لعنات وأدعية سورية
لعنة المسافر
ستحمل بلادك على ظهرك كحقيبةٍ لا يمكن خلعها، ستبحث عن بلادك أبداً في المكان الذي تركتها فيه آخر مرة ولن تجدها. ذلك أن البلاد تفتتت وكل مهاجرٍ حمل معه قطعةً صغيرةً منها، مقطعاً تضريسياً متناهٍ في صغره من صحاريها وأنهارها وجبالها.
وأنتِ، ستزرعين على شرفة شقتك الضيّقة شجرة نارنجٍ صغيرة، وشتلة ياسمين، وأوراق نعنعٍ، ومليسة، كما لو أنك ملعونةٌ أبداً بأن تغرسي أينما حلّلتِ خضرة موطنك في شرفاتٍ مغلقة، تستبدلين بها أصص والدتك وشساعة سطح منزلك.
هي لعنة التوق إلى أماكن لم تعد موجودة كما حُفظت في ثنايا الخيال، لعنة حَمْل أجمل ما في البلاد وغرسه في أراضٍ قصيّةٍ أخرى.
دعاء النوم
فليتمدد النوم إلى جانبك في السرير، يحتضنك ويعبر بإصبعه على جفنك مراراً حتى تتعب من المقاومة، وتغرق تحت ثقل الحلم. فلتتوقف الأفكار عن التقافز وتجمد في مكانها كطفلةٍ مجتهدة. ليرتاح الجسد ويمتد على كامل الفراش، لأن المعضلات لن تجد طريقها للحل اليوم. فليأت النوم عميقاً دافئاً لأن يومك في الغد طويلٌ طويل.
لعنة الماذا لو
كتب عليك الشك، لا يقين يتلبسك دوماً كسترة نجاة. صحيح أن الاحتمالات كانت دائماً مفتوحة، حجارة تردٍ مبعثرة في كل مكان، وخوارزمياتٌ معقدة. لكنها لم تكن عصيّةً على الحل هكذا بحيث ترقى إلى مصاف اللعنة. تصبح اللعنة لعنةً حينما ينغرس الشك في قلوب شعبٍ بأكمله؛ ماذا لو كانت البلاد أكثر رقة؟ ماذا لو كنا أقل صبراً أو أكثر؟ ماذا لو لم يصعد الطفل القارب؟ ماذا لو صعد؟
وعدم اليقين الأكبر، السؤال الأعصى على الزوال؛ ماذا لو لم تقع الحرب، ولم يحدث ما حدث كله ؟
لعنة الوقت
ستمتلك إلى الأبد تقويمك الخاص، فتخل عن عام القرد والبقرة في التقويم الصيني، واترك تعداد الأعوام الميلادية والهجرية. هناك شعورٌ أبديٌ مقيم، بأننا سنصل دائماً متأخرين، مهما حاولنا أن نضبط منبهاتنا قبل الوقت المحدد. ما كان ينبغي أن يطول، ينتهي بطرفة عينٍ، كالحياة مثلاً. وما كان يجب أن ينتهي سريعاً يمتد عمراً بأكمله.
دعاء العناق
فلتعانقك الدنيا طويلاً، أن تلتف بيديها حول جسدك حتى تشعر بالدفء والسكينة.. وعلّ العناق يطول قليلاً، فتداهمك رغبةٌ في البكاء على ما مضى وعلى شتى الخسارات.. وأن تشعر باليد الخفية تربت على كتفك وتشدك إليها أكثر حتى يُطهرك البكاء فتعود أقوى، ذلك أن للعناقات قدرة على الشفاء، ينساها من حمل جسده وحيداً
لعنة الذكرى
ستحرقك الذكرى، تلسعك كبعوضةٍ مُلِحّة. وستجد نفسك دائماً أعزل أمام دفق الذكريات التي تغمرك في الباص أو العمل أو قبل النوم. ذكرياتِ عن مدنٍ منسيةٍ عبرتها يوماً وأمست اليوم منسية أكثر. عن أناسٍ صادفتهم وماتوا، تعرف بعضهم تمام المعرفة، وآخرين كانوا محض عابرين.
وبينما تعيش، أو تحاول ذلك، ستخترقك الذكرى كسهم: تعيدك إلى يومٍ صيفي، أو رحلة مشي مسائية ... قد تظن بأنك لا تملك سوى الذكريات، ذلك أن شيئاً لم يحصل منذ زمنٍ، حدثٌ يستحق التخليد.. لن يستمر الحال هكذا، لا يمكن أن يستمر. فالذكريات الجميلة تتجمع كذرّات رمل، تندمج وتتصلب لتصبح عصيةً على النسيان.
دعاء الحب
فلتنعم بالحب، متوهجاً كان أم عذباً، جارفاً أم متمهلاً، كلاسيكياً أم معاصراً. فلتنعم بالحب، وبعدها ككل القصص الخرافية، لا بل الواقعية، سيصبح كل شيءٍ أخف وطأة. الحب لن يحل المشكلات، لكنه سيجعل البحث عن الحلول أكثر متعة. هو لا يجعل الواقع أقل قسوة، لكنك ستمتلك حينها شخصاً يشاركك الشكوى والغضب. فلتصبح مرئياً ومسموعاً وملموساً، لتنعم بالحب لأنك تستحقه، وكنت تستحق الكثير الكثير بعد. فتغذّى بالحب أولاً حتى تصبح أقوى، وبعدها تعود لتكمل القتال من أجل ما تستحق كله.
