«كان» مهرجان تراشق التهم قضايانا حاضرة وسينمانا غائبة
مرت الدورة 63 لمهرجان كان السينمائي الدولي ضمن ظروف أثارت الجدل وخصوصاً على صعيد الخلافات داخل إدارة المهرجان قبل الافتتاح، والتي تركزت حول إمكانية عرض فيلم «كارلوس» الذي أخرجه السينمائي الفرنسي أوليفييه أساياس، عن سيرة المناضل الأممي الفنزويلي كارلوس، المعتقل حاليّاً في سجون فرنسا بتهمة الإرهاب، وبعد عرض الشريط لاقى كادره هجوماً شنيعاً من قبل الثائر نفسه، لظهوره بمظهر لا يشبهه في الفيلم ولاتهامه بقضايا هو بعيد عنها وفق تصريحاته، وضخ المهرجان جملة من المفاجآت التي أخذ أغلبها طابعاً سياسياً، بدأً من الأفلام المستبعدة والتي كان أهمها فيلم «ميرال» لجوليان شنايل الذي يتحدث عن قصة حياة الفلسطينية هند الحسيني.
هكذا بدت السياسة عنواناً لمهرجان كان في هذا العام ما أزعج الكثيرين، وخاصة أنصار الترف السينمائي الأوروبي والأمريكي، الذين رأوا المهرجان في أضعف مستوياته لهذا العام.
وعلى الرغم من أن أبواب كان مفتوحة أمام الإبداع العربي وفق قول مدير المهرجان تيري فريمو، استمر التواجد العربي بضآلته فقد بلغ أدنى مستوياته لهذه الدورة من خلال مشاركة وحيدة عربية/ فرنسية للمخرج الجزائري رشيد بوشارب بفيلمه «الخارجون عن القانون» ذي الإنتاج الفرنسي، هذا الفيلم الذي أثار ضجة كبيرة قبل وبعد عرضه لدرجة التظاهر أمام دار السينما التي عرضته وتفتيش الصحفيين المشاركين في المؤتمر الصحفي لكادر الفيلم، على اعتبار أن الفيلم قدم مستوى عالي من الانتقاد للاحتلال الفرنسي للجزائر واصفاً إياه بالدموية واللا إنسانية، ليقدم الفيلم صورة للعالم أجمع حول طبيعة الاحتلال الفرنسي الذي تعتز به فرنسا، ليكون الفيلم ثورة سياسية ضمن المهرجان من جهة ووجهة نظر ديموقراطية من قبل القائمين على المهرجان واحترام فرنسي للرأي الآخر وفق منظور معارضي الفيلم.
ويقف الفيلم الأمريكي «لعبة عادلة» ليناقش قضية الاحتلال الأمريكي للعراق بشكل مخالف للرؤية السينمائية الأمريكية المعتادة لهذه القضية، والتي توجها فيلم «خزانة الألم» لكاثرين بيغلو والذي حاز على الأوسكار، حيث يكشف هذا الفيلم لعبة السياسيين الأمريكيين في احتلال العراق رغم معرفتهم بعدم وجود سلاح نووي فيه.
ولا يبتعد العملاق الفرنسي جان لوك غودار عن القضايا العربية حيث تتواجد فلسطين تاريخاً وحاضراً في فيلمه «فيلم اشتراكية»، لتكون فلسطين عبارة عن تساؤلات كبيرة في ذمة الإنسانية.
وأمعنت السياسة في تواجدها في المهرجان بشكل آخر، من خلال المقاطعة الإيطالية «اليمينية» للمهرجان، وهي من الدول الأكثر تواجداً عبر التاريخ في المهرجان، ويعود السبب إلى غيرة المثقفين الإيطاليين على زعيمهم السياسي بيرلسكوني، إذ تمت مهاجمته من خلال الفيلم الوثائقي الإيطالي «دراكولا» الذي ينتقد استغلال رئيس الوزراء لكارثة الزلزال التي أودت بحياة كثيرين العام الماضي.
ولم يخرج الكرسي الشاغر في لجنة التحكيم للمخرج الإيراني جعفر بناهي، عن هذا السياق حيث تم تسجيل موقف فرنسي تجاه سجن هذا المخرج العالمي في بلده حيث ظهر حفل الختام وتوزيع الجوائز بمثابة اعتصام فني يحمل أعضاؤه لوحة مكتوب عليها اسم جعفر بناهي، بل واعتبر بعض النقاد أن هذا الموقف ما هو إلا تجييش للمهرجان ضمن الموقف الفرنسي من النظام الإيراني، بينما لم يعلق الإيرانيون المشاركون في المهرجان على هذه الحادثة، مع العلم أن أستاذ بناهي هو المخرج الكبير عباس كياروستامي منهم.
السعفة الذهبية التي كانت من نصيب فيلم «العم بونمي الذي يتذكر حيواته السابقة» للمخرج أبيشاتبونغ ويراسيتاكول من تايلاندا، فقد كانت مفاجأة الختام وهي بحجم مفاجأة الافتتاح بتسمية المخرج العالمي المثير والقادم من عالم ديزني والخيال والسريالية "تيم بورتون" رئيساً للجنة التحكيم، ثم بالافتتاح الهوليودي بفيلم «روبن هود» لرادلي سكوت الذي يبدو أن المهرجان حاول من خلاله ملء السجادة الحمراء بالنجوم الكبار، ودحض النظرية الداعية إلى العداء بين كان وهوليوود، على الرغم من أن أمريكا تشارك بفيلم واحد ضمن المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، وصولاً إلى ضخ الأسماء الكبيرة العائدة إلى المهرجان بدءاً من جان لوك غودار، ومروراً مانويل دي أوليفيرا (102 سنة)، وعباس كيروستامي ونيكيتا ميخاليكوف وأليخاندرو إيفاريتو كونزالس وبرتران تافارتييه وأوليفر ستون وودى آلن ودوغ لايمن وريدلى سكوت.
تجاوز كان كل التوقعات فلم ينل ميخاليكوف وفيلمه «أحرقتهم الشمس» أية جائزة، والسعفة الذهبية كانت بعيدة جداً عن مايكل لي وشريطه شريطه «عام آخر»، بل ونال التشادي محمد صالح هارون الجائزة الخاصة، والتوقع الوحيد الذي تحقق هو نيل خافيير بارديم وجولييت بينوش التي سادت صورها أفيشات المهرجان جائزتي أفضل ممثل.