ربما ..! اعتذار عن الاعتذار

مع المقال الذي كتبه المخرج السوري الشاب نضال حسن (عنوان: «أعتذر بدون أن أعتذر» جريدة «السفير») عادت مشكلة إدارة المؤسسة العامة للسينما إلى الواجهة من جديد، بعد فترة سادها هدوء نسبي لم نسمع خلالها عن أي إشكال بين مخرج سينمائي سوريّ ومدير المؤسسة الذي طال عهد تسلطه على مملكة لم تعد تحوي سوى الخواء.

المشكلة التي يطرحها حسن في مقاله توضّح خلفيات إقدام المدير العام للمؤسسة العامة للسينما محمد الأحمد على إلغاء فيلمه «صلاة الغائب» الذي كان من المفترض أن يتم إنتاجه بالتعاون مع المؤسسة الروسية العريقة «موسفيلم» ، وذلك بسبب ملاحظات المخرج الشاب التي قدمها في جريدة «الثورة» حول تعاطي اللجنة الفكرية للمؤسسة بطريقة (لا سينمائية) مع نص الفيلم، رغم اعترافها بتميز نص السيناريو، وقد حدت تلك التصريحات، كما يقول المقال المذكور، بمدير المؤسسة إلى وضع المخرج أمام خيارين: إما... أو، إما أن يعتذر عما قاله بخصوص ملاحظات اللجنة، أو أن الفيلم ملغى.

جاء المقال ليعلن عدم رضوخ صاحبه للمساومة، ولعقلية البازار الثقافي، فمآخذ اللجنة من وجهة نظر المعتذر عن الاعتذار ليست ذات شأن لكونها اهتمت بالقبلة وكأس العرق وتفاصيل ثانوية، مع أن المسلسلات التركية على سبيل المثال تجاوزت هذه الترهات، هذا في التلفزيون فما بالك في السينما؟؟ وبما أن كلام المدير جاء بمثابة عرض مشروط بحدّين لا ثالث لهما، كان الرد هو قرار الاعتذار عن الاعتذار، وعدم الارتهان لهذه العقلية البائدة التي تسيء للمنجز الثقافي السوري، فما كان رد «المؤسسة العامة للسينما» إلا كما وعد مالكها.. عفواً مديرها: «الفيلم ملغى». وهو إجراء عقابي عادة ما يتم اتخاذه في هذه المؤسسة التي لم تتوان عن إنزال أشد العقوبات بحق مؤسسي سينما البلد، إضافة إلى تعاملها باستخفاف مع المشاريع السينمائية الجديدة، حتى أوصلتنا إلى الحالة التي يسميها المقال بـ«سينما مع وقف التنفيذ»، كما أن الأفلام السورية التي أنتجت في عهد الإدارة الحالية لم تحقق سوى تراكم في الرداءة والضحالة السينمائية. 

يأتي الاعتذار عن الاعتذار ليضع النقطة على السطر الأخير من ملف «المؤسسة العامة للسينما» وإدارتها العتيدة، التي بات من الضروري الوقوف أمام المهازل التي ترتكبها، وتجاه صراعها مع أبنائها، وفوق ذلك يأتي الضحك على الذقون بتصريف المشكلات جميعها في باب «مشكلات شخصية مع المدير»، كما في حالات محمد ملص وبسام كوسا على سبيل المثال، في حين أن السينمائيين كانوا يتناولون الإدارة كإدارة، وأي إدارة عرضة للخطأ، ولا أحد فوق النقد، لكن رفض النقد، والاستعلاء على صيحات الصحافة أوصلت الأمور حد مقاطعة قرابة العشرين مخرجاً للدورة الأخيرة من مهرجان دمشق السينمائي.

من جهة أخرى تغلق هذه العقلية الباب أمام مشروعٍ شاب، لأن صاحبه «تطاول»، وأبدى رأيه في شأن يخص مُنجزَه، والأسوأ في هذا كله، هو تفويت فرصة التعاون مع «موسفيلم» ما يعني تفويت دخول الفيلم السوري إلى روسيا وجمهوريات الاتحاد السوفياتي سابقاً...

■ رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.