ربما ..! عراق محمد مظلوم
يقودنا ما حدث في العراق إلى السؤال عن نص شعريّ يخصّ بلاد ما بين النهرين على غرار الملحمة الفلسطينية التي كتبها محمود درويش باقتدار، حيث استطاع تثبيت مأساة الإنسان الفلسطينيّ غير المدونة في التاريخ الرسمي. يأتي هذا السؤال عن قصيدة العراق في عصر الاحتلال الأمريكي ليفحص: هل جاء من يكمّل تراجيديا العراق التي كان السياب آخر من انهمك فيها، حيث وصل إلى ذروة الإبداع الشعري في ملحمته الخالدة «أنشودة المطر» والتي عُدّت القصيدة العربية الأبرز في القرن العشرين. لكن غياب السيّاب واستمرار المأساة هو ما يجعلنا نتساءل، ذلك أن ما حدث على أرض الرافدين في العقود الأخيرة من القرن الماضي، وصولاً إلى وقتنا الراهن الذي أعادنا فيه اليانكي الأمريكي إلى عصور الكولونيالية القديمة ـ بالتجاور أيضاً مع عملية الإبادة الشاملة التي تجري على أرض فلسطين ـ يضع الشعر في المجابهة التي كان يخوضها دائماً لتثبيت الفكرة المحورية التي قال بها غرامشي: «صحيح أن المنتصر هو من يكتب التاريخ ولكن من يكتب الحكاية؟».
في غمار هذا السؤال تبرز تجربة الشاعر العراقي محمد مظلوم بوصفها قصيدة توازي مأساة العراق المعاصر، عراق ما بعد السيّاب، وعلى وجه الخصوص في عمله الشعري «أندلس لبغداد» القصيدة التي اتخذت شكل الديوان، وكذلك في «اسكندر البرابرة» المجموعة التي تتخذ قصائدها شكل ملاحم موجزة ..ما يميز تجربة هذا الشاعر العراقي أنها مدموغة بميزة البحث، البحث في الشعر والتاريخ، ففي السمة الأولى تتجاور الأشكال الشعرية لديه: عموداً وتفعيلة وقصيدة نثر.. كي تتحاور طالما أن شغله الأساسي غير معني بنمطيتها بل بالجوهر المعبَّر عنه. أما التاريخ فليس سوى خامة يُعنى الشاعر بمداولتها على نحوٍ ما، لكن التاريخ عبر هذه المداولة ليس منتهياً أو جاهزاً أو آخذاً شكلاً واحداً، بل هو كينونة تنطوي على تجربة إنسانية تجعل من جميع ما يرد في الفهارس الزمنية، وبطون الكتب مادة حيوية تشكل تاريخ الإنسان وسيرته المتصلة.
في هذا السَفَر المضني يذهب شعر مظلوم صوب منابعه الأولى عبر تراث كبير من الشعر العربي، بل وصوب منابع شعر من هذا النوع في العالم «ملحمة جلجامش»، «الإلياذة»، «الأوديسة»... إلخ، وذلك من أجل استعادة الغنائية الكونية الصافية، وهي التي صارت اليوم في عداد المفقودات، وذلك في حاضن ثقافي يعصرن الأدوات والمعضلات، ويدعو الجميع إلى مائدة واحدة، فيحضر هوميروس الأعمى وكافافي ولوركا وإيلوار والحبوبي..