقص المواد الأولية، أو تحطم المصانع في حلب أو درعا لا تصل إلى الأطفال.

أو يصف لهم عمل المزارعين والفلاحين إذ لا يعنيهم الدخول في تفاصيل حول تسويق المحاصيل وعجز البعض عن الوصول إلى أرضهم.

في السابق كان يقف كثيراً عند عمّال النظافة، ويحدث طلبته كيف أن هذا الرجل النشيط هو من يحافظ على نظافة المدينة، إلا أنه الآن لا يستطيع أن يبعد عن ذهنه ما سمعه عن تكليف عمال النظافة بتنظيف الأماكن التي تعرضت للقصف أو شهدت اشتباكات عنيفة، من بقايا الجثث والدماء، أو تراكم أكياس القمامة والأوساخ في شوارع حمص لعجز عمال النظافة على دخول تلك الأحياء.

بدأت عيون الطلبة تحاصره، إذ أن الأطفال تعلموا في الأشهر القليلة الماضية الكثير بحيث بات من الصعب خداعهم، وهم الآن يعلمون أن هناك مهناً جديدة لا يحتويها كتاب قراءة الصف الأول. ماذا إن فاجأه أحد الطلبة بسؤال عن أبيه الذي أخبرته الأم أنه يعمل الآن شهيداً خارج البلاد، ماذا لو أخبره آخر بأنه يريد أن يصبح معتقلاً سياسياً حينما يكبر، وآخر يريد أن يصبح قناصاً، وأخرى ناشطة سياسية تظهر على شاشة التلفاز  !! عندها أغلق الأستاذ الكتاب وقال للطلبة: " أتعلمون لن أعطيكم درساً اليوم.. فاليوم استراحة ..