بين قوسين: الطاهر وطار
أنهى الطاهر وطار حياته بكتاب مثير للجدل، هو «قصيد في التذلل» ليس الكتاب سيرة ذاتية صريحة، وليس رواية، إنما هو بيان ساخط على حال المثقف وانزلاقه إلى أحضان السلطة.
كان صاحب «اللاز» يواجه المرض بعناد في أحد المشافي الباريسية، حين فكّر بإماطة اللثام عن أسرار الصندوق الأسود للمثقفين الجزائريين الذين احتلوا الواجهة من دون وجه حق، وفقاً لاعتقاده. في الواقع أن ما كتبه الطاهر وطار بجسارة وهتك وشجن لممارسات ثقافية جزائرية، يمكن تعميمه على الخريطة العربية برمتها، ذلك أن حبر النفاق ماركة ثقافية عربية مسجّلة. لا نعلم لماذا اختار المتنبي كأب لهذه السلالة، فتذلل المتنبي كان له أسبابه المغايرة، إذ كان المديح واحداً من أغراض الشعر آنذاك. مهما يكن فإن هذه المدوّنة الغاضبة، أشعلت النار في الحطب اليابس، في بلاد مضطربة مثل الجزائر، وكأن هذا «العنف» ترجيع لعنف آخر عاشته البلاد منذ عقدين إلى اليوم. هل ما كتبه صاحب «عرس بغل» تصفية حساب؟ ربما، لكنه في العمق تعبير أصيل، لطالما تواطأ المثقفون على السكوت عنه، وهاهو واحد ممن عاش تحولات ما بعد الاستقلال يتهم ويفضح ويعلن النفير في مواجهة ثقافة قبلية ونفعية متسلطة، أفرزتها المصالح والأعناق المنحنية أمام سيف السلطة.
«قصيد في التذلل» تقرير مضاد عن أركان الوشاية والصعود من دون سلالم إلى الكراسي الوثيرة. الكراسي التي يحتلها «الشاعر الأرنب»، والمخبر، والمتزلف. كتابات الطاهر وطار الأخيرة لم تهادن أحداً. كتاب الضاد والكتاب الفرانكفونيين معاً. وهو ما وضعه في مرمى شباك الخصوم، فتنازعته الألقاب: سلطوي، أصولي، علماني. بين هذه الخطوط المتشابكة أراد صاحب «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» الخروج من دهاليز ومتاهات جغرافيا متفجّرة، أصابته بأكثر من قذيفة. أليس هو صاحب شعار«لا إكراه في الرأي» الذي يتصدّر واجهة جمعيته «الجاحظية». ما الذي قاده إذاً،إلى كل هذه الخصومات ونبذ الآخر؟ ألم يحتل هو الآخر مقعداً في الواجهة طوال عقود، أم أن على الأجيال الجديدة أن تدفع ثمن فواتير التحاقه بجبهة التحرير إلى الأبد؟ لعلها حيرة المثقف في زمن زئبقي يصعب الإمساك به بدقة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.