من تجربة الثورة السورية /1/
نشرت مجلة الشرق الثوري (ريفوليوتسييوني فاستوك)، مجلة جمعية البحث العلمي التابعة للجامعة الشيوعية لشغيلة الشرق المسماة باسم ي. ف. ستالين. العدد 3، عام 1928. مقالاً تحليلياً مهماً عن الثورة السورية الكبرى 1925-1927، ننشره على شكل حلقات.
تطور الثورة
احتلت القوات الانكليزية والفرنسية سورية عام 1918 وأصبحت تحت الانتداب الفرنسي عام 1919 (تمت مصادقة عصبة الأمم على الانتداب فقط عام 1923).
وأثناء عملية تقسيم البلدان المنتدبة بين إنكلترا وفرنسا تم فصل الجزء الجنوبي من سورية: فلسطين مع شرق الأردن، بينما تم ضم الجزء الشمالي الغربي من بلاد ما بين النهرين إليها (في منطقة الفرات الأعلى). وعليه أصبحت سورية في ظل الانتداب الفرنسي ذات حدود جديدة مع تركيا وفلسطين وشرق الأردن وبلاد الرافدين التي تفصلها عنها حدود مصطنعة وضعت بخط مستقيم في الصحراء.
والبادية تربط سورية أيضاً بالجزيرة العربية (طريق القوافل والطريق الحديدي الحجازي).
لقد ترافقت عملية استيلاء الفرنسيين على البلاد مع حرب طويلة وعنيفة مع السكان. وفقط في تموز 1920 استطاع الجيش الفرنسي احتلال سورية الداخلية والقضاء على الحكومة الوطنية.
بعد الاستيلاء على البلاد قامت الإمبريالية الفرنسية بفرض الوضع الأكثر ملاءمة عليها لنظام الاحتلال. فقسمت سورية إلى أربع دويلات:
1-سورية بالذات مع المدينة الرئيسية دمشق.
2-الجمهورية اللبنانية مع المدينة الرئيسية بيروت.
3-العلويون مع المدينة الرئيسية اللاذقية.
4-جبل الدروز ومركزه في السويداء.
وعُين كحاكمٍ للبلاد كلها مفوض سامٍ له مندوبيه ومستشاريه لدى حكومات كل دولة مستقلة.
بدأ النضال ضد نظام الاحتلال مباشرة بعد احتلال البلاد من قبل القوات الفرنسية. ومن الانتفاضات الهامة التي قامت قبل عام 1925 انتفاضة جبل الدروز عام 1922 وانتفاضة جنوب لبنان عام 1923.
قبل عام 1924 استطاعت فرق الأنصار جذب قوى هامة من الجيش الفرنسي باتجاه الشمال على طول الحدود التركية. ولكن نشاط الأنصار قد تناقص لدرجة كبيرة بعد المعاهدة الفرنسية التركية.
لم يستطع الفرنسيون حتى الآن القضاء على الانتفاضة الأخيرة التي قامت في تموز عام 1925 وتحولت إلى ثورة شعبية عارمة وحقيقية.
المرحلة الأولى
بلغت هذه الانتفاضة ذروتها خلال الفترة ما بين تموز وتشرين الأول عام 1925، حيث تم إحراز نجاحات عسكرية ضخمة للثوار: الانتصار على بعثتين فرنسيتين في جبل الدروز، وتحطيم فرقة ميشو وجذب جزء من فلاحي حوران إلى الانتفاضة، وكذلك فلاحو الغوطة وسكان دمشق وحمص وحماة وحلب. وكان الهجوم على دمشق في نهاية 1925 هو ذروة النجاحات العسكرية خلال هذه الفترة، حيث رافقت الهجوم معارك المتاريس الكبيرة في المدينة بالذات، وقام الفرنسيون بقصف دمشق بالمدافع وتهديم جزء من هذه المدينة المقدسة بالنسبة للمسلمين.
المرحة الثانية
تشرين الأول عام 1925- آذار 1926: كان هجوم الثوار هو الطابع العام لهذه المرحلة أيضاً. قام الثوار في هذه المرحلة بمحاصرة دمشق وخلال عدة أسابيع، وانقطعت الاتصالات بين المدينة والمناطق الأخرى من البلاد. وامتدت الثورة إلى جنوب لبنان، واستطاعت إحدى فرق الثوار الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط على بعد 30 كم من بيروت.
وفي المنطقة التي استولى عليها الثوار تم تشكيل حكومة وطنية سورية برئاسة المرحوم رشيد بك طلعت، القائد المعترف به في المنظمة الثورية العربية «الاستقلال».
تم وضع لائحة معينة لجمهورية ديمقراطية أصبحت بمثابة برنامج سياسي للانتفاضة، وكأساس لكافة المراسيم والأعمال الصادرة عن الحكومة واللجان الثورية.
وقامت الحكومة الوطنية بتنظيم جيش ثوري نظامي كما تم خلق نواة لجيش من كتيبتين من الحرس الوطني الثوري، ولكن النقص في الوسائل بعد وفاة رشيد أوقف هذه البداية، كما أوقف المحاولات المماثلة التي قام بها فوزي القاوقجي ونسيب البكري وغيرهم من القادة الراديكاليين.
ولكن في نفس هذه الفترة يجب التنويه إلى أنه تم القضاء على جماعات الثوار في الشمال (حلب وحمص) وبروز الضغط المتعاظم الذي نتج عن الإمدادات الضخمة التي وصلت إلى الفرنسيين. لقد انتهت المرحلة الثانية بإنهاء الحصار المضروب حول دمشق وتراجع الثوار من لبنان إلى حوران.
المرحلة الثالثة
(ربيع 1926- خريف 1926): تميزت كلها بهجوم الجيش الفرنسي، وبدأ تراجع فرق الثوار من ضواحي دمشق ومن حوران وجزء من الغوطة، وكذلك من غرب وجنوب غرب جبل الدروز، وفي النهاية سيطر الفرنسيون على نقطة انطلاق حركة الثوار (السويداء) وفي نهاية تشرين الأول عام 1926 تحول الثوار إلى كفاح الأنصار (البارتيزان).
المرحلة الرابعة
(تشرين الثاني 1926- خريف 1927): وهي تتميز بالكفاح العنيد للبارتيزان الذين عمّوا البلاد باسرها، ولكنّ قاعدتهم كانت شرق وشمال جبل الدروز واللجاة وبعض نواحي الغوطة.
المرحلة الخامسة
(بدءاً من ربيع 1927): وهي مرحلة انسحاب الثوار من سورية بإيعاز من سلطان الأطرش إلى نجد (أرض بن سعود) وتقديم الدعم لنضال فرق الأنصار في سورية.
حركة الإضرابات أثناء الثورة
لقد استطاعت حركة الإضرابات أثناء فترة الثورة شل قوى الإدارة الفرنسية تماماً في الوقت الذي احتاجت فيه تطورات الثورة إلى الاهتمام والطاقة القصوى.
كانت الجريدة الأسبوعية المكرسة للدفاع عن مصالح العمال الاقتصادية هي المنظم الفكري لحركة الإضرابات. وبدءاً من تشرين الاول 1925 ولغاية آب 1926 لم يحدث أي نزاع بين العمال وأرباب العمل دون المشاركة المنظمة من الصحيفة التي استفادت من كل حجة للدعاية لضرورة التنظيم والنضال من أجل تحسين الوضع الاقتصادي للعمال. ونظراً للصعوبات الاستثنائية من قبل الرقابة وبهدف المحافظة على صدور الجريدة ولو شكلياً بصفتها معبرة عن طبيعة مهنية لا أكثر، فقد اضطرت إلى التلاعب، غير أنها كانت دائماً تربط النضال الاقتصادي بالسياسي.
تعتبر «اللجنة التنظيمية الخاصة بتكوين اتحادات عمالية مهنية» هي المركز التنظيمي الآخر للحركة المهنية. ولقد تكونت هذه اللجنة خريف عام 1925.
قام أول إضراب في بيروت في شهر تشرين الثاني 1925 في معمل الأخشاب. ولم يكن هذا الإضراب كبيراً من حيث حجمه، حيث اشترك فيه ما لا يزيد عن 200 شخص، غير أنه قام في الوقت المناسب، حيث إنه تطابق مع هجوم الثوار على بيروت.
واعتقلت الشرطة أعضاء المظاهرة المعروفين من اللجنة التنظيمية وقدمتهم إلى المحكمة، ووجهت إليهم تهمة القيام «بمؤامرة بلشفية» في بيروت (هذا ولا يزال المعتقلون حتى الآن في المنفى).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1016