الحواجز.. وراديو الحرة و«الردح» الديمقراطي..

 من بين الكثير من اللحظات التي نمر بها، هنالك وقت لا بد من التوقف معه لكي ندونه، ونؤرخه على الورق الأبيض، ومن ثم نفضحه على أوراق الجرائد والمجلات.

بعض اللحظات فقط جديرة بأن ندونها، ونكتب عن حدث فيها أو عشق للحظات انتظار كما يعشق المتيم لحظات انتظار محبوبته.

إلا أن أكثر من ثلاث ساعات على حاجز عسكري إسرائيلي على طريق واد الباذان – نابلس جديرة أيضاً بأن ندونها كي تصبح جزءاً من ذاكرتنا، ونحن نضحك بسخرية وآلم، ونطل من شباك السيارة لنرى وجه إنسان آخر في السيارة المقابلة ينتظر، فنضطر أن نبتسم.

«روبي» التي شعرت بأنها تود التعبير عن اللاشيء، وهيفاء التي تثير شهوة الثمانيني، وأخرى التي فقست مؤخراً من إحدى الفضائيات السخيفة شعرت بأنها قفزت من المذياع وبدأت بالرقص في حضني، غير مبالية في ثورتي وضجري من الانتظار المقيت على الحاجز الإسرائيلي اللعين، أنتظر الجندي اللعين أيضاً كي يشير لنا بيده لنتقدم باتجاهه، ليقوم بسخافته المعتادة بتدقيق هويتي.

إذاعة «الحرة» المدعومة أمريكياً، ترقص وتغني، والمذيع السخيف يقطع صوت مشبوهة تغني ليذكرنا بأن: إذاعة الحرة ، إذاعة الحرية، وصوت الناطقين بالحرية والديمقراطية، فأضيف خلفه عبارة نسيها متعمداً «والناطقين بالدعارة الفكرية والسياسية».

يزداد ضجري من هذه الإذاعة لحظة تلو الأخرى، ويصر سائق السيارة العمومية التي نركبها أن يبقى مؤشر التردد الهوائي للمذياع على هذه المحطة، فيزداد ضجري الديمقراطي أكثر، فأحاول أن أغفو فتأبى تلك التي تشبه أم المذيع بالصفات السلوكية إلا أن تستمر«بالردح» فتسرق الإغفاءة من عيوني.

(بالمناسبة «الردح» كلمة فلسطينية تعني الصراخ المزعج، والصوت العالي المقلق والذي يصدر عن امرأة أثناء الشجار مع زوجها أو أولادها أو الجيران)

ثلاث ساعات من الضغط والكبت والإذلال وقمع الحرية على حاجز جنود الدولة اللقيطة الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط حسب المعايير الأمريكية، وقناة الحرة «تردح» أكثر، وأبواق السيارات التي تحيط بي أيضاً «تردح».

وكل شيء بعد الساعات الثلاث بداخلي «يردح».

وأمريكا حين قَدِمت بجيشها الجرار وحلفائها، كلهم كانوا «يردحون» بالديمقراطية والتعددية، وحقوق الإنسان.

والشعب الفلسطيني الذي يتقن كل من حوله تجريب العذاب فيه أيضاً كان ديمقراطياً في انتخاباته الأخيرة فقرر هو الآخر أن «يردح»، لكنه «يردح» بطريقة مختلفة عن الآخرين، فقد كان «يردح» آلماً وعذاباً وضيق نفس من هذا الحصار الإسرائيلي الديمقراطي جداً.

كل الذين «ردحوا» سواء راديو الحرة، أو المغنيات، وغيرهم، وجدوا من يسمعهم، لكن شعبي وأنا واحد من أبنائه «ردحنا» «ونردح» يومياً على الحواجز الإسرائيلية الديمقراطية، ولم نجد من يسمعنا.

أما قناة الحرة تجد دوماً من يترنح صخباً، ونفاقاً، ودجلاً، وخيانةً، وطرباً، على «الردح» الجميل.

إذاً «فلتردح» الحرة، الطريق الجديد للاستعمار الديمقراطي جداً، على الحاجز الديمقراطي، ولتحاول ترقيع صورة الوحش الرأسمالي الأمريكي قدر ما تشاء، فوجه الوحش لا يغطى بغربال.

• (ملاحظة: هذا المقال كتبته أثناء الوقوف الإجباري على أحد الحواجز العسكرية الإسرائيلية بين مدينة نابلس وقرية طلوزة )

■ مهند صلاحات

كاتب فلسطيني مقيم في الأردن

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.