الليرة تنهار بمقياس أسعار الغذاء أكثر من مقياس الدولار!

الليرة تنهار بمقياس أسعار الغذاء أكثر من مقياس الدولار!

لا يهم ما هو رقم الدولار مقابل الليرة، الأهم اليوم في ظل الجوع المتوسع هو: رقم الليرة مقابل الغذاء... انهيار الليرة بهذا المقياس هو أعلى وأخطر، وأسعار الغذاء تقفز بمعدلات تفوق سعر الدولار. فالمسألة لم تعد متعلقة بالاستيراد وسعر الدولار مباشرة، بمقدار ارتباطها (بالجلطة القلبية) التي يعاني منها الاقتصاد السوري، الذي لا يزال بعض مسؤوليه يقولون: إن (المؤشرات جيدة) ولكن (المشكلة بالمضاربين)!

انهارت قيمة الليرة خلال الأشهر الثلاثة الماضية مقابل الدولار ومقابل أسعار الغذاء، فكلاهما ارتفع بمعدلات قياسية. وخلال 15 شهراً من التدهور السريع، كانت الأشهر الثلاثة الماضية ذات دلالة على واقع خطر.
بالمحصلة، وقبل التفاصيل: إن الليرة بمقياس دولار السوق خسرت منذ مطلع عام 2020 حتى الآن 72% من قيمتها. أما بمقياس قيمتها مقابل سلة الغذاء الضرورية فقد انخفضت بنسبة 74% تقريباً. والغذاء يحلق بمستويات متقاربة مع تحليق الدولار... وهذه العملية اشتدت خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، إذ يصح أن نقول: إن هنالك وفرة نسبية في الدولار للمضاربة، مقارنة بمستوى وفرة الغذائيات الأساسية للتداول والتجارة.
خسارة الـ 100 ألف ليرة بمقياس الدولار والغذاء
إذا ما أخذنا مبلغ 100 ألف ليرة كمقياس فإن هذا المبلغ قد انخفضت قيمته بمستويات متسارعة منذ مطلع عام 2020 وحتى اليوم. وذلك بمقياس الدولار والغذاء.
والمقصود بالمقياسين ما تعادله الـ 100 ألف ليرة مقابل دولار السوق السوداء، وما تعادله مقابل تكاليف سلة الغذاء الضرورية لحاجات أسرة من خمسة أشخاص، أي: المستوى الذي تغطيه من تكلفة هذه السلة: هل تغطي كل الحاجات، نصفها، أقل من ربعها؟!
وعملياً كما تتضح من الشكل الأول قيمة الـ 100 ألف ليرة بمقياس الدولار، فقد تراجعت من 100 دولار تقريباً في مطلع 2020 وصولاً إلى 28 دولاراً، بينما الـ 100 ألف ليرة كانت تغطي أكثر من ثلثي سلة الغذاء الضرورية التي كانت تكلفتها 147 ألف ليرة بتاريخ 1-2020، وأصبحت الـ 100 ألف ليرة اليوم لا تغطي إلّا أقل من خُمس حاجات الغذاء، ونسبة 18% من تكاليف سلة الغذاء الأساسية، التي وصلت كلفتها بتاريخ 30-3-2021 إلى 550 ألف ليرة!
الأشهر الثلاثة الأخيرة معدل قياسي
خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تخبطت قيمة الليرة مقابل الدولار، وسجلت ارتفاعات قياسية في وقت قصير، ثم عاد السعر للانخفاض سريعاً، ومن ثم الارتفاع التدريجي. وبالمحصلة خسرت الليرة خلال الربع الأول من 2021: 16% من قيمتها مقابل الدولار تقريباً.
ولكن هذه المرة قفزت أسعار الغذاء بمعدلات أكبر، وتراجعت الليرة بمقياس سلة الغذاء بنسبة أعلى. وتراجعت قيمة الليرة مقابل أسعار الغذاء بنسبة 28% في ثلاثة أشهر.
وعوضاً عن أن تغطي الـ 100 ألف ليرة ربع الحاجات أصبحت لا تغطي إلّا أقل من خُمسها!
وهذا يدل على زيادة كبيرة في هشاشة أسعار الغذاء، والتي لم تعد مرتبطة بارتفاع سعر الدولار فقط، بل تقفز بمعدلات أكبر من هذا الارتفاع. فالدولار الذي يدخل في 80-85% من تكاليف إنتاج الغذاء المحلي من خضار وفواكه ولحوم ودواجن وغيرها، وفق تصريحات وزير الاقتصاد، لم يعد كافياً وحده لتفسير ارتفاع الغذاء. والارتفاع ليس ارتفاعاً بالكلف بمقدار ما هو انخفاض في العرض والكميات، واختناقات في وفرة المواد، وتخزين للسلع والمستلزمات الإنتاجية الغذائية الأساسية.
وهذا طبعاً لا يقوم به المزارعون والمربون الذي يخشون من تكدس موادهم، ويحتاجون إلى تصريفها بأية طريقة... بل هو ناتج عن نشاط حلقات الاستيراد وتجارة الجملة والتصدير والتهريب.

1012-i61012-i5

1012-i4

الزيادات المتبانية في ارتفاع أسعار هذه السلع الغذائية، تدل على أن لكل منها واقعَ توريد مختلف، ومستوى احتكار، وآليات تسعير. فعندما تكون الأسعار العالمية للقهوة والشاي متقاربة، فإن الاختلاف الكبير في تغيرات أسعارها المحلية يرتبط بمستوى احتكار توريدها، وطبيعة المصادر، والتي تستورد منها. وعندما تكون أسعار الحبوب المستوردة، مثل: الرز، ارتفعت بنسبة 50% عالمياً، بينما أسعار الزيوت المستوردة ارتفعت في السوق العالمية بنسبة تقارب 120% فإن هذا لا يستطيع أن يفسر ارتفاع أسعار الزيوت في السوق المحلية أكثر من 6 أضعاف، مقابل ارتفاع الرز ضعفين ونصف. والتفسير في واقع احتكار توريد وإنتاج مستلزمات صناعة الزيت. الخضار والفواكه واللحوم التي تعتبر منتجات محلية ارتفعت بمعدلات أعلى من مكونات مستوردة، مثل: السكر كمحدد للحلويات، والرز كمحدد في الحبوب المستوردة. هذه التباينات تجد تفسيراتها في نقص الكميات، ونشاط التصدير والتهريب، ومستوى الاحتكار، وجميعها عوامل لا تمت بأية صلة للدولار، أو للعقوبات، أو لارتفاع الأسعار العالمية للمواد، والشحن، بل تتعلق بالجلطة القلبية التي تصيب الإنتاج السوري، وبمستوى تركز الأموال في احتكار الأساسيات.

(النسخة الإنكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1012
آخر تعديل على الجمعة, 16 نيسان/أبريل 2021 15:19