قيس مصطفى عاشقاً على محرك البحث Google
يتم البحث في الشعر كالبحث في منجم من حيث الدخول إلى ماهو مؤهل للانفجار، ومن حيث التفكير بالنتائج الغامضة والمؤسية، أو التفكير بحجم وإغراء مايمكن الظفر به، عملية التنقيب هنا تماثل إلى حد كبير عملية استنباط شكل شعري مختلف والتعب هنا يفوق مجيء النص بحالته البكر واللذة التي يمكن تحقيقها.
قيس مصطفى في أبحث عنك على Google ينحو هذا المنحى بجرأة كبيرة تقربه من التسرع، السلطة في وضعه، ذاته، ومخالفة قيس أن هذه الذات / السلطة منتجة، تتفوق على خطر المجاز أو الغياب كما تذهب النظرية النقدية عادة، فغيابه فيه من المتعة والمشروعية مايجعله نافذاً أكثر من الحضور، بما يؤمن متلقياً تحدثنا عنه وعن روحه بالتشاكل مع نص مهيض، ومُشكِل، وبالتالي تحوله إلى البياض المستوعب لجسد النص.
العنوان الصادر عن احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008 يتوغل بعيداً في قص الحياة وسرديتها وفلسفتها الطفولية اليومية، دون الحاجة إلى حوامل لغوية تهذبها، بقدر ماتتعامل معها بتعريتها، وكشف زيفها وهالة القداسة المحيطة بها، مايقرب هذه اللغة كثيراً بصداميتها وعفويتها أيضاً أو في المحاولة والتنبه إلى عدم الإفراط في شكل القصيدة أو اللغة الحامل، صداميتها مع أشياء نصادفها، نركلها إذ لاحاجة لنا بها، على الأقل لحظة رؤيتنا لها: تؤمن بالحب/ يقيك من الخراب/ تميمة كل وقت/ اليوم فقط ستدخن ملياً/ ولن تؤمن بشيء/ أبداً/ أبداً» يظهر في المقبوس توق قيس مصطفى إلى تيه يريده كملاذ له ولنصه، ويظهر حبه بأشياء قد قلناها عابرين على المعنى، دون التوقف عندها، كإشكال، أو كمانح جديد، وكأن الشاعر يمتلك عيناً ثالثة هي التي رأت مالم نره، زاوجته بحالة أقرب إلى الشعر الذي يريده ويطمح إليه ربما كشكل أخي، وقولنا الشعر الذي يريده لايعني أننا لانتناغم معه ومشروعه، بل المعنى هنا أن الرجل يطمح لمحو أميتنا وجهلنا بنص آخر غير الذي تعودت عليه ذائقتنا ورسمنا خط سيره الرتيب في أذهاننا قبل قراءتنا له، ماأصاب فعل القراءة بالعطالة، صرنا أعداء للغة تخالف هذه اللغة ومكفرين لها، ولكل من يرفع العباءة عن رأسه محاولاً الخروج عن وصايا ومواعظ الآباء الشعريين، هنا ينتهي الشعر ؟!!!
قيس مصطفى على طراوة عوده أراد قول الحقيقة الشعرية، وليس الحقيقة المطلقة للفلسفة، المخلصة، للحياة، يلعب لعبته الطفولية دون الرجل الكبير الذي يسكنه وقد يكون هذا ماعنيناه بتسرعه يهمه إيصال فكرته، الواضحة أصلاً بكلمات واضحة أيضاً وعناوين لاتخص فكرته كشخص بقدر ماهي عناوين مستهلكة، والمتن الذي تلاها ماكان من العلو أو الاختلاف دائماً بحيث تظهر بعض العناوين المطروقة، وقد تم العمل فيها بجوانية تسوقها، وتخلق مستوى آخر لتلقيه كما في العنوان الأول (مالله وما لقيصر) سأعطي مالله لك/ وأعطي لك مالقيصر « وإذا تحدثت عن قصيدة مالله ومالقيصر أذكر إشراقات، تؤكد شاعرية من نوع خاص، قادرة على التفصيل اليومي وقادرة على ابتكار الصورة الشعرية الخالصة وبالتالي قول جملة شعرية خالصة، مايؤهل النص بالكامل، لو كان الديدن التأني، بأن يكون فاتحة مبهرة «أعرف أنه/ وعندما ينقلب العالم إلى ظلام/ وتذهب الأرواح إلى مزيد من العدم / ستعودين « على أن المقطع الأخير «ثم أن عدت تصيرين شجرة/ فهذا لأفضل ماتكونينه/ لإنصاف كل ذاك الطول ...._إلى _» ومرة يبني الغراب عشه في عينيك/ ويلتقطني مثل أي شمع يلمع « قفل موفق واستفادة واضحة من قصيدة الومضة التي تبنى على المفارقة معتمدة التكثيف وبخاتمة تفجيرية حسب محمد جمال باروت في كتابه «الشعر يكتب اسمه»، خاتمة تخرق انسياب النص ورتابته وارتخاءه، ليفاجأ المتلقي المغَّيب قليلاً بالشحنة العاطفية كتراكمٍ، صانعٍ للنص القائم على الإدهاش أخيراً، وإذا كنا في النص الأول والذي يكون بالعادة يخضع لإحساس الشاعر وانتقائيته بأنه الأكثر نضوجاً وتحملاً لرؤيته، الطامحة لإدخال القارئ بسلاسة وطيب خاطر.
يناور قيس مصطفى للوصول إلى تكثيف يليق بلعبه ومعرفته بقصيدة النثر واعتبار المحاولة هذه نموذجاً آخر للتعرف على أجواء المجموعة ، بتجاور الروحين العادي والدلالة القائمة بذاتها كأشياء منجزة، الأسماء، المدن، المفردات اليومية، وسبقه شغله في قصائد زرقاء كمنجز محدد الملامح، من البديهي أن قيس جريء لحد القسوة عندما ينهي أغلب جمله بـ»أزرق» أو «زرقاء» مستفيداً من دلالة الأزرق وقدسيته في الميثيولوجيا الإغريقية بأنه رمز السرمدي، مايعني أن هناك طلباً كونياً وتشاكلاً مع جوهر الخلود « تماماً تحت النجمة الأشد سطوعاً جلسنا/ قميصك أزرق/ الأشجار زرقاء/ الرب فكرة زرقاء «
إن اللغة المحلقة بالصور وفهم العلاقات الناظمة لها ليس قسراً أو عسفاً ترصدياً، لم يخلِّص (أبحث عنك على Google) من النثر اللاشعري، دون وجود المفارقة المنقذة، لغة متوسعة أفقياً، دون الحيطة، والاهتمام بالتكثيف، أو بالقفل المخاتل لسيرورة الجملة وانسيابيتها.
عموما ً (أبحث عنك علىGoogle) هو بحث في محرك حياتنا والتقرب من ذواتنا بلا تذويق يعيق التواصل مع قصيدة، لها وظيفة قول حقيقتها، ولها المتعة، هنيئاً لـ»قيس مصطفى» الذي يفوقنا قدرة في قول أشيائه كما يشتهي ولا بأس إذا اشتهيناها نحن أيضاً.