افتتاحية قاسيون 993: 2254 لإيقاف الانهيار
تعبّر قيمة الليرة السورية بشكلٍ مكثف، ليس عن الجانب الاقتصادي فحسب، بل وعن مختلف جوانب الكارثة التي يعيشها أكثر من 90% من السوريين، بما فيها جوانبها الإنسانية والسياسية.
تعبّر قيمة الليرة السورية بشكلٍ مكثف، ليس عن الجانب الاقتصادي فحسب، بل وعن مختلف جوانب الكارثة التي يعيشها أكثر من 90% من السوريين، بما فيها جوانبها الإنسانية والسياسية.
بالشهر القبل الأخير من السنة الملعونة والكارثية يلي اسمها 2020، ما انتهى فيها الشكل الجنوني من ارتفاع الأسعار... أسعار السلع- المواد المدعومة- المحروقات- اللباس- الأدوية... إلخ..
تحولت مسألة كتلة الدولارات السورية المحجوزة في أزمة المصارف اللبنانية إلى واحدة من العناوين الأساسية في الأسبوع الماضي، وعاد البعض بالأسباب إلى عشرات السنين وإلى بنية المنظومة الاقتصادية السورية ككل... وهو أمر منطقي، فالمسألة «تاريخية» أي: جرت لأسباب وتطورت نتيجة عوامل وتستمر نتيجة مصالح وآليات.
تبلغ موازنة عام 2021 رقماً قياسياً جديداً بالليرة السورية 8500 مليار ليرة... أي: بسعر صرف السوق الذي أصبحت الحكومة تسعّر عليه مستورداتها: حوالي 3.7 مليارات دولار، مع إعلان الحكومة أنها تنوي زيادة إيراداتها بنسبة 240%... مع بقاء عجز يقارب 2500 مليار، ستسدّه بطرق متنوعة هذه المرة! تحتل المالية العامة العناوين الأساسية في العمل الحكومي، والموازنة تكشف بعض النوايا... كما تكشف مستوى التدهور في العامين الماضيين بالقياس إلى سنوات الأزمة السابقة.
انخفضت أسعار الدولار في السوق السوداء، وهللت الحكومة وغيرها (بالإنجاز العظيم)، ولكن السوريين الذين أصبحوا من المتابعين اليوميين (لسعر الأخضر) وجّهوا نظرهم إلى أسعار السلع مباشرة: السكر، الرز، البيض، الفروج وغيرها... وإذ بها لا تتغير! لا بل إنّ بعضها استمر في ارتفاعاته، والجميع يتهامس ويقول الانخفاض مؤقت..
انتهت (العملية الأمنية لمواجهة المضاربة) التي لم نر منها إلاّ صوراً فايسبوكية لدولارات مكدسة، وما بعد هذه الإجراءات انخفض سعر السوق المتداول بنسبة 30% وارتفع سعر المركزي بنسبة 80% تقريباً، ومع ذلك لم يلتقيا حتى الآن... والأهم: استمرت مجمل الأسعار، ومنها: الأغذية بالصعود لترتفع خلال أسبوعين بنسبة فاقت 38%، وكل هذا ولم يكن قانون قيصر قد دخل حيّز التطبيق بعد!
أصبح الحد الأدنى للأجر في سورية الأقل عالمياً عند قياسه بالدولار، وقد يكون الأقل من حيث قدرته الشرائية... فخلال أسبوعين أصبحت تكاليف سلة الغذاء الأساسية 6,6 ضعف الحد الأدنى للأجر، والبالغ قرابة 50 ألف ليرة! وهو ما يعني أن تكاليف المعيشة لأسرة من خمسة أشخاص فاقت 550 ألف ليرة، إذا ما افترضنا أن الغذاء يشكل نسبة 60% من تكاليف المعيشة في هذه الظروف القاسية التي تضيّق الإنفاق على الجوانب الأخرى!
رفع مصرف سورية المركزي، اليوم الأربعاء، سعر الصرف التفضيلي للدولار من 700 إلى 1256 ليرة سورية للحوالات في المصارف وشركات الصرافة.
ترتفع التقديرات الدولية لحجم أزمة الغذاء والجوع في سورية بوتيرة غير مسبوقة، فإذا ما كان ملايين جدد يفقدون أمنهم الغذائي خلال عام، فإن هذا المعدل أصبح يتحقق خلال أشهر...
منذ نهايات العام الماضي والليرة تنهار بمستوى متسارع، بما أصبح ينذر بالوصول إلى الوضع الذي تفقد فيه آخر وظائفها... ترافق هذا مع تشديد العقوبات والحديث عن قانون قيصر، وأزمة لبنان، والركود الاقتصادي، والأزمات بين نخب الفساد والنفوذ والثروة داخل البلاد... وخلال أقل من ستة أشهر شهدنا حالتين تعرضت فيهما الليرة لتدهور يومي متسارع (الأولى: في مطلع العام الحالي، والثانية: في الأسبوع الماضي) وفي الحالتين يتم (وقف) التدهور بآليات أمنية ودعائية مؤقتة، ولكن عند حدود أعلى مما سبق، وغالباً مع رفع سعر الصرف الرسمي.