ضيا اسكندر

ضيا اسكندر

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

العصافير المقليّة

لم أكن قد تجاوزتُ العاشرة من عمري عندما غادرتُ مدينتي وزرْتُ الضيعة لأوّل مرة في حرب حزيران عام 1967 برفقة والدي، الذي سرعان ما تركني وعاد بذات سيارة «البوسطة» التي أقلّتنا. فطبيعة عمله لا تسمح له بالغياب زمناً طويلاً. استقبلني جدّي وجدّتي بمنتهى الحفاوة. وخلال دقائق بدأتُ أتفقّد محتويات البيت الطّيني ومعالمه بانبهارٍ وحماس، وأنا أسألهما عن الأغراض والأدوات والأثاث الغريب عنّي بأشكاله وأسمائه. مبتسماً بانشداه لإجاباتهما، محاولاً عبثاً حفظها، وكأنّي أتعلّم لغة أجنبية دون تمهيدٍ أبجديّ!

وتساقطتْ أوراقُ الليمون!

مُزارع حمضيّات في الساحل السوري، تعرّض بستانه المزروع بأشجار الليمون إلى موجة صقيعٍ حادّة أدّت إلى تساقط أوراقه، لكن ثماره الناضجة بقيت تتلألأ صامدةً على أغصانها. شكلها الخارجي في غاية النضارة والمعافاة، لكنها من الداخل جافّة تماماً ولا تعصر قطرة واحدة. سبعة أيام لم يحلق خلالها ذقنه وهو يدور متنقّلاً بين معارفه من مهندسين زراعيين وصيادلة مختصّين بمعالجة الأمراض النباتية لاستشارتهم، ولكن دونما فائدة.

المعلّم «الكافر!»

في مرحلة الدراسة الابتدائية أواخر ستينيات القرن المنصرم، كان لدينا معلّم صفّ يُشاع عنه في أوساط المدرسة بأنه «ملحد، كافر، لا يفرّق بين أمه وأخته وعشيقته.. والعياذ بالله! لكنه– للأمانة- مِعطاءٌ نزيهٌ مثقفٌ وصارمٌ بشدّة». لم يكن أنيق الهندام كباقي المعلّمين، فهذه الأمور من آخر اهتماماته. لكنه غزير العناية بمتابعة آخر ما تصدره الدوريات الثقافية. ونادراً ما يُرى خاليَ اليدين من كتابٍ أو مجلةٍ أو جريدة. ولعلّ أهمّ صفة لديه أنه يمتلك موهبة التحدّث ببراعة. أراد في مطلع العام الدراسي أن يُجري استبياناً لطلاب شعبتنا لِسَبْرِ واقعنا الطبقي من خلال توجيه سؤال: «ماذا تناولتم البارحة من مأكولات؟» على أن تكون إجاباتنا خطّية.

 

الفقراء في كل مكان..

أثناء زيارتي لسلطنة عُمان، لفت انتباهي أن التدخين ممنوعٌ منعاً باتاً في كل الأماكن المغلقة في العاصمة العُمانية (مسقط). وهذه ظاهرة حضارية تُسجّل لها. فقد كنت أضطرُّ لتحمّلِ درجات الحرارة العالية وأدخّن في الخارج. وفي إحدى المرات، كنت واقفاً أستمتع بتدخين سيجارة بعد طول غياب، محتمياً من لهيب الشمس بظلّ حائطٍ قرب مدخل الفندق الذي أنزل فيه، اقترب صوبي رجلٌ خمسينيٌّ يلبس الزيَّ العماني (جلاّبية بيضاء ويعتمر كِمّة) وخاطبني سائلاً:

المطار.. مطارك!

وأنا جالس في قاعة انتظار المسافرين في مطار دمشق استعداداً لركوب الطائرة، وإذ بمجموعة من النساء الخليجيات لم أتمكّن من تحديد جنسية بلدهنّ، يتّجهْنَ صوبي مسرعات كفصيلة عسكرية تلاحق مطلوباً. وما إن اقتربْنَ منّي حتى بادرتني أكبرهنّ سنّاً وأكثرهنّ بدانةً بالقول وهي بمنتهى العبوس:

«الوشّيش!»

فور دخولي حرم كراج البولمان، وإذ بأحد الأشخاص الذين يعملون لصالح إحدى الشركات كسمسار، يهرْول صوبي بِخِفَّة منادياً بصوتٍ جَهْوري: «عالشّام، عالشّام أستاذ؟ الباص سينطلق بعد عشر دقائق. تفضّل، ها هو مكتب شركتنا.»

 

حلّاق القَبْوُ

من المعروف أن السجون السورية يتمتَّع فيها السجين بالعديد من «المزايا» والحقوق قياساً بأماكن التوقيف الأخرى، بالرغم من مئات الملاحظات الشنيعة عليها؛ فالسجين له فسحة يوميّة للتنفّس، ويُسمح لذويه بزيارته شهرياً وحتى أسبوعياً. بالإضافة إلى إمكانية اقتنائه الراديو، وربما الخليوي، وقراءة الجرائد، ومشاهدة التلفاز. ناهيك عن تواصله مع المهاجع الأخرى، والسماح له بشراء ما يحتاجه من «الندوة» وخياراته بطهي ما يشتهي من أصناف الطعام. وليس آخرها التنعّم بالاستحمام وقص الشعر والحلاقة..

 

المُسَلّي

لطالما قرأت بالجرائد الإعلانية عن حاجة بعض الأُسر الثريّة إلى مُسلّي عجائز. وبقيَتْ هذه «المهنة» لغزاً محيّراً بالنسبة لي، كونها غير مألوفة في مجتمعنا. وكنت أتساءل دائماً: تُرى، ما هي المواصفات والقدرات التي يجب أن يتحلّى بها المسلّي؟ ما هي الحكايا والنوادر التي يرويها، والألعاب والحركات التي يقوم بها لتسلية العجائز؟ وغيرها الكثير من الأسئلة، إلى أن التقيت مؤخراً وجهاً لوجه مع أحد المسلّين مصادفةً، وأنا أتجه بالسرفيس من موقف كراج جسر الرئيس في دمشق إلى دمّر.

 

كراج «العدوي» بلا خدمات إطلاقاً!

بعد أن استولت المجموعات المسلحة على كراج مركز انطلاق البولمانات قرب حرستا في دمشق منذ أكثر من أربع سنوات، ودمّرته وخرّبته، انتقلت أغلب شركات النقل إلى شارع العدوي، أحد أكبر الشوارع في مدينة دمشق.

 

النقد اختصاص وليس إدارة!

منذ أقلّ من عام، تم تنصيب مهندسة معمارية بوظيفة (عميدة كلية الفنون الجميلة في جامعة تشرين) بتزكية من الجهات الرسمية.