افتتاحية قاسيون 1009: بعد 10 سنوات.. الحركة الشعبية ستعود
مضت حتى الآن عشر سنوات على انطلاق الحركة الشعبية في سورية، بما احتوته تلك السنوات من آمال ومرارات؛ من قمع وعنف وقتل واعتقال وتهجير وبرد وجوع وإرهاب وتدخلات خارجية...
وإذا كان همّ المتشددين هو التعامل مع الذكرى كمناسبة إعلامية لإعادة تكرار أسطواناتهم المدمِّرة نفسها حول «الحسم» و«الإسقاط» وحول «المؤامرة» و«الثورة»، فإنه من باب أولى أن يُعاد التذكير بالاستنتاجات الأساسية، الحقيقية والموضوعية، والتي طالما قالت بها قاسيون منذ ما قبل 2011 وبعده، والتي أثبتت الوقائع الكارثية صحتها، لتكون تلك الاستنتاجات أساساً للبناء عليها:
أولاً: إنّ انطلاق الحركة الشعبية في سورية كان لأسباب داخلية بالدرجة الأولى، تتكثف في بنية اقتصادية اجتماعية ليبرالية ناهبة، أفقرت الناس وهمشتهم. وفوق ذلك فهي بنية يغلب عليها الطابع الأمني ومستوى حريات سياسية شبه معدوم، ما قطع الصلة بين الناس والسياسة، وبينهما وبين جهاز الدولة، وراكم الآلام في الصدور حتى انفجرت دفعة واحدة.
ثانياً: اتضح أنّ أحد أخطر أشكال «المؤامرة»، ليس التدخلات الخارجية والإرهاب فحسب، بل والفاسدون الكبار المتنفذون داخل جهاز الدولة، الذين تبجحوا بالمؤامرة مراراً وتكراراً لا لمواجهتها، بل للتغطية على قمع الناس وعلى سياسات النهب، وللهروب من تقديم أي تنازل للشعب السوري... وهو ما قالته قاسيون مراراً ابتداءً من 2005، حين وصفت الليبرالية الاقتصادية بأنها حصان طروادة الذي سيدخل من خلاله العدو الخارجي، وبأنّ الفساد الكبير هو نقطة الاستناد الأهم لذلك العدو، والذي وصلت به الأمور خلال الأزمة أن تحول إلى إرهاب اقتصادي اجتماعي مكشوف وسافر ضد الأغلبية الساحقة من الشعب السوري.
ثالثاً: أولئك الذين عملوا ضد الحوار وضد الحل السياسي في الطرفين، عادوا إليه مرغمين، ولكن بعد ماذا؟ بعد عشرات ومئات آلاف الضحايا وبعد عذابات لا يمكن الإحاطة بها أو تعدادها، بل وبعد وضع البلاد تحت مخاطر التقسيم... وقد أثبتت السنوات الماضية أنّ متشددي الطرفين إنما يدّعون كذباً موافقتهم على الحل السياسي، في حين أنهم لا يزالون يحاولون تحطيم الطرف الآخر بشكل كامل... بل ويسعون اليوم صراحة أو مواربة إلى التقسيم و«الاكتفاء بما تحت أيديهم من أرض وناس»!
رابعاً: إنّ الطروحات الطائفية، والطروحات التي تبنت خيار العنف، كانت خدمة كبرى لأعداء التغيير الجذري في النظام والمعارضة؛ فقد وجد هؤلاء وأولئك ضالتهم في تحطيم الحركة الشعبية عبر قسم السوريين عمودياً وفقاً لثنائيات وهمية وإغراقهم في دمائهم، حيث تحول الشعب بمواليه ومعارضيه إلى أداة لصراع النخب الناهبة فيما بينها، بدل أن يكون موحداً على أساس مصلحته الاقتصادية الاجتماعية والوطنية والديمقراطية ضد تلك النخب جميعها.
خامساً: الأكاذيب المتعلقة باستخدام السلاح لحماية الناس، أو باستدعاء التدخل الخارجي لحمايتهم، أثبتت بالتجربة القاتلة الملموسة، وكما قلنا منذ اللحظة الأولى، إنها لم تؤد إلّا إلى مضاعفة أعداد الضحايا ومضاعفة العذابات وإبعاد التغيير.
سادساً: إذا كانت الحركة الشعبية قد انكفأت مؤقتاً بسبب السلاح والعنف والقمع والتدخلات الخارجية، فهذا لا يعني إطلاقاً أنها انتهت؛ بل قطعت المرحلة الأولى في تطورها، وهي الآن في حالة يقظة وتحفز إلى حين عودة الوقت المناسب، فالأزمات التي أنزلت الناس إلى الشوارع لم تُحل بل ازدادت تعقيداً، وسلطة السلاح المنتشرة في كل مناطق سورية حالياً، لن تكون لها الكلمة العليا حين يقرر السوريون أن الوقت قد حان لمواصلة المشوار...
سابعاً: وظيفة الحل السياسي عبر القرار 2254 هي تمكين الشعب السوري من تقرير مصيره بنفسه، وهذا الكلام هو في جوهره: تمكين الحركة الشعبية السورية من إعادة تنظيم صفوفها، لأنّ ذلك هو الأداة الأساسية لإنفاذ حق السوريين في تقرير مصيرهم...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1009