رضوان محمد رضوان محمد

يسعى إلى إظهار المشتركات بين الشعوب ويدعو إلى الاحتفاء بها محمد السمّوري: يكفي نقادنا تعالياً على الأدب الشعبي

محمد السمّوري كاتب وباحث يهتم بالدراسات الأنتروبولجية، ومتخصص بالتراث اللامادي، عضو لجنة توثيق التراث الشعبي بالحسكة، وأمين سر فرع جمعية العاديات السورية فيها. يعمل على توثيق التراث الجزراوي، وله مشروع فكري ثقافي في الدراسات الأنتروبولوجية. ألف عدداً من الكتب منها: «فلسفة الصمت، ثقافة الصمت» «اشتغالات المعنى بين الفصحى والعامية» و«تاريخ الرقم سبعة».

• ما سرّ اهتمامك  بالتراث وبجانبه اللامادي تحديدا؟

بيني وبينك السرّ خطير، لأنه  يتعلق بالعولمة المتوحشة، وأدواتها وزبائنها الذين يطبلون لمقولاتها، ويتراقصون على زماميرها، هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم حضاريين مئة بالمئة، يدعون إلى التخلي عن التراث الثقافي باعتباره من الموديلات القديمة، فينعتونه بالتخلف، متناسين الجانب القيمي لهذا التراث والعبر والدروس والخصوصية الثقافية والحضارية لكل شعب، نحن لا ندعو البتة إلى التمسك بعباءة التراث والعودة إلى الوراء ولا ندعو إلى السلفية الثقافية، و كما قلت في غير مناسبة: التراث كالموقد به نار تحرق، ورماد لا ينفع، والى جانب هذا نجد به نوراً يهدينا إلى خصوصيتنا وهويتنا، ونحن ننقد التراث ولا نجمعه بكليته لنهديه للأجيال اللاحقة. لكننا نقول لأبنائنا هذه هي حرب البسوس هكذا فلا تعيدوها, والتراث اللامادي هو جزء هام من هذا التراث يعنى بالشفهي منه والمرويات المتواترة ومجمل التراث الثقافي من عادات وأقوال وأمثال وآداب وسواها مما ينبغي معرفته ونقده بعيون عصرية ومنحه القيمة الثقافية والأدبية وإخراجه من دائرة التهميش والإهمال.. يكفي نقادنا تعالياً على الأدب الشعبي، لأنه ثقافة الشعب فلينبروا إلى نقده والاهتمام به .إن لم نقل تدريسه أكاديميا. 

• ما الفرق بين ثقافة الصمت، وفلسفة الصمت؟ 

الصمت باختصار: هو كل الأفكار التي تدور في أذهان أصحابها دون أن يصدعوا بها لسبب أو لآخر، وحاول أن تراقب المارّة من حولك، كل منهم له قصة، في ذهنه موضوع، يردد مقولة، يدبّر شيئاً ما، إنه يفكر، لا يوجد عقل بشري واحد مقفل تماماً، ومجموع هذه الأفكار تدور في دوامة أسميتها «جمهورية الصمت» وحارس جمهوريتي اليوتوبية المزعومة هذه هو العقل الباطن، وهي مليئة جداً بالمكبوت والمسكوت عنه، والممنوع، والتابو، والعيب، والحرام، والمخيف، لكني لم أتمكن من التعبير عنها البتة ولا يوجد مخلوق على وجه الأرض يزعم أنه يستطيع ولوج عقول كل الناس ليعرف ما يدور في أذهانهم، وبالمقابل أعتقد أني استطعت القول: أن هذا الشيء موجود بالفعل وأضرب الناقوس للباحثين في علم النفس والأنتروبولوجيا، والجامعات للاعتراف بهذا العلم، إنه علم التأمل النظري، ويشمل علوم الروح والتصوف الفلسفي، واليوجا، والأسطورة الكامنة في اللاوعي الجمعي، ومفاهيم الجمال، والحرية، والحب، وهذه لها فلسفتها الخاصة فلا يمكنني تقديمها جاهزة .أما الجانب الثقافي الذي أسميته ثقافة الصمت فهو معرفة هذا الفعل اللا واعي وتحسس جذوره وملامحه في المشهد الثقافي وفي الإبداع الأدبي الثقافي ولا سيما الشعر، ‏فقرأت بين سطور عدد من الشعراء بعض خفايا الصمت من مثل انسي الحاج، ونزار قباني، وابن عربي.. كما تناولت قضية الصمت ثقافيا في ظواهر بائنة، كالمسيرة الصامتة، والموسيقا الصامتة، ودقيقة الصمت، وهناك مقولة في السياسة تتسم بالصمت عن اتخاذ الموقف، كالخنوع والتآمر، ومن أبشع صوره التآمر على الذات، كما جرى في غزة وقبلها العراق، هذه وسواها من مشاهد لها دلالات ثقافية دامغة. 

• ما هي الغاية من الكتابة عن التاريخ الشفهي؟ وإلى أي مدى تتحقق المصداقية في تدوين ما هو شفهي،  ومرتبط بالذاكرة الجمعية؟

إظهار تاريخ الجزيرة السورية الحديث بعدما بات من المنسيات، ونحن نلحقه راكضين قبل رحيل حملته من المعمرين. أما عن المصداقية فأرجو أخذ العلم أن الخبر المتواتر دائما هو خبر صادق، أما الخبر الكاذب فلا يدوم في الذاكرة الجمعية، وهذه حقيقة علمية، ثم أننا نقوم بدراسة هذه الأخبار أكاديميا ضمن منهج بحثي استقصائي، ثم نعتمد الرأي الراجح الذي هو بالحتمية صحيح، فسنة (ذراية) كل الناس يؤرخون بها فكيف بباحث الزعم أنه لم يكن هناك ثلج عاصف قد وقع عام 1910، وأثر بحياة الناس بهذه الشدّة التي جعلتهم يؤرخون بها، أما الخلاف فيمكن أن يكون على تحديد التاريخ بدقة، وهذه مهمة الباحث ومسؤوليته أولا وأخيرا.  

• ماذا عن كتابك الجديد «تاريخ الرقم سبعة»؟

هو دراسة تراثية تتخطى قليلا التراث المحلي للجزيرة السورية الذي كرست حياتي لدراسته وتوثيقه، وإن جاز التعبير فله صلة بالتراث الإنساني عموما، فلمّا وجدت إجماعا عالميا في الأديان والثقافات والفلسفات على تقديس هذا الرقم أخذت أتساءل عن السرّ، وبعد دراسته تبين أنه يشكل قضية ثقافية وقيمية إنسانية مشتركة تاريخيا، وهذه القيم المشتركة ما دامت هي الخامة الحقيقية لوحدة العالم كما يقول غارودي فلم لا. هو كتاب يقدم في البداية ورودات الرقم سبعة في الثقافات، ثم يحاول إسقاطها ثقافيا على وحدة العالم  بالسؤال الكبير الذي هو (لماذا ؟). هناك مشتركات كثيرة لدى الشعوب أود الدعوة إلى إظهارها والاحتفاء بها، لقطع الطريق أمام كل من يزعم أن ثقافته أكثر فعالية، فيفرضها على الآخرين لأنه منتصر وقوي، ويملك وسائل التدمير والترهيب وهذه خرافة..