الجريدة الاشتراكية الأولى في سورية

الجريدة الاشتراكية الأولى في سورية

في بداية القرن العشرين، كانت أفكار الاشتراكية والعدالة الاجتماعية تنتشر حول العالم، وفي سورية، ورغم الاستبداد العثماني الذي تغلغل فيه الرأسمال الأجنبي، انتشرت الأفكار الأولى حول الاشتراكية والعدالة الاجتماعية بتأثير الثورة الروسية الأولى «1905-1907»، وتأثير أفكار التنوير القادمة من مصر وأوروبا.

البدايات الأولى

يقول الدكتور جورج سمنه (سوري يكتب الفرنسية) في كتابه «سورية» الصادر في باريس عام 1920 في الصفحة 57: إن مظاهرة اشتراكية جرت على شاطئ من لبنان في الأول من أيار 1907، ولم تجرؤ السلطات على ملاحقة المحتفلين، لأنهم كانوا مدعومين بالعطف العام. وكان الخطباء الشبان الشعبيون والجريئون، يثيرون عواطف الجمهور.
وكتبت مجلة «المراسلات الأممية» الناطقة باسم الأممية الشيوعية الثالثة -الكومنترن في عددها رقم 89 عام 1925: يعتقد أن أول احتفال بالأول من أيار على الأرض العربية جرى في لبنان عام 1907، ففي ذلك العام، احتفلت بالأول من أيار مجموعة من المثقفين والطلاب الذين درسوا في أوروبا، وعادوا إلى لبنان حاملين معهم أفكاراً اشتراكية.
وقبل ذلك، أصدر أحمد فارس الشدياق جريدة «الجوائب» الشهيرة بين عامي 1861-1883 وكان للجريدة نفوذ سياسي وعلمي وصحفي كبير. وهو أول من وضع كلمة «الاشتراكية» في اللغة العربية ضمن مقال منشور في الجريدة عن الحركات العمالية.

جريدة الاشتراكية

بتاريخ 17 آذار 1912، صدر في دمشق، العدد الأول من جريدة «الاشتراكية»، وهي جريدة جدّية هزلية مصورة، صاحبها ومديرها المسؤول حلمي الفتياني.
«الاشتراكية» هي أول جريدة اشتراكية في سورية، صدرت في صفحتين من القطع الصغير، وعرفت باسم «جريدة جدّية هزلية مصورة»، يومية تصدر كل أسبوع مرة بصورة مؤقتة. ويبدو أن صاحبها أراد تعريفها بأنها هزلية للتخفيف من جديتها كما جاء في «معجم الجرائد السورية» للدكتور مهيار عدنان الملوحي.
كانت الجريدة جادة في طرح موضوعاتها التي تعكس بالتأكيد تسميتها، وتناولت الجريدة «الاشتراكية والمساواة والحقوق والواجبات في المجتمع الإنساني والاشتراكية كمذهب». كما كانت إدارة الجريدة في شارع السنجقدار، وبلغت قيمة الاشتراك في دمشق مجيدي واحد، وفي البلاد العثمانية مجيدي وربع، وخارج البلاد العثمانية فرنك واحد. وثمن العدد متليك واحد.

وردت معلومات مهمة في رسالة عادل الحموي حفيد حلمي الفتياني من ابنته الوحيدة إلى المؤرخ زياد الملا سنة 1990 بمناسبة نشر الأخير لمقال عن حلمي الفتياني في مجلة دراسات اشتراكية. وتصور هذه المعلومات ومقال دراسات اشتراكية حالة البلاد في تلك الفترة.
قبل الحرب العالمية الأولى، وبعد زوال استبداد السلطان العثماني عبد الحميد إثر ثورة عام 1908 في تركيا، نشأ نوع من الديمقراطية النسبية في الدولة العثمانية، فظهرت الصحف وتأسست الأحزاب، كما ظهر الجناح اليساري في الحركة الوطنية، حيث صدرت جريدة «الاشتراكية» بعد أن حصل حلمي الفتياني على ترخيص لها.
اشتهرت عائلة الفتياني في القدس ونابلس بتولي عدد من رجالها مناصب الإفتاء، وعاش حلمي الفتياني شبابه في دمشق، كما أسهم في الحركة الفنية والمسرحية مع أبي خليل القباني، ورافقه في رحلته إلى مصر تجنباً لضربات القوى المحافظة، وتأثر هناك بالأجواء التنويرية بين مثقفي مصر.
بعد عودته إلى دمشق، أسس جريدة «الاشتراكية» التي أغلقتها السلطات العثمانية بعد أقل من شهر على إصدارها، واضطر حلمي الفتياني نتيجة مضايقات السلطات العثمانية إلى مغادرة دمشق تاركاً ابنته الوحيدة عند أهل زوجته.

استيقاظ آسيا

كتب لينين في جريدة «البروليتاري» عام 1908 مقالاً يحمل عنوان «مادة ملتهبة في السياسة العالمية» عن الحركات الشعبية التي بدأت تظهر بعد الثورة الروسية الأولى في تركيا العثمانية وإيران والهند والصين والهند الصينية. وقد وصف بعضها بأنها نصف انتصار، فالحركة في إيران انتهت إلى ثورة مضادة جمعت بين بين الثورة الروسية الأولى وحل مجلس الدوما الأول، والثورة في تركيا كانت نصف انتصار لأن «نيقولاي الثاني التركي» قد نجح بالتملص منها. ولكن رغم أن هذه الحركات الأولية قد انتهت وهزمت، ولكنها كانت تمريناً على ما هو قادم، وبداية لاستيقاظ آسيا.
كانت الثورة الروسية الأولى بمثابة التجربة العامة لثورة أكتوبر 1917، وكتب لينين في جريدة البرافدا سنة 1913 أن استيقاظ آسيا وشروع البروليتاريا المتقدمة في أوروبا بالنضال في سبيل السلطة يرمزان إلى مرحلة جديدة في التاريخ العالمي بدأت في أوائل القرن العشرين.

أكتوبر والعالم العربي

نشر الكاتب مواهب كيالي مقالاً في مجلة الأزمنة الحديثة عام 1964 بعنوان «أكتوبر والعالم العربي» قال فيه: إن اسم لينين كان معروفاً في البلاد العربية حتى قبل ثورة أكتوبر، لقد عرفوه كمهاجر ثوري كافح ضد الاضطهاد الاجتماعي، ومن أجل تحرير الشعوب المستعبدة.
وتسربت أفكار ثورة أكتوبر إلى البلاد العربية رغم منع السلطات الاستعمارية وصول الصحف التي تتحدث عن أخبار أكتوبر والبلاشفة.
حيث وصلت أخبار الثورة إلى سورية والعراق عن طريق خط الجبهة القفقاسية حيث كان يتجابه الجيشان الروسي والتركي حتى خانقين في العراق. وانتشرت بين جنود الجيش التركي الذي كان يضم في صفوفه الكثير من العرب. كما وصلت أخبار الثورة إلى جنوب بلاد ما بين النهرين عن طريق إيران والهند، لأن جيش الاحتلال البريطاني في العراق كان يـتألف على الأغلب من جنود هنود، ولن نبالغ إذا قلنا: إن شعوب العراق قد شعرت مباشرة بتأثير ثورة أكتوبر 1917. وفي عداد البحارة الفرنسيين الذين كانوا في البحر الأسود، وقام قسم منهم بانتفاضة مساندة للسوفييت وسلطتها الثورية، كان يوجد جزائريون، مثل: الرفيق القديم الحاجي عمر من وهران الذي حمل إلى الجزائر أول خبر عن ثورة أكتوبر 1917. تاريخ الأقطار العربية المعاصر ص 22-23.

وفي أيلول 1922، صدرت جريدة «الصحافي التائه» في لبنان لصاحبها إسكندر الرياشي، وعرفت الجريدة نفسها بأنها جريدة البؤساء والعمال، ولعبت دوراً هاماً في إنارة الأذهان حول الاشتراكية والحركة والعمالية.
عشر سنوات هو التاريخ الفاصل بين صدور جريدة الاشتراكية 1912 وجريدة الصحافي التائه 1922، وكانت مرحلة هامة من تبلور وانتشار الأفكار الأولى حول العدالة الاجتماعية، ومهدت لاحقاً لظهور الحركة العمالية المنظمة وحزب الطبقة العاملة عام 1924 عشية الثورة السورية الكبرى.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1008
آخر تعديل على الإثنين, 08 آذار/مارس 2021 13:11