الشام الكنز
سمّى العثمانيون دمشق «شام شريف» لقربها من فلسطين والقدس ووقوعها على طريق الحج ولمساجدها الكبيرة، ووصف (شريف) الذي يطلق على القدس وعلى الحرمين المكي والمدني، هو تعبير عن القداسة، هذه القداسة التي تملك دمشق الكثير منها، فدمشق تضم المسجد الأموي أحد أعظم المساجد في العالم الإسلامي، وكنيسة حنانيا المبنية فوق بيت حنانيا الذي لجأ إليه القديس بولس المؤسس الفعلي للمسيحية كمؤسسة دينية، وكما اهتدى شاوول إلى المسيحية على طريق دمشق (منطقة كوكب الحالية) ليصبح بولس، فإن الشارع الذي قصده في دمشق، الشارع المستقيم، هو واحد من مواقع قليلة خارج فلسطين، مذكورة في العهد الجديد من الكتاب المقدس. إنه أحد أقدم الشوارع في العالم، وهو لا يزال قائماً حتى الآن، حيث يقسم مدينة دمشق القديمة إلى شطرين، ويُشار إليه في الإنجيل بـ"الشارع المعروف بالمستقيم"، وثمة أحاديث نبوية عدة في فضل دمشق وإن كان معظمها ضعيفاً.
"الشارع المعروف بالمستقيم" أعمال الرسل 9/ 11 عبارة تصلح لأن تستخدم في الترويج لمدينة دمشق سياحياً، كأن تُكتَب على لافتة بعدة لغات وتُوضَع في هذا الشارع الذي يشهد اليوم نهضة عمرانية وسياحية، أو تُضمّن في كتيبات سياحية عن سورية.
شاعت في الصحافة السعودية منذ سنوات عبارة "المتر المقدس" لوصف المناطق المحيطة بالحرم المكي الشريف، وفي دمشق آلاف الأمتار المقدسة، ورغم الإقبال على الاستثمار السياحي في الشارع المستقيم خصوصاً بعد تجميله وترميمه إلا أن هذا الاستثمار اتخذ بعداً واحداً، ولم يهتم بالجوانب الدينية والتاريخية والثقافية، ورغم ارتفاع أسعار العقارات في تلك المنطقة إلا أنها لم تُسوَّق بعدُ كإحدى أكثر البقاع قداسةً وقيمة تاريخية في العالم.
كان الشهيد فيصل الحسيني يتحدث عن شراء الزمن في القدس، في سياق محاولاته الحفاظَ على طابعها الأصيل، واليوم أمام دمشق فرصة تاريخية لتقدم نفسها إلى العالم كما تستحق، بعيداً عن النظرة السياحية السطحية، فالمحافظة على آثار الماضي هي من أجل المستقبل، وهذا المتحف المفتوح هو هوية ثقافية وتراثية مرئية وكنز اقتصادي ومعنوي لا ينضب، وأي خسارة في هذا الصدد هي أمر لا يمكن تعويضه.