من تجربة الثورة السورية /2/

من تجربة الثورة السورية /2/

نشرت مجلة الشرق الثوري (ريفوليوتسييوني فاستوك)، مجلة جمعية البحث العلمي التابعة للجامعة الشيوعية لشغيلة الشرق المسماة باسم ي. ف. ستالين. العدد 3، عام 1928. مقالاً تحليلياً مهماً عن الثورة السورية الكبرى 1925-1927، ننشره على شكل حلقات.

حركة الإضرابات أثناء الثورة

لكن هذه الاعتقالات لم تقف دون الحركة العمالية. وفي الوقت نفسه ومع احتدام العمليات الحربية في شمال سورية، ونضال العناصر الراديكالية في الحركة الوطنية ضد المفاوضات التي يجريها دو جوفينيل مع العناصر الانتهازية في الحركة، ودعوته للبرلمان في شباط من عام 1926 جرى إضراب في ورشات سكك الحديد في حلب، وعمال النسيج في حلب وحمص.
مع اشتداد الأعمال العسكرية من جديد حول دمشق واحتدام الوضع السياسي وتشكيل فصائل المقاومة (البارتيزان) أيضاً في لبنان ذاتها (البقاع وطرابلس)، جرت في كل سورية في صيف عام 1926 (أيار- آب) موجة واسعة من الإضرابات. ونشير إلى أهم هذه الإضرابات: إضراب مستخدمي البلديات وعمال النسيج في دمشق، وعمال النسيج في حماة، وعمال التبغ في لبنان، وإضراب عمال الترامواي والكهرباء والطباعة والمستخدمين في ميناء بيروت.
خلال هذه الإضرابات، حاولت الشرطة والبرجوازية المحلية إلى جانب الإرهاب والاضطهاد (ترافق ذلك مع حملة اعتقالات واسعة خلال إضراب عمال الترمواي في بيروت بصورة خاصة) تفتيت الحركة العمالية بتنازلات واضحة: شكلت لجان التوفيق من ممثلين للعمال وأرباب العمل برئاسة مدير الشرطة أو رئيس لجنة الإدارة في المدينة، وجرى ضغط على أرباب العمل لتقديم تنازلات. غير أن التطور اللاحق للحركة الإضرابية قطع أعمال لجان التوفيق هذه، وأصبح من النادر فيما بعد أن تلجأ الشرطة إلى مثل هذه التدابير.
وجرت موجة من الإضرابات في نهاية عام 1926 وبداية عام 1927: إضرابات عمال النسيج في حلب، والسائقين (عدة ألوف من الناس) في لبنان، وعمال التبغ في لبنان، ومع الاضطرابات الأخيرة في حلب، جرت مظاهرة كبيرة من عمال التبغ والتجار الصغار ضد مؤسسة الريجي (مؤسسة احتكار التبغ الفرنسية) التي أثارت كراهية الناس ضدها. على أساس عدم الرضا العام على النظام السياسي وتلبية للنداءات، وجزئياً، تضامناً مع الإضرابات العمالية الاقتصادية. وفي الوقت نفسه جرت إضرابات ذات طبيعة خاصة تصبح مفهومة فقط في ظروف النظام الاستعماري، وهي إضرابات المحامين والصحفيين تحت شعار الاعتراض على إجراء المحاكمات باللغة الفرنسية، وتوقف المحامون والقضاة العرب عن العمل في المحاكم، وتوقف عمل القضاء لأسابيع عديدة. وعلى الشاكلة نفسها أوقف الصحافيون تحت شعار الاعتراض على المراقبة المفروضة حسب الاتفاقية العامة، إصدار الصحف لفترة من الزمن.

نشاط الحزب

تأسس الحزب الشيوعي السوري عشية الثورة، وكان في البداية عبارة عن جماعة صغيرة من العمال متماسكة ومتراصة، ونمت هذه الجماعة وقويت وتطورت مع انتشار الثورة وتطورها.
ساعد الحزب الشيوعي الفلسطيني الشقيق كثيراً في تنظيم الحزب. وارتبط الحزب الشيوعي السوري منذ اللحظات الأولى لظهوره بالحركة الوطنية الثورية.
أدى هذا الاتصال إلى تقديم خدمات ثمينة للثورة. فلقد أدخل إلى الحركة الجماهيرية العفوية للفلاحين السوريين- وفقراء المدن المستائين من نظام الاحتلال- عنصر البرمجة والتنظيم، وتبينت الحركة هدفها ووضعت برنامجاً سياسياً لنفسها، وجذبت اهتمام الرأي العام الداخلي، ووصل صداها إلى خارج البلاد.
لم يبرز تنظيم الرأي العام في التحريض والدعاية المباشرتين وحدهما. فإن العديد من النداءات والخطب وغيرها في الاجتماعات والمساجد أوضحت للسكان الطابع السياسي الثوري للثورة، كما إنها بددت افتراءات الصحافة المأجورة التي كانت تسعى إلى تصوير الثورة وكأنها مجرد تمردات محلية وحركات قطاع طرق وعصابات ومذابح ضد المسيحيين يقوم بها الدروز والمسلمون.
لقد أعار الحزب الشيوعي السوري اهتماماً خاصاً منذ البداية للطرح الإعلامي الصحيح في البلدان العربية وأوروبا. إن الإعلام المطروح بصورة صحيحة والاتصال المستمر بالحركة الوطنية أعطى الإمكانية لتزويد المطبوعات العربية العديدة والصحافة العمالية الأوروبية بالأخبار المنتظمة المناسبة. وبفضل ذلك الطرح الإعلامي الصحيح أمكن تسريب مقالات حتى إلى الصحافة البرجوازية الأوروبية لتتعاطف مع الثورة في سورية. وأخيراً، وبعد جهود طويلة تمكن الحزب عام 1926 من إصدار صحافته الخاصة.
ومن الأعمال السياسية المشتركة مع الحركة الوطنية الثورية نميز ما يلي: مظاهرة وأعمال ضد الإمبريالية الإنكليزية أثناء مرور اللورد بلفور عبر فلسطين وسورية عام 1925، ومظاهرات مستأجري المساكن في بيروت في تموز عام 1925 (وقد تم تفريق هاتين المظاهرتين من قبل الشرطة والقوات العسكرية مما أدى إلى وقوع ضحايا عديدة) مظاهرات دموية في حمص وحلب وغيرها ضد المأساة التي وقعت أثناء الانتخابات البرلمانية والتي قطعت هذه الانتخابات مظاهرات فلسطين أثناء مرور دو جوفينيل (صيف 1926) وبونسو (1927).
واشترك الحزب بنشاط واسع في تنظيم حملات التبرع الجماهيرية لقضايا الثورة. وبذلت جهود كبيرة بصورة خاصة على نشر وتنظيم أعمال المساعدة لضحايا الثورة.
وبعد اندلاع الثورة على الفور ابتدأ الحزب بتوجيه النداءات لجنود الجيش الفرنسي. في البداية حيث كانت الاتصالات معدومة كان يجري توزيع هذه البيانات حول الثكنات أو تلصق على الجدران في الليل أو قرب الثكنات والورشات العسكرية والمهاجع المجاورة، وبالتدريج أقيمت الاتصالات ووجدت النداءات والأدبيات طريقها المباشر إلى الثكنات. فلقد تم النجاح في إيجاد بعض الخلايا العسكرية الصغيرة.
وأثناء العمل في الجيش تم الأخذ بعين الاعتبار التركيب القومي والديني للقوات الفرنسية في سورية. وقد أعارت البيانات الموجهة إلى الجنود الفرنسيين الانتباه للمناخ غير الملائم وقضاء زهرة العمر في الصحارى والجبال. كما نبهت إلى الخسارة الكبيرة في الأرواح البشرية وفي الوسائل التي يتحملها الشعب الفرنسي من أجل هذا التوسع في سورية، المفيد فقط للبنوك وللموظفين المستعمرين والضباط والعملاء. كما أن هذه البيانات فضحت الافتراءات المزعومة حول بربرية المسلمين والدروز وعنفهم في علاقتهم بالمسيحيين. ودعت جميع النداءات الجنود للتآخي مع الثوار وتوجيه السلاح إلى صدور ضباطهم وجنرالاتهم.

من تجربة الثورة السورية /1/

معلومات إضافية

العدد رقم:
1017