2019 عام من الجوع... الفوضى أزمة وفرصة
بدأ عام 2019 بتشديد العقوبات وانتهى بتشديد العقوبات، عام كامل انتقلت المعركة السورية إلى الموضع الأكثر إيلاماً: التضييق الشديد على لقمة الشعب لدفع السوريين إما إلى الهجرة أو إلى الفوضى وتقليص دائرة الأمل عبر التضييق على الموائد الفارغة أساساً.
الأمريكيون وعموم الغرب وحلفاؤهم في المحيط الإقليمي هم الأبطال الأساسيون في هذا الحصار، ولكن في موقع ليس أقل أهمية على خشبة الخنق الاقتصادي، هنالك قوى المال والنفوذ المحلية التي أدارت سياسة مواجهة العقوبات «بكل كفاءة» من موقع مصالحها الضيقة المتوحشة.
العقوبات ساعدت هؤلاء كثيراً، حيث نجحوا في تثبيت الاستيراد كنشاط أساسي، وحصروا الجزء الأكبر من الاستيراد «برجال البزنس الكبار» الذين ينشطون في استيراد الأساسيات بنسبة عالية، النفط والمشتقات والقمح والسكر والأرز والزيوت والمستوردات الأساسية التي لا يمكن الاستغناء عنها، أصبحت تدور في دائرة أضيق من السابق، وبأرباح احتكارية أعلى... بنسب فاقت 40% في كثير من المواد.
جهاز الدولة لاعب ثانوي في الدفاع عن مصالح الناس الاقتصادية ولاعب أساسي في دعم الأغنياء، حيث تقلص دعم المحروقات والإنتاج الاقتصادي والإنفاق التنموي، بينما استمر دعم الأغنياء وتحديداً عبر تمويل مستوردات القلة المحتكرة بالقطع الأجنبي القليل المتبقي لدى المصرف المركزي أو الذي يصل إليه من حوالات السوريين؛ حيث قدّرنا أيضاً دعم المركزي لمستوردات هؤلاء بمبلغ يقارب 360 مليار ليرة سنوياً.
الأرباح السنوية بعشرات المليارات لأشخاص قلّة، والخسارة الأكبر لليرة وللإنتاج السوري ولأصحاب الأجور ولجهاز الدولة وقدرته على الفعل الاقتصادي الفعّال في مواجهة الخنق الاقتصادي.
التوقف الإنتاجي سِمة عامة مع ما يستتبعه من توسع البطالة والفقر وهجرة أموال وبشر... بينما نشطت في ظروف الاختناق النشاطات السوداء واتسعت مصادرات تجارة الممنوعات التي أصبحت نشاطاً مستقراً في سورية خلال الحرب.
الصورة القاتمة السابقة تنبئ بالفوضى، وهو ما يريده الأمريكيون تحديداً: علّ اليأس والغضب وتشدد أصحاب المال وتجار الحرب يعيد إلى الساحة السورية احتمالات العنف... ولكن للفوضى وجه آخر من الغضب الشعبي يهابه جميع أعداء السوريين، ويمكن له أن يقلب الطاولة على الجميع ويعيد السوريين من دائرة الإحباط إلى دائرة الفعل ليفرضوا وزنهم ومصالحهم على الأطراف المتشددة اليائسة التي تلعب بعداد عمر البلاد، وتضع نفسها في دائرة تحمّل المسؤولية المباشرة دولياً عن احتمالات العودة للوراء.
الأزمة السورية موضوعة على سكة حل سياسي له قواعد وأسس دولية وإقليمية وازنة، والحلول السياسية تعني أولاً وقبل كل شيء: تهميش مصالح القوى المتشددة المعتمدة على قوة السلاح في كل الأطراف.
حلول الوضع الاقتصادي سياسية أيضاً: إزاحة الدولار وبناء علاقات اقتصادية وتجارية بعملات أخرى، دعم الليرة والإنتاج، زيادة الأجور. عناوين اقتصادية- سياسية ستفرضها الضرورة تباعاً، وعلى مراحل ووسط التعقيدات... وكلما اقتربنا من تطبيقها كلما كانت أوزان تجار المال والدم تتراجع، ودون السير بهذه الحلول فإن الفوضى أمامنا بكل احتمالاتها.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 946