روسيا: التوازن تغير جذرياً ومقترحاتنا الأمنية لواشنطن لم تعد قائمة
أكدت الخارجية الروسية أن المقترحات التي تقدمت بها موسكو إلى الولايات المتحدة وحلف الناتو بهدف وضع نظام ضمانات أمنية متبادلة للحفاظ على الأمن في القارة الأوروبية لم تعد قائمة.
أكدت الخارجية الروسية أن المقترحات التي تقدمت بها موسكو إلى الولايات المتحدة وحلف الناتو بهدف وضع نظام ضمانات أمنية متبادلة للحفاظ على الأمن في القارة الأوروبية لم تعد قائمة.
أثارت التغطية الإعلامية الغربية، وخاصة من قبل وسائل الإعلام البارزة، للعمليّة العسكرية الروسيّة في أوكرانيا تساؤلات متجددة حول المدى الذي يمكن فيه للإعلام الغربي أن يظهر منحازاً. لكن هذه المرّة نسف الإعلام المملوك للشركات حتّى أدنى ادعاءات بالحياد أو بالموضوعية. قامت هذه التغطية للأحداث في أوكرانيا على عدّة أسس: ١) التركيز المكثّف مع تجاهل الأحداث العسكرية الموازية لها من حيث زمن الوقوع. ٢) تعزيز الحضور العنصريّ للتعليقات، وتحديداً عند التعامل مع مسألة اللاجئين وبشرتهم ودينهم. ٣) إعادة تنشيط الحضور الإعلامي للمجموعات المناهضة للحرب عموماً. ٤) إسقاط أيّة تغطية للسياق التي وقعت فيه الأحداث والخلفيّة السابقة لها. ٥) زيادة الضخّ العاطفي الغاضب مع التركيز على شيطنة روسيا لأبعد حد.
في مجرد أن توصّف ما يجري بأنه اشتباك بين الغرب والشرق، وأن تقول: إن «معركة أوكرانيا» ما هي إلّا إحدى ساحاته الكثيرة، تكون بذلك قد نسفت الدعائم الأساسية للرواية التي تضخها ماكينة الهيمنة الغربية، وما أن تحاول من خلال سلسلة التفكير المنطقي رسم النتائج العميقة المتوقعة لهذا الاشتباك على كل النظام العالمي حتى تبدو كما لو أنك غريب يتحدث لغة باتت مجهولة بالنسبة للكثيرين.
يسود العالمَ بأسره هذه الأيام استقطابٌ حادٌ حول ما يجري في أوكرانيا. وهذا أمرٌ طبيعي ومتوقعٌ، لما للحدث من تأثيرات أكيدة- وأياً تكن نتائجه النهائية- على مجمل التطور العالمي.
إذاً نجحت الولايات المتحدة والناتو باستفزاز روسيا وتهديد مصالحها حدّ إطلاق الأخيرة عمليّة عسكرية في أوكرانيا. وبعد جولة أولى مربكة من العقوبات «الأوليّة»، ومن الأحاديث المتضاربة والمنقسمة التي تلت شهوراً من التهديدات الغربية بأنّ روسيا إذا ما قامت بعمليتها العسكرية، فستفقد كلّ فرصها بالتعامل مع أوروبا، وسينهار اقتصادها، تبدو روسيا غير مبالية بهذه التهديدات. هل روسيا غافلة عمّا يمكن أن يلحق باقتصادها إذا انضمت أوروبا بشكل كلي للولايات المتحدة وقررت إيقاف وارداتها من الغاز الروسي؟ في الحقيقة، هناك سؤالان أكثر جديّة لهذه المرحلة، الأول: من الذي سيتضرر من عقوبات أمريكية-أوروبية ضدّ موسكو: روسيا أم الأوروبيون؟ والثاني: ما الذي يجري بين موسكو وبكين ويدفعهما للتقليل من جدوى العقوبات الغربية؟.
بين الزوايا العديدة التي يمكن ضمنها قراءة الحدث الأوكراني، فإنّ هنالك أهمية خاصة لمقاربة المسألة من وجهة نظر أسسها التاريخية، ليس من وجهة نظر إثنية ولغوية وإلخ، ولكن بالضبط من وجهة نظر تموضع أوكرانيا ضمن التوازنات الدولية وتطور ذلك التموضع خلال عقود عديدة ماضية...
منذ بدأت الأزمة الأوكرانية بالتصاعد بشكل دراميٍ مؤخراً، وخاصة بعد انطلاق العملية العسكرية الروسية، بدأت الدول في مختلف أنحاء العالم بالاصطفاف اصطفافاً حاداً في هذا الجانب أو ذاك؛ وباتت الأمور مستقطبة إلى الحد الأقصى؛ إما أن تقف مع الغرب أو ضده. مع ذلك، فإنّ بعض اللاعبين الإقليميين والدوليين، وجدوا أنفسهم ممزقين في ظل هذا الاصطفاف، لاعتبارات متعددة.
يقف العالم بأسره، وكما يقال، على رجل واحدة اليوم، متأهباً لتغييرات كبرى تتحقق فعلاً، ومتخوفاً من الاحتمالات الخطرة القائمة دائماً، طالما النخب المالية لديها إمكانات الوصول إلى الأزرار الحمراء المرعبة للأسلحة الأشد تدميراً وفتكاً... ولكن هذا كلّه ليس إلّا المظهر الخارجي لصورة أشد تعقيداً وتشعباً...
أقرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، وهي إحدى أبرز الناطقين بلسان حال رأس المال المالي العالمي، في تقرير لها الأربعاء 23 شباط بأن "بكين وموسكو تتمتعان الآن بدور أقوى في مواجهة الغرب مما كانتا عليه خلال الحرب الباردة".
يحتل الوضع المتأزم هذه الأيام في أوكرانيا وحولها موقع العنوان الأول حول العالم؛ وليس هذا بمستغربٍ لأنّ الجميع على علمٍ، إلى هذه الدرجة أو تلك، بأنّ مضامين المعركة الجارية وأبعادها، أكبر بكثير من أوكرانيا نفسها، بل وتصل بنتائجها حدود الفصل بين حقبتين من التاريخ العالمي...