جهاد أسعد محمد جهاد أسعد محمد

فرقة «باب» المسرحية في باكورة أعمالها.. «الجمعية الأدبية»: حضرت كل العناصر.. وغاب النص!

كان يمكن لفرقة «باب» المسرحية العتيدة أن تجعل من عرضها الجماهيري الأول «الجمعية الأدبية»، مناسبة حقيقية لانطلاقة مميزة وواعدة، ولتقديم نفسها  -عبر باكورة أعمالها - بصورة أكثر تناسباً مع إمكاناتها المكنونة.. فعدا الفرصة الضائعة في إعدادٍ جيدٍ لنص قابل للتوطين ليس من حيث الشكل فقط، وإنما من حيث المضمون، وهو ما افتقدته المسرحية بصورة مثيرة للغرابة، كانت كل المكونات الأساسية حاضرة بتميز لافت: المخرج والممثلين والفنيين والمساعِدات السمعية والبصرية..

 

«الجمعية الأدبية» مسرحية ساخرة للأديب الغاني هنري أوفوري، ترصد بعض المظاهر الذاتية لنماذج مختلفة من الشرائح المتوسطة، تجمع بينها جملة من الاهتراءات النفسية والقيمية التي تتوارى خلف لغة وأثواب مخادعة لاختلاق تمايز واهٍ عن الآخرين/ العاديين، فيكشف عريها ويفضح هشاشتها بطريقة ساخرة بعيدة عن التشفّي أو الإدانة المباشرة. فالنص يتحدث عن مجموعة من المتعلمين الذين جمعتهم ظروف العمل في منطقة نائية، ما يدفعهم لتشكيل جمعية أدبية تنحصر عضويتها في فئات محددة من الناس كبعض المدراء والموظفين والمعلمين... لكن هذه الجمعية لا تلبث أن تضمحل وتأخذ بالتلاشي بعد أن يهجرها معظم أعضائها نتيجة غوصها في الترهات والنزاعات الشخصية، ولافتقادها للحيوية والتجدد والجدية والترابط الإنساني العميق بين أفرادها، لتقتصر في النهاية على عدد محدود يتجاوز بالكاد أصابع اليد الواحدة.

النص في تكوينه، مرن ومفتوح للتأويل والتضمين والتوطين، ولعل هذا ما يقف خلف انتشاره والاستمرار في تناوله على الخشبات عالمياً، ولا شك أن استعارته ليمثل حالة فرضتها طبيعة التطور الاقتصادية والتنموية السورية هو أمر موفق إلى حد كبير، وكان بإمكان الأستاذ عبد الله الكفري الذي أعده للعرض محلياً باللهجة الدارجة، أن يحمله ما يشاء من المضامين ذات الخصوصية السورية، وتحديداً المظاهر الراهنة الناشزة كالفساد المالي والإداري والبيروقراطية والمحسوبيات والنقل التعسفي والفراغ الثقافي ومحاذير العمل الجماعي...إلخ. وهذا لم يحدث إلا قليلاً، ولم يتعدّ في النهاية الإطار الشكلي، عبر اقتصار محاولات التوطين على استعمال اللهجة المحكية واستعارة لغة العامة الجريئة (النكات البذيئة، التلاعب بالألفاظ، السباب والشتائم...).. ما يخلق أسئلة كبرى عن جدوى تناول هذا النص بالذات؟.

فبين الشخصيات هناك المدير العام (رئيس الجمعية)، والمحاسب، والمعلم... وكل منهم لديه من الضحالة المعرفية والارتباك النفسي والهشاشة القيمية ما يكفي لاعتماده كنموذج ناضج لإبراز إحد المظاهر السلبية في المجتمع السوري في هذه المرحلة، ولكن هذا لم يحدث رغم أنه متاح ولو بالحدود التي نعرفها جميعاً، ولا نطالب أحداً بالخوض أبعد مما تسمح بها.

ضعف الإعداد المسرحي للنص، فوّت على المخرج الطموح، وربما الواعد، رأفت الزاقوت فرصة كان يمكن أن تكون أفضل وأعمق لإثبات مقدرته على إدارة عملية تراسل مكتملة بين الضوء والعتمة، بين الممثل والجمهور، ومع ذلك بدا أنه يمتلك أدواته بشكل جيد، وأن لديه حساسية عالية لترصد مدى فعالية هذه الأدوات، وقد تجلى ذلك من خلال دقة إيقاع العرض، والحلول غير المعقدة التي قدمها على مستوى الديكور والإضاءة وضبط حركة الممثلين وأصواتهم.. وما ينطبق على الزاقوت ينطبق على الممثلين، الذين حافظوا بمجملهم طوال ساعة كاملة من العرض على مستوى عال من العطاء، وقدّموا مجموعة مختلفة من المناخات النفسية والأنماط الحركية المتباينة،  وأبدوا انضباطاً جيداً بما تمرنوا عليه، رغم أن طبيعة الشخصيات تسمح، بل وتغري، باللجوء إلى المبالغة والاصطناع والتهريج.

بطاقة العمل:

إخراج: رأفت الزاقوت، تأليف: هنري أوفوري، إعداد ودرماتورجيا: عبدالله الكفري، تمثيل: أحمد ملص- حسام جليلاتي- حسام سكاف- رازميك ديراريان- محمد ملص- وئام اسماعيل، ديكور: زكريا الطيان، الإعداد الموسيقي والمؤثرات: أحمد الأشرم، تصميم البوستر والبروشور: سلام الحسن