كراج «العدوي» بلا خدمات إطلاقاً!

كراج «العدوي» بلا خدمات إطلاقاً!

بعد أن استولت المجموعات المسلحة على كراج مركز انطلاق البولمانات قرب حرستا في دمشق منذ أكثر من أربع سنوات، ودمّرته وخرّبته، انتقلت أغلب شركات النقل إلى شارع العدوي، أحد أكبر الشوارع في مدينة دمشق.

 

وحيث أن الشركات الممتدّة على طول مئات الأمتار بهذا الشارع يزيد عددها عن الـ (20) شركة، ويؤمُّها يومياً وبمختلف الأوقات آلاف المواطنين الراغبين بالسفر إلى باقي المحافظات. فإن ألف باء احترام هؤلاء المواطنين، هو: تأمين وتجهيز البنية التحتية لهذا الكراج البديل والمؤقت، ريثما يتم إعادة تأهيل الكراج السابق، أو إيجاد مركز انطلاق آخر.  
كراج معدوم الخدمات
ففي كراج «العدوي» لا مقاعد كافية لكبار السن أو الأطفال أو المرضى. ولا وجود لكافيتريات، بل توجد بعض الأكشاك و«الطبليات» لبيع السندويش والمشروبات دون أية مراقبة صحية. ولا مواعيد دقيقة لانطلاق البولمات، ولا وجود لقاعات الانتظار، فقد يضطر المسافر البقاء منتظراً «تطبيق الركاب» ساعة أو ساعتين، وربما أكثر، إلى أن يحين موعد سفره! فتراه إما مفترشاً الأرض على «كرتونة»، وإما واقفاً تحت أشعة شمس الصيف الحارقة وبرد الشتاء.. ناهيك عن انعدام الخدمات الأخرى الضرورية في الكراج؛ فلا دورات مياه ولا سلال ولا حاويات لرمي القمامة ولا يوجد حتى صنبور لشرب المياه. ‏
أوجه عديدة للمعاناة
«قاسيون» استطلعت آراء عدد من المسافرين، ورصدت همومهم وأوجاعهم، وكانت الحصيلة التالية:
_ أبو محمد_ رجل ستّيني (يتّكئ على حائط مجاور لمكتب إحدى الشركات): «إن اختيار هذا الشارع الواسع والقريب من مركز المدينة كمركز انطلاق للبولمانات، أمرٌ جيد. لكن من غير المعقول أن يفتقر هذا المكان إلى الحدّ الأدنى من الخدمات! أنا مثلاً_ بعيد عنّك_ مصاب بالسكّري. وكما تعلم فإن من أهم أعراض هذا المرض هو الرغبة بتناول المياه، والتبوّل المتقطّع. أي أنني بحاجة لدخول الحمّام مرة على الأقل كل ساعة. فتخيّل حالة الإحراج التي أعيشها عندما أنوي السفر؟».
_ سليم_ شاب ثلاثيني (يجلس بعبثية على الرصيف يتسلّى بهاتفه الخلوي): «ألمْ تسمع بعبارة (عسكري دبّر راسك؟) إذا كانت الحكومة لا يعنيها أمري بتاتاً، فأنا أيضاً لا تعنيني الأعراف والعادات والتقاليد.. وأتبوّل في المكان الذي يحلو لي». وأضاف مازحاً وقد صعّر خدّه وزرّ إحدى عينيه: «ولكن المشكلة إذا كانت حالتي تتعدّى التبوّل! عندها تكون الطامّة الكبرى!». وسرعان ما امتقع وجهه ونظر ساهماً إلى اللا شيء وقال بحزن: «كل ما نريده أن تنعم دمشق كمدينة عريقة وكعاصمة لسورية، بكراج حضاري يليق بها وبزوارها. فهل هذا كثيرٌ علينا؟». ‏
_ أم عبد الله_ أربعينية تمسك بيدها طفلاً (وقد علت وجهها بسمة خجولة): «الله يسامحك يا أخي، بعد أن غاب عن بالي هذا الموضوع، تأتي حضرتك وتذكّرني فيه!» وتابعت بجدّية: «لا أخفي عليك، كما يقال الحاجة أمّ الاختراع. منذ سنتين كنت مسافرة إلى مدينتي مع ابني هذا، وبعد انتظار مملّ، اشتكى الولد أنه بحالة حرجة ويريد التغوّط. نظرتُ حولي عسى أن أجد مخرجاً، لا أدري كيف وقع نظري على تلك المشاتل_ وأشارت بيدها إلى الجانب الآخر من الطريق_ هرعتُ إلى مشتل زراعي مستجديةً. للأمانة كانوا لطفاء معي ورحّبوا بي. ومنذ ذلك التاريخ، في حال الضرورة أستنجد بهم».
_ مروان_ قاطع تذاكر لإحدى شركات النقل: «صدّقني لا توجد مشكلة إلا ولها حلّ. قلنا للمحافظة: يا عمّي جهّزوا لنا الرصيف بغرف مسبقة الصنع مسقوفة بالقرميد، وعلى حسابنا. ولتشترك كل ثلاث شركات متجاورة بقاعة انتظار مزوّدة بالمقاعد المريحة. وكل سبع شركات بدورة مياه مأجورة؛ فمن جهة تربح البلدية، ومن جهة ثانية نخدم المسافرين. وقلنا لهم: خصّصوا عمّال نظافة لهذا الشارع بعرباتهم وأدواتهم ولباسهم.. وتنهّد ضارعاً: واللهِ، وبكسر الهاء، نستطيع أن نكون في طليعة الدول المتقدمة والجميلة والحضارية.. لو كان لدينا مسؤولين مثل العالم والناس! ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟»
أخيراً، من الواضح أن الانتقادات التي سمعناها من الأخوة المسافرين كلها محقّة. والحلول التي أشار بعضهم إليها، كلها واقعية ومنطقية وغير مكلفة..
فهل تجد محافظة دمشق بالتعاون مع وزارة النقل حلاً ولو إسعافياً؟