عشتار محمود

عشتار محمود

email عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ما الدور الذي تلعبه الليرة اليوم؟ وهل تستطيع الحفاظ عليه؟

تتقلب مستويات الأسعار وعمليات التسعير مع كل صعود وهبوط في سعر الدولار، و10 آلاف ليرة اليوم قد تكفي لكيلو غنم و4 كيلو خضار، بينما غداً قد لا تكفي لشراء هذه البضائع، تتبخر قيمة الليرة مع ارتفاع الأسعار، ويهدد هذا وظيفتها كنقد ويطرح جدياً إزاحتها واستبدالها من التعاملات نحو الدولرة، وهو ما قطعنا أشواطاً به... فما هي وظيفة النقد، وأين الليرة من هذه الوظائف اليوم؟

2019 عام من الجوع... الفوضى أزمة وفرصة

بدأ عام 2019 بتشديد العقوبات وانتهى بتشديد العقوبات، عام كامل انتقلت المعركة السورية إلى الموضع الأكثر إيلاماً: التضييق الشديد على لقمة الشعب لدفع السوريين إما إلى الهجرة أو إلى الفوضى وتقليص دائرة الأمل عبر التضييق على الموائد الفارغة أساساً.

التوقف الاقتصادي... ما العمل؟ الاستفادة من تجربة الصناعة التحويلية السورية 2017

يعمّ التوقف الاقتصادي في الظرف السوري الحالي، ومن المتوقع أن يتوسع مع كل تعقيد جديد يضاف إلى لوحة المعطيات السورية: العقوبات، الأوضاع الإقليمية، وضع الدولار ومصالح نخب المال السورية... وغيرها، وبالمقابل لا توجد أية حركة جدية لمواجهة الركود، مع العلم أن مبادرات فعّالة نحو الإنتاج ممكنة وتستطيع أن تخلق نمواً سريعاً.

الجميع يعلم، أن ظروف الدمار و«للأسف» تعتبر فرصة اقتصادية، فمنطقياً عندما تنتقل من التوقف إلى الحركة فإنك تحرّك النمو من صفر إلى 100% على مستوى المنشأة التي كانت متوقفة، فباستثمار لتحريك النشاطات المتوقفة فقط تنتقل من لا شيء إلى إنتاج بضائع جديدة وتشغيل واستهلاك.

 

 

جهاز الدولة هدف العقوبات والباب الوحيد للخروج منها

يضجّ الإعلام بالحديث عن قانون قيصر/سيزر الذي سيشدد العقوبات الأمريكية على سورية، فالقانون عملياً عَبَر مجلس النواب وأصبح إقراره مرتبطاً بالرئيس الأمريكي، يكمّل هذا القانون ما أقرّته العقوبات السابقة مركّزاً على التعامل مع جهاز الدولة والحكومة السورية في قطاعات النفط والإنشاء، والتعامل مع المصرف المركزي... والأهم من كل هذا أنّه خطوة أمريكية في التصعيد الاقتصادي نحو الفوضى.

«الإجرام السياسي» يظهر واضحاً لدى القوى السياسية والشخصيات السورية التي «تهنّئ الشعب السوري» باحتمال هذا الإقرار بذريعة أنه يدفع نحو الحل السياسي ويزيد «عزلة النظام»، وربما أصبح هذا معتاداً... ولكن ليس أقل إجراماً كل السياسات الاقتصادية داخل البلاد، التي لا تحمي جهاز الدولة بل تعطّل مقاومته للعقوبات، والتي تعتبر عتبة هامة في الضغط الاقتصادي على السوريين وللدفع نحو المجهول وصولاً للعودة للعنف!

 

 

الإنتاج يتوقف- الاستيراد يتمركز... والليرة أضعف

وصل الدولار إلى عتبة الألف ليرة ثمّ تراجع رقم سعر الصرف المعلن والمتداول على الشاشات، أما الأسعار فمن المنتجات المحلية إلى المستوردات ومن الأساسيات إلى الكماليات قد قفزت إلى عتبة لم تنزل عنها حتى الآن، وربما لن تنزل... طالما أن التذبذب والظرف الحالي يهدد تأمين الضروريات واستمرار العمليات الإنتاجية، بل يهدد الملايين ويثري القلة القليلة.

التوقف هو سمة السوق، وقد توقفت بشكل جزئي عمليات البيع والشراء في الكثير من الأسواق، وأصبح الترقُّب وعدم الثقة سمة النشاط الاقتصادي، الذي يمر بأصعب لحظاته. ولا ينشط إلا المتاجرون والمضاربون وبعض من يصدرون قرارات لمصلحة الكبار في اللحظة المناسبة!

«نُخب المال- المركزي»... مسار نحو الدولرة

ارتفع الدولار بنسبة 50% خلال عام مضى، بينما ثلثا هذا الارتفاع جرى خلال الشهرين الأخيرين، المفارقة أن هذا التدهور المتسارع وارتفاع الدولار إلى عتبة الـ 700 والـ 800 أعقب مبادرة رجال الأعمال والمصرف المركزي لدعم الليرة، وإن كانت المبادرة ليست السبب في الارتفاع إلا أن لهذا الارتباط دلالة: فالطريق نحو الدولرة سار بجهود حلقة الثراء الضيقة والمتنفذة، وتأثيرها العميق على السياسة النقدية طوال سنوات الأزمة وليس الآن فقط...

الاقتصاد السوري أصبح مدولراً، ومستويات الأسعار والنشاط الاقتصادي ومصالح النُّخب كلها أصبحت (دولارية) وترتبط بالعملة الخضراء صعوداً ونزولاً، حركة وركوداً... والسياسة النقدية للمصرف المركزي كذلك الأمر تنطلق في إجراءاتها وحركتها من موقع مراقبة وتحريك وتوجيه كتلة الدولار، أما كتلة الليرة فيتم تقييدها أيضاً وفق محدد سعر صرف الدولار.

كتلة زيادة الأجور الفعلية 162 مليار ليرة فقط!

ازدادت الأجور السورية بعد أكثر من ثلاثة أعوام على آخر زيادة شاملة، وبعد أن ارتفعت مستويات الأسعار بين مطلع 2016 وحالياً بما يقارب 228%... مئات المليارات ستضاف إلى بند الأجور تقول الحكومة إنها ستغطيها من الوفورات في جوانب الإنفاق الحكومي الأخرى، فهل هناك زيادة فعلية على دخل أصحاب الأجور؟ وهل فعلاً تحتاج هذه الزيادة لإنفاق كثير؟!

حوالي مليوني سوري من العاملين في الدولة والمتقاعدين سيستفيدون مباشرة من زيادة في الأجور بلغت نسبة 70% تقريباً على الأجر الوسطي، الذي سيصبح في 2020، 60 ألف ليرة تقريباً. بينما ارتفع الحد الأدنى للأجور إلى 47 ألف ليرة مرتفعاً بنسبة 190% قياساً بالحد الأدنى السابق الذي يقارب 16 ألف ليرة.

سعر الصرف... الحل بدعم الليرة والتخلُّص من إدمان الدولار

مجدداً يقفز سعر الدولار إلى مستوى يفوق الـ 700 ليرة... السعر الذي لا يستكين ويستمر في اتجاهه الصاعد، له عوامل تحدده وهو ليس سعراً وهمياً، بل ناجماً عن أسباب ترتبط بأمراض الاقتصاد السوري بالدرجة الأولى، وتحديداً الأمراض العقيمة التي يُصاب بها أصحاب القرار والتي لا تُحَل إلا بالبتر، كمرض التمسك بالدولار أياً كان مصير الليرة.

هنالك محددات تقول ما هي الحدود الدنيا لسعر الصرف، التي لا يمكن له أن ينخفض عنها... فما القيمة الدنيا لسعر صرف الدولار مقابل الليرة في الظروف الحالية، ولماذا السعر في السوق أعلى منها بكثير؟!

 

 

دعم الأغنياء... (باقٍ ويتمدد)

الدّعم هو واحد من سياسات إعادة التوزيع الهامة... فإذا ما كان الدعم ينقل سابقاً جزءاً من دخل قطاع النفط إلى الأجور عبر تخفيض الأسعار، فإنه اليوم يفعل العكس... والسياسات مستمرة في ممارسة الدّعم الاجتماعي ولكن للشرائح الاجتماعية الأكثر قوة ونفوذاً، والتي تحدد مسار السياسات. فدعم الأغنياء بل والطفيليين مستمر، بينما دعم الفقراء والمنتجين يتراجع.

لا تزال الحكومة تدعم شريحة ضيِّقة جداً من الأثرياء والمتنفذين السوريين، فتبيعهم (سلعة الدولار) بسعر مخفّض بينما سعرها في السوق أعلى. إن جوانب كثيرة من السياسة الحكومية تقول إن دعم الأغنياء عملية راسخة وذات سَمْت في السلوك الحكومي، وعلى رأسها دعم القلة المحتكرة للاستيراد بالدولار الرخيص.

(يسقط حكم المصرف) ما الذي أردنا تعلُّمه من مصرف لبنان؟

خرجت خلال الأزمة أصوات سورية تعكس رؤى المتنفذين المالية لتقول إنه علينا التعلم من النموذج اللبناني المصرفي... بينما يرتفع اليوم شعار واضح المعالم في لبنان يقول: (يسقط حكم المصرف)، إذ تتعمم الحقيقة القائلة بأن مصرف لبنان المركزي كان (مطبخ إدارة) النظام الاقتصادي اللبناني المشوّه والمتكامل مع نظام سياسي لم يخرج من عقيدة أمراء الحرب ومضاربيها حتى اليوم.

ما يسمّى (إعادة إعمار لبنان) في التسعينات كان واحداً من الظواهر الأمثل على تلك اللحظة الدولية والإقليمية: تحالف غربي خليجي مع توافق سوري لتحويل أمراء الحرب إلى نخب سياسية تتولى إدارة الأموال التي كان تدفقها أعلى في حينه مع ذروة نشوة المنظومة الغربية، وتحوّل لبنان بتحالف السلطة مع رجال الأعمال المحترفين واحة للريع المالي والعقاري، ولنموذج لا تستطيع أن تقول عنه حتى أنه (دولة هشّة)، بل إدارة سلطة سياسية تغلّف شبح الحرب المستمرة ضمنياً بفيض الخدمات والمال والسياحة، بينما تبقي الغالبية العظمى من اللبنانيين في دائرة الفقر محصورة في آمال ضيقة: إما الهجرة أو إيجاد مساحة ضيقة في دائرة اقتصاد الخدمات، وسط علاقات التبعية السياسية والطائفية.