نضال الحركة الطلابية ضد الاستعمار الفرنسي 1918-1946
برز تاريخ الحركة الطلابية النضالي في سورية منذ دخول المستعمر الفرنسي بشكل خاص، وقد تجلّت نشاطات الطلبة ونضالاتهم في حينها بالمظاهرات التي كانت تنطلق من ثانويات وإعداديات مدينة دمشق والمدن السورية الأخرى.
وكانت مدرسة التجهيز في سورية/ ثانوية جودت الهاشمي حالياً/ شعلة ومنارة لبقية الطلبة من جميع المدارس.
ثم تأسست جامعة دمشق عملياً عام 1929 في فترة اشتداد النضال ضد الاستعمار الفرنسي وعملائه، وبدأت الجامعة من جديد بكليتي الحقوق والطب وكان دخول الجامعة يكلف الطالب مبلغاً كبيراً أنذاك /300/ ليرة سورية كرسم قبول يدفعه الطالب خلال العام الدراسي على قسطين، وطبعاً لم يكن ذلك بالأمر السهل على أبناء الطبقات الكادحة، وحتى على أبناء الفئات متوسطة الحال في المدن والقرى، ومع ذلك كان المناخ السياسي في الجامعة مناخاً وطنياً، يطمح الطلبة فيه، مثل جماهير الشعب، إلى الاستقلال والتحرر من المستعمر الفرنسي.
وجرت نضالات ملموسة في هذا المجال، وفي ثلاثينات القرن الماضي توافق هذا النضال مع النضال ضد الصهيونية التي اشتد خطرها ونشاطها في هذه الفترة بالإضافة إلى ازدياد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وبدء أعمال العنف من قبل العصابات الصهيونية المتعددة، وقد لعب الطلبة التقدميون دوراً مميزاً في تحريض الطلاب على الإضرابات والتظاهرات ضد المستعمرين ومخططاتهم والمشاريع الرجعية التي كانت تطرح بين فترة وأخرى، وكانوا دائماً على رأس المظاهرات التي كانت تنتقل من مدرسة إلى أخرى من أجل جرها إلى المشاركة فيها ثم تتجه إلى الجامعة لينضم إليها طلبة الجامعة، وكانت جامعة دمشق تضم مجموعات واسعة من الشباب الوطني المتحمس ضد الاستعمار الفرنسي وممارساته القمعية ضد الشعب السوري.
وقد ظهر ضمن الجهاز التدريسي بعض الأساتذة الوطنيين الذين عرفوا كماركسيين مثل الأستاذ كامل عياد، والاستاذ جميل صليبا، والدكتور عبد الكريم اليافي، وغيرهم. وإجمالاً كان الجهاز التدريسي يمينياً ورجعياً لا مبالياً، ووجد في المقابل بعض الأساتذة في الجامعة ممن درسوا في فرنسا بالذات وتأثروا بالأفكار الديمقراطية البرجوازية، فكانوا يستنكرون أسلوب تعامل السلطات الفرنسية المحتلة وعملائها مع الطلبة وجماهير الشعب السوري.
وترافق نضال الطلبة ضد المستعمرين بالنضال ضد محاولات فرنسة سورية ومحاولات إحكام السيطرة الفرنسية على التعليم.
وخلال الحرب وما بعد كان الطلبة الجامعيون مقسومين إلى مجموعتين: طلبة نهاريون وطلبة ليليّون. وهذا بسبب توسع الجامعة وازدياد أعداد الطلبة المنتسبين إليها، وتميز كل منهما بصفات خاصة كانت على الشكل التالي:
الطلبة النهاريون المداومون منذ الصباح حتى بعد الظهر، وغالبيتهم من أبناء مدينة دمشق، ومن منبت طبقي برجوازي أو إقطاعي وكانت مواقفهم السياسية (ونتيجة لمنابتهم الطبقية والضغوط الممارسة عليهم من السلطات الاحتلال) تظهر الحياد الكاذب، فكانوا يسوقون شعارات مثل «السياسة للسياسيين» أو «نحن الطلبة لا علاقة لنا بالسياسة»، ومع ذلك ظهر بينهم وطنيون حقيقيون، لم يكتفوا باستنكار الاحتلال الفرنسي.
الطلبة الليليون المداومون من بعد الظهر حتى المساء، وأغلبهم من أبناء القرى والمدن السورية الأخرى ومن ذوي الدخل المتدني، والمضطرين إلى العمل، وكانت مواقفهم السياسية واضحة ووطنية مخلصة وبرزت منهم بعض الأسماء التي تميزت بجرأتها وإخلاصها مثل عدنان ترجمان وفيليب عجلوني، وغيرهم.
وفي المقابل تراوحت اتجاهات هؤلاء الرجعيين بين الإخوان المسلمين والرجعيين الفاشيين أو الموالين للاستعمار الفرنسي. واستطاع بعضهم لفترة وجيزة النفوذ إلى الحركة الطلابية الوطنية ثم عزلوا وكشفوا، لابتعادهم عن أهداف وآمال الحركة الطلابية وأهداف الوطن والشعب، وبسبب انفضاح مواقفهم الانتهازية ومحاولاتهم إضعاف نضال الطلبة.
وفي الأعوام 1940- 1941- 1942 تم التنسيق بين الطلبة من مختلف الاتجاهات الوطنية والتقدمية وتجسدت أولى نتائجها في الإضرابات والتظاهرات الضخمة المنظمة وكانت أبرزها المظاهرة التي قامت ضد حكومة (جميل الاشي 1942) والتي انضم إليها، إلى جانب الطلبة أعداد هائلة من الجماهير، والتي كانت تستنكر ارتفاع الأسعار والغلاء الفاحش، وخاصة بعد رفع سعر الخبز وبعض المواد الاستهلاكية، وقد سارت هذه التظاهرة في مختلف شوارع دمشق ثم هاجمها الدرك والقوات الفرنسية وأطلقوا النار على المتظاهرين واستشهد خلالها أحد الطلبة من حي المهاجرين بدمشق من عائلة «الرز» وإثر ذلك أضربت دمشق إضراباً عاماً استمر عدة أيام، سقطت إثرها حكومة جميل الاشي.
وعندما جرى إعلان استقلال سورية، رد الفرنسيون على ذلك بقصف أحياء دمشق، ثم قصف البرلمان. فقام الطلبة الوطنيون بتشكيل فرق من أجل إنقاذ وإسعاف ضحايا القصف الوحشي الفرنسي، الذي سقط نتيجته الكثير من الجرحى والشهداء واستشهد «مسلم بارودي» الطالب الوطني في كلية الطب في السنة الأخيرة، وذلك اثناء تأدية مهمة إسعاف ضحايا القصف في إحدى لجان الإنقاذ.
وبعد قصف البرلمان واستشهاد الكثير من حراسه الأبطال وفي مقدمتهم الشهيد طيب شربك عام 1945، قام الطلبة الوطنيون والتقدميون، بتشكيل فرق الفتوة باللباس الخاكي، وقد ظن الفرنسيون أن هؤلاء فرق فدائيين فذعروا ذعراً شديداً.
وقبل ذلك، وفي عام 1944، في ذكرى وعد بلفور المشؤوم، قام وفد من أعضاء لجنة مكافحة الصهيونية في دمشق مؤلف من: خالد بكداش ونجيب الريس وعبد القادر الميداني ووجيه الحفار ووديع الصيداوي وزكي الجابي، بإيصال مذكرة لممثلي الدول العربية والدول الحليفة والصديقة، وقام الطلبة التقدميون والشيوعيون بتوزيع آلاف النسخ من المذكرة على الجماهير في عدة مدن وخاصة في مدينة دمشق. وقاموا بنشر قصاصات ورقية على الجماهير في الطرقات والأحياء تتضمن شعارات معادية للصهيونية والاستعمار، ونظم طلاب جامعة دمشق مظاهرة سلمية في هذه الذكرى، وقد سارت جموعهم منتظمة تحمل لوحات ولافتات كتب عليها (ليسقط وعد بلفور، فلسطين عربية، دماؤنا فداء لها، فلتسقط الصهيونية).
وكان ينظم ويقود هذه المظاهرة لفيف من الطلبة الشيوعيين والتقدميين، وقد مرت من عدة شوارع في دمشق حتى وصلت إلى ساحة الشهداء «المرجة» وإلى «سراي الحكومة» حيث ألقى رئيس الوزراء فارس الخوري كلمة في التظاهرة الطلابية الكبيرة. وتابع الشعب السوري بقواه الوطنية والتقدمية وجميع فئاته، بما فيها الطلبة، النضال والتضحيات الكبيرة وبذل الدماء من أجل الاستقلال وانتزع شعبنا حريته في 17نيسان 1946.
المرجع: نشرة نيسان، العدد 72، آب 1996
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1032