مطبات: ريختر دمشق.. والكود السوري

دمشق قد تتعرض لزلزال بقوة سبع درجات على مقياس ريختر، النبوءة لمدير المركز السوري لرصد الزلازل، أما عن  أسباب الكارثة فمنها وقوع دمشق على عدة فوالق زلزالية (وهذا من عند الله)، وأن آخر زلزال قوي ضرب مدينة دمشق كان عام 1759 وقدرت شدته بنحو 3,7 درجة على مقياس ريختر.

أما ما يتعلق بما جنته أيدينا (وهذا ليس من عند الله) أنه صدر قرار منذ عام 1995 بمنع إنشاء أي مبان حكومية مرخصة أو خاصة إلا إذا كانت تخضع لتعليمات «الكود السوري»، وذلك في إطار اشتراطات هندسية لاحتواء الكوارث التي تنجم عن الزلزال خاصة، مما يعني أن كل الأبنية المشيدة في سورية قبل عام 1995 معرضة للخطر إذا ما وقع أي زلزال، وهذا ما يترتب عليه الاهتمام  بوقف السكن العشوائي في دمشق خاصة، والعمل على تسوية أوضاعه هندسيا وفنيا علماً أن 60% من الضحايا يموتون بعد حدوث الزلزال الأمر الذي يبرز ضرورة وجود إدارة للكوارث.

التصريح الذي يبشرنا بنتائج وخيمة قد يجعل من الممكن أن ترى دمشق (لا سمح الله) كومة من الاسمنت المطحون، وإذا ما نجوت من الموت فربما لن تميز شارعاً كنت ذات يوم تعرف عدد بلاطات الرصيف فيه رغم كثرة استبدالها.

وإذا ما ذهبنا مع النبوءة في سوداويتها، فإن كل المحيط الفقير لدمشق قد يتوسطها، وأن كل قرارات المحافظات والمحافظين التي لم تستطع حل مشاكل السكن العشوائي ومخالفات البناء قد تم حلها مع مرتكبيها دون عناء.

الزلزال المتوقع سيخلص ورشات الهدم من عناء الذهاب إلى الرحيبة في القلمون، وقطنا قبل ذرى جبل الشيخ، وعرنة في بطن الجبل، والصدام مع فقير بنى غرفة نوم لابنه البكر، أو مطبخاً لزوجته التي أرهقته بالثرثرة، أو الصدام مع غني مدعوم خالف رغم أنف البلدية والمحافظة، والزلزال سيهدم في طريقه الأبنية المخالفة التي تتصدع في قدسيا والسيدة زينب ودف الشوك، كذلك سيوفر مصاريف الدراسات الجيولوجية في مزة 86، والتي أوصت بإخلاء عشرات البيوت، وسيخلّص تجار العقارات ومن يشد على أيديهم من الركود في قطاع العقارات، هذا إن بقي أحياء يريدون أن يضعوا سقفاً على رؤوسهم المحطمة.

سبع درجات على مقياس ريختر ستقلص عددنا في أحسن الحالات إلى النصف، سترتاح الحكومة من نصفنا، من نصف أزماتها بسببنا، نصف شيكات الدعم، نصف (بونات) السكر والرز، نصف الرواتب المحدودة، العاملين المؤقتين، ركاب النقل الداخلي، الزحام على مواقف الباصات سيخف إلى نصفه، التدافع على الكازيات، الطوابير، العاطلين عن العمل، الخريجين الباحثين عن فرصة، نصف الطعام، عمال القطاع العام الذين سيتم توزيعهم على الشركات التي لم تصنف بعد كخاسرة، لصوص الكهرباء، مخترقي الشبكة العنكبوتية، (المدردشين) على الفيس بوك، المتسولين، الباعة المتجولين، باعة الدخان المهرب، مواطني الأرصفة.. نصفنا، نصفنا بالضبط في أحسن الحالات.

لكن سؤالاً سيبقى محيراً، لماذا استطالت المدينة الأقدم والأقدس إلى ما صارت عليه؟ لماذا تركناها تختنق حتى التلوث؟ لماذا تكوم الاسمنت الهش على أطرافها دون أن يوقفه أحد؟.

المحيط الخانق حول دمشق يسكنه المعدمون والفقراء، الفقراء الذين لا مكان لهم وسط المدينة، البشر الذين يسمون في أحسن حالات الوصفة الحكومية «أصحاب الدخل المحدود»، الموظفون والعمال بصفاتهم المختلفة، أبناء المدن الصغيرة الذين شدهم ضوء دمشق، وزحامها، والحلم ببيت صغير في أي مكان، جبل أو واد أو حتى مستنقع، اللاهثون وراء سراب المال والغنى، وراتب الوظيفة الذي صار حلماً.

أما الكود السوري فلم يسمع به أحد، الكود السوري هو فقط الرقم الذي سيفزعنا لو حلت الكارثة.