الذهب والدولار والغذاء... في عشر سنوات بين السياسة الخارجية والسياسات الداخلية

الذهب والدولار والغذاء... في عشر سنوات بين السياسة الخارجية والسياسات الداخلية

عشرة أعوام وأزمتنا مستمرة، وتدهور قيمة الليرة الذي نراه في ارتفاع مستويات الأسعار هو عنوانها الاقتصادي الأبرز... إذ يعكس جملة التدهور الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أيضاً. فهذا الارتفاع الجنوني في الأسعار هو عملياً وصول الفقر إلى نسبة تفوق 85% من السوريين، وهو أيضاً وصول الجوع ليشمل قرابة ثلثي السوريين الموجودين في البلاد، وهو أيضاً التعبير عن حماية كبار الأثرياء لثرواتهم عبر سلعهم التي تحافظ على قيمتها وأبرزها: الدولار والذهب.

إن الخط البياني الذي يعكس مستوى تضاعف أسعار الدولار، والذهب، وسلة الغذاء الضرورية يستطيع أن يقول الكثير عن المراحل الاقتصادية والسياسية للأزمة السورية. ويمكن أن يعنونها في مراحل أساسية على مقياس تسارع التدهور وتباطئه.
أما اختيار الذهب فهو لكونه (سلعة الأثرياء) باعتباره أداة ادخار أساسية ومتاحة في السوق السورية وشهدت سوقه قفزات وتقلبات كبرى في الأزمة السورية، الدولار أيضاً هو وسيلة ادخار بل أداة استثمار لشريحة الأثرياء خلال سنوات الأزمة، فالاستثمار بالدولار هو واحد من مجالات الربح الأساسية، كما أن ارتباطه بالتجارة الخارجية وبالسوق غير الشرعية يجعل سوقه متسعة، وتداولاته كثيرة نسبياً قياساً بالذهب.
أما سلة الغذاء الشهرية التي نأخذها هنا من حسابات قاسيون لتكاليف المعيشة، فهي عملياً السلة التي تعبر عن القدرة على تأمين الأساسيات، وعن مستوى التدهور في الحياة اليومية للملايين من السوريين، وهي عملياً السلعة التي تقيس تغيراتها واقع حياة ملايين الفقراء.

المراحل الأربع الأساسية بين 2011-2021

الخط البياني والتغيرات تشير إلى أربع مراحل أساسية خلال السنوات العشر الماضية:
• 2011-2014: مرحلة الارتفاع الأولى التي كان الارتفاع فيها سنوي ومتقارب، والتي ساهمت وسطياً بـ 5% من مجمل ارتفاع الأسعار خلال السنوات العشر.
• 2015-2016: مرحلة التدهور الأولى التي ارتفعت فيها مستويات الأسعار بمعدلات سريعة خلال فترة قصيرة من الزمن، وساهمت وسطياً بـ 12% من الارتفاع.
• 2017-2018: مرحلة الاستقرار المؤقتة التي شهدت انخفاضاً نسبياً في الأسعار ووسطياً خفضت التدهور بنسبة 2%.
• 2019-2021: مرحلة التدهور الثانية الأسرع: التي ساهمت حتى الآن بـ 85% وسطياً من ارتفاع الأسعار خلال السنوات العشر.
خلال كل مرحلة من هذه المراحل، هنالك مفاصل سياسية هامة تحدّد التدهور والتحسن، وهي ترتبط ارتباطاً واضحاً بالمتغيرات الاقتصادية والسياسات أيضاً

1015-i3

السياسة وتأثيرها على تقطّع أوصال البلاد

في المرحلة الأولى: بين عامي 2011- 2014 كانت رقعة المعارك تتسع داخل البلاد حتى عمّت مظاهر السلاح كل مناطق التوتر، وكان عام 2013 الأكثر حدّة في الارتفاع حينها... حيث انتقلت الأزمة إلى مستوى التسليح الكامل وتقطعت أوصال المناطق والمدن نسبياً، وشهدت العديد من المدن السورية دماراً واسعاً. كما أنها المرحلة التي شهدت العقوبات على النفط السوري وتوقّف الشركات الغربية العاملة هناك.
أما المرحلة التالية: بين 2015-2016، وهي مرحلة التدهور الأولى اقتصادياً فهي التي شهدت ترسّخ ظاهرة (داعش) وما يرتبط بها من فصل كامل بين شرقي البلاد ووسطها عبر سيطرة التنظيم الإرهابي على الرقة وعلى أجزاء واسعة من البادية مع ما يرتبط بها من خسارة حقول غاز ونفط وتقلّص إمكانية النقل والحركة. والأهم: أن هذه المرحلة شهدت أعلى معدلات النزوح واللجوء من سورية، وخسرت البلاد في هذه المرحلة العدد الأكبر من مواطنيها الذين أصبحوا لاجئين.

1015-i4

من التسليح و(داعش) إلى أستانا

المرحلة الثالثة: مرحلة الاستقرار الوحيدة بين 2017-2018، هي المرحلة التي بدأ فيها انحسار واسع (لداعش) وصولاً إلى إنهاء نفوذها، والأهم أنها شهدت اتفاقات أستانا التي عممت الهدنة والتهدئة في العديد من المناطق الهامة... الأمر الذي أوقف المعارك إلى حد بعيد، وفي مساحات واسعة في الجنوب وريف دمشق، وفي أجزاء هامة من ريف حلب وريف حمص وجميعها مناطق حيوية سواء في الإنتاج الزراعي أو الصناعي وعموم الحياة الاقتصادية للبلاد وتمركز قواها البشرية. كما أنها مناطق تمتد على الشريان الحيوي لسورية طريق m5 المتمثل بخط المنطقة الوسطى، وتحديداً في المنطقة الممتدة من حماة وصولاً إلى الجنوب، وهو الطريق الأساسي الذي يربط شمال البلاد بجنوبها، والذي رغم اشتماله لحلب في حينها إلّا أنه ربط المنطقة الوسطى بالجنوبية مجدداً.

1015-i1

العقوبات واستعصاء وصل مناطق البلاد

المرحلة الرابعة 2019-2021 والممتدة حتى اليوم، هي مرحلة التدهور الثانية التي تجاوزت عامها الثالث. عملياً شهدت هذه المرحلة أعلى معدلات التدهور بأقصر زمن. سياسياً ترتبط هذه المرحلة بتشديد العقوبات الاقتصادية، واستعصاء التقدم في الحلول والتسويات السياسية من أطراف التشدد السوري، الذين لم يقبلوا حتى اليوم بالتجاوب مع انتقال البلاد إلى أدنى مستوى من التصالح والالتقاء السياسي والحوار بين أبنائها، ولم تسمح هذه الأطراف بتطبيق فعّال لاتفاقيات فتح الطرق المقرّة كجزء من اتفاقيات أستانا. وبالعموم استعصاء الاستفادة من فرصة أستانا بالانتقال إلى مستوى أعلى وأشمل سياسياً من التسويات هو أهم العوامل السياسية لتدهور 2019-2021.
إن تقطع أوصال البلاد هو أهم العوامل التي تجعل العقوبات تفعل فعلها. الأمر الذي كان من المتوقع أن يصل إلى ما وصل إليه اليوم نسبياً: عودة التوتر إلى مناطق التهدئة، وإيقاف شريان الطاقة (القليل) الذي كان يتدفق خلال الأعوام السابقة من مناطق الشمال الشرقي إلى مدن البلاد الرئيسية، وتحديداً إلى المصافي في حمص وبانياس، والذي لم يتوقف تماماً حتى في مرحلة وجود (داعش) ولكنه توقف في عام 2020 وحتى الآن لم تتم استعادته!
يضاف إلى ذلك أن اتفاق الهدنة في إدلب لم يشهد تقدماً، وأهم نقطة فيه ضمن هذا السياق: هي السماح بحركة المرور الكاملة عبر طريق m5 بين حلب وحماة مروراً بشرقي إدلب، والجزء من m4 المار عبر إدلب والذي يربط حلب باللاذقية. وهذا الاستعصاء هو عامل أساسي يؤسس مع العقوبات لاستمرار تقطّع أوصال البلاد، وتدهور أحوال السوريين في كل المناطق، والعمل على ترسيخ «تقسيم الأمر الواقع».
إنّ مرحلة التدهور الحالية لن تنتهي أو تستقر نسبياً إلّا بالانتقال سياسياً إلى مرحلة تالية، أقلّها أن تسمح بإعادة تدفق الطاقة، أي: الوصول إلى اتفاقات بين الحكومة وبين الإدارة الذاتية عوضاً عن التصعيد العسكري الذي نشهده اليوم، وهي أيضاً لن تنجح إلّا بالوصول إلى اتفاقات جديدة مع تركيا والأطراف التي تؤثر عليها بحكم الأمر الواقع، أقلّها لفتح الطرق عبر إدلب وريف حلب الشرقي... وتتطلب بالحد الأدنى أيضاً تفاهمات سياسية لترسيخ الاستقرار في مناطق الجنوب، والوصول إلى توافقات تسمح بإعادة تشغيل الجزء الجنوبي من الطريق بشكل كامل، وصولاً إلى معبر نصيب، وإيقاف التوتير الذي يسمح (لإسرائيل) بالدخول، ويفتح لها باباً في المنطقة الجنوبية لا يمكن إغلاقه إلّا بتعميق المصالحة مع القوى السورية والمجتمع في المنطقة الجنوبية.
الأجواء المتوترة الحالية هي نتاج للتدهور الاقتصادي والاستعصاء السياسي، وهي ستدفع إلى مزيد من التوتر السياسي إن لم تتم عملية «مصالحة اقتصادية» بالحدود الدنيا، وهي لا يمكن أن تجري إلا بتوافقات سياسية واستعداد الأطراف السياسية السورية للانفتاح على بعضها البعض وعلى كل القوى المؤثرة إقليمياً... وبالتحديد تركيا التي تشكّل إحدى العقد باعتبارها جزءاً من أستانا، وطرفاً يمتلك الكثير من الأوراق التي تؤثر على حياة السوريين واقتصادهم، بل الأهم من ذلك أن أكثر من 3 ملايين سوري يعيشون هناك.

 

السياسات الاقتصادية الداخلية و(تأثيرها السّام)

وسط كل هذه المحددات الخارجية التي تلعب دوراً حاسماً في التأثير على الوضع الاقتصادي الإجمالي، وبالتالي على قيمة الليرة وسعر الدولار والذهب وتكاليف الغذاء... فإن السياسات الاقتصادية الداخلية ليست أقل شأناً، بل عالية الأهمية في المسار الاقتصادي.
في المرحلة الأولى بين 2011-2014، لم تقم السياسات الاقتصادية بأي إجراء احترازي تحسباً للتدهور الممكن، بل على العكس اتخذت قرارات اقتصادية تزيد من هشاشة جهاز الدولة وقدرته على التحكم (بالمحددات الاقتصادية السيادية) كما قيمة الليرة، قرارات كانت تعطي الإشارة الواضحة لزيادة متسارعة في أوزان قوى السوق الكبرى المرتبطة بقوى النفوذ والفساد.
عملياً خلال هذه المرحلة تعاملت السياسات مع سعر الصرف بإدارة مفرطة بالاستهتار، وكانت خلال هذه السنوات الأربع تلاحق السوق، وتبيع له القطع الأجنبي بشكل دوري. وحتى عام 2015 أتت تقديرات البنك الدولي (التي لا يتوفر غيرها) لتقول: إن الاحتياطي السوري من القطع الأجنبي انخفض إلى قرابة 700 مليون دولار، بينما كان يقارب الـ 17 مليار دولار! بينما سرت إشاعات من وسائل إعلام إقليمية حول بيع جزء من الذهب الاحتياطي لم تنفِها الحكومة ولم تصدر أية بيانات رسمية تثبت عكس ذلك. وبدأت سياسة الغموض وعدم إعلان حجم الاحتياطي المتبقي.
الواضح والمؤكد، هو أن المصرف المركزي كان ينقل الدولار للسوق دورياً، عبر تمويل مستوردات التجار بشكل انتقائي بسعر الدولار الرسمي طوال هذه المرحلة، لينتقل جزء هام من الاحتياطي السوري إلى كبار المستوردين المحتكرين لتجارة الأساسيات، الذين حصلوا على دولار رخيص، بينما سعره في السوق أعلى. وهذه العملية لم تقل عن 4-5 مليارات دولار سنوياً. يضاف إلى ذلك عمليات التدخل المباشرة لبيع القطع عبر شركات ومكاتب الصرافة مع كل موجة مضاربة في السوق.
ترافق هذا أيضاً مع تراجع الموازنة الحكومية، وسياسة تقشّف واسعة... إذ تراجع رقم الموازنة مقاساً بالدولار بنسبة 50% تقريباً بين عامي 2011-2014. أي: قلصت الدولة حضورها الاستثماري والتنموي إلى النصف، والتقلص قد يكون أكثر من ذلك بكثير فالحكومة لا تصدر إنفاقها الفعلي!
أما في نهاية 2014 فقد أعلنت السلطات أنها ستقوم بخصخصة قطاع الخليوي، وعوضاً عن استعادة إدارتها وملكيتها الكاملة للقطاع كما كان ينص العقد، فإنها عملياً غيرت العقد لصالح المستثمرين، وتخلت عن موارد مالية واسعة لصالح المستثمرين (الذين اكتشف بعد ست سنوات فسادهم وسوء إدارتهم!).
كانت هذه العملية هي الإشارة الأبرز على السياسة الاقتصادية خلال الأزمة، سياسة نيوليبرالية تهمّش جهاز الدولة ودوره الاقتصادي والتنموي في ظل الحرب، وتنقل التحكم في السوق إلى قوى كبرى تستخدم جهاز الدولة في نفوذها وإفسادها.

1015-i2

مرحلة الهجوم على المجتمع

المرحلة الثانية بين 2015-2016 كان العنوان الأبرز للسياسات الاقتصادية: رفع أسعار الأساسيات، في تلك المرحلة افتتحت السلطات عام 2015 بسياسات الصدمة، فرفعت بقرار واحد أسعار المازوت والغاز والخبز والفيول بنسب كان أقلها 30% وأعلاها 70%، وذلك بتاريخ 17-1-2015، وأعقبته خلال أقل من شهر بقرار رفع أسعار الأعلاف، لتعلن انطلاق ماراتون ارتفاع للأسعار طال كل المواد الأساسية.
واستمرت العملية في النصف الأول من 2016، خلال الأشهر الستة من عام 2016 كانت موجات المضاربة على الدولار متواترة وكبيرة، وارتفعت أسعار الصرف من 390 ليرة وصولاً إلى ذروة 620 ليرة لتعود إلى الانخفاض لاحقاً. خلال هذه الموجات ما الذي فعلته الحكومة؟ رفعت أسعار جملة مواد أساسية مجدداً: الكهرباء في مطلع 2016 حيث ارتفع وسطي مبيع الكيلو واط بنسبة 950%، والمحروقات بنسبة 37%، والاتصالات 55%.
خلال مرحلة التدهور السريع هذه قادت الحكومة دفة الاقتصاد نحو تدهور الليرة، استمرت المضاربة وضخ الدولار للسوق، وارتفعت أسعار الأساسيات من الطاقة والخبز والخدمات الأساسية معطية الشرارة والإشارة على رفع الأسعار وتقليص قيمة الليرة.
كل هذا بينما كانت الحكومة تحصل على النفط بشكل دوري عبر الخط الائتماني الإيراني، في هذه المرحلة!

خلال الاستقرار بيع (كل ما يمكن بيعه)!

مرحلة الاستقرار بين 2017-2018 خلال هذه المرحلة الأمر الإيجابي الوحيد الذي فعلته الحكومة، هو وقف بيع الدولار المباشر للسوق وثبتت سعرها الرسمي. وكانت الآلية الأساسية هي تقييد حركة الليرة في المصارف على الرغم من الإعلان عن فتح باب الإقراض الذي لم يفتح عملياً، وبالمقابل استمرت عمليات تمويل المستوردات مع تضييق نسبي لها.
مرحلة الاستقرار لم تساهم بها السياسات الحكومية، بل الظرف الإقليمي والدولي ورغبة العديد من المستثمرين السوريين داخل البلاد بالتقاط فرصة الاستثمار التي يتيحها استقرار بلد مدمر أو معالم إعادة الإعمار.
المساهمة السلبية الأساسية للسياسات في هذه المرحلة كانت بالتوقيع والتأسيس للعقود الاستثمارية سيئة الذكر، التي كانت بمثابة موجة (بيع لموارد جهاز الدولة الفعّالة): الفوسفات بحصة لا تصل إلى 30% للدولة مقابل 70% للشركاء، واستثمار معامل الأسمدة بالنسبة ذاتها، وأخيراً تبلور عقد المرفأ في تلك المرحلة، الاستثمار الذي لا أحد يعلم ما نتيجته وجدواه حتى الآن.
في مرحلة الاستقرار في سعر الصرف، ركّزت السياسات الاقتصادية لقوى النفوذ على إظهار (أي نوع من إعادة الإعمار تريد)، وتبين أن نموذج (الحريري اللبناني) لا يزال يشعّ لدى هؤلاء. لنرى خلال هذين العامين جملة المراسيم والقوانين المرتبطة (بإعادة الإعمار) التي ركزت على الاستثمار العقاري... التي نتج عنها (المشروع الوهمي) ماروتا سيتي، وأهم نتائجه (نزوح) أهالي منطقة خلف الرازي في دمشق، وإيجاد واجهة مؤقتة لتبييض أموال المليارديرية الجدد.
كما طاف على سطح هذه المرحلة (الوجوه الجديدة) لأثرياء الحرب هؤلاء الذين اشتروا كبرى الفنادق السورية- الخليجية، ودخلوا شركاء واضحين في كل صناعة كبيرة من تجميع السيارات إلى الحديد إلى المطاحن إلى الأدوية، وصولاً طبعاً إلى الاستثمار العقاري والإعلامي وغيرها.

مرحلة التدهور الانشغال (بتجميع الأموال)

مرحلة التدهور الثانية من 2019-2021 أصبحت السياسات منفعلة وتعبّر عن أزمة النخب والتعامل لحظة بلحظة مع الوقائع... العنوان الأبرز هو: توقف تقريبي لإمدادت الطاقة وإدخال كبار قوى النفوذ على دائرة استثمار الأساسيات، وتحوّل احتكار السلع الأساسية إلى مجال ربح أساسي. وأصبحت أسعار الغذائيات تقفز بمعدلات استثنائية وأعلى من أسعار السوق العالمية بنسب تفوق 40% وأكثر.
عملياً خلال هذه المرحلة تحررت سوق الطاقة إلى حد بعيد، وأصبحت كميات المحروقات المحررة المسروقة من جهاز الدولة والمباعة في السوق أكبر من الكميات الموزعة رسمياً، والتي تضاءلت إلى حد بعيد، وتقلصت تدفقات مازوت التدفئة، وتراجع إنتاج الطاقة الكهربائية. وتمّ استخدام وسيلة ربح (لشركاء البطاقات الإلكترونية) بعقود لم يعلن عنها، ليغنموا من كل إنفاق على ليتر المحروقات وجرّة الغاز، وأخيراً ربطة الخبز كما تسوّق الحكومة... وبالمقابل ليتم تقييد الكميات الموزّعة بأسعار مخفّضة.
تراجعت مصادر تدفق الأموال لقوى السوق الكبرى، وبدأت الخلافات بين قوى النفوذ، تلك التي نجم عنها اضطرابات كبرى في سوق القطع والذهب وتهريب واسع للأموال للخارج... وهذه الخلافات عملياً لا تعكس إلّا عملية تمركز كبرى جديدة، بإزاحة قوى وتصدّر قوى مع ما ينجم عن هذا من تمركز ثروة.
ثلاث علامات فارقة في السياسات خلال هذه المرحلة، الأولى: ترك جهاز الدولة والليرة وأسعار الغذاء لمصيرهم، أما الثانية: فهي التركيز على إدارة الصراع بين القوى الكبرى ومركزة الثروات والربح من الأساسيات الغذاء والطاقة، بانتظار (الفرج الإقليمي والدولي). بينما الثالثة: هي التوسع غير المسبوق في سوق الإجرام داخل سورية، التي بينت مستوى اتساعها مصادرات الكبتاغون الخارجة من المرافئ السورية أو المصادرات على الحدود الجنوبية. هذه الظاهرة المخيفة المعبرة عن حجم ووزن قوى الإجرام داخل البلاد، وسط صمت تام وتجاهل من قبل الأطراف التي تكرر حرصها على (السيادة السورية).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1015