افتتاحية قاسيون 1060: كيف سيتحدد مآل المعركة؟
يسود العالمَ بأسره هذه الأيام استقطابٌ حادٌ حول ما يجري في أوكرانيا. وهذا أمرٌ طبيعي ومتوقعٌ، لما للحدث من تأثيرات أكيدة- وأياً تكن نتائجه النهائية- على مجمل التطور العالمي.
مع ذلك، فإنّ الأكثر أهميةً من مجرد إعطاء موقفٍ بسيطٍ من الحدث، تأييداً أو معارضة، هو محاولة فهمه بعمق، وفهم مآلاته المحتملة، في روسيا نفسها وفي أوروبا والولايات المتحدة، ومنطقتنا والعالم ككل، ومن ثم الحكم عليه بناءً على هذا الفهم.
أول ما ينبغي الوقوف عنده، هي المعطيات الفعلية للمعركة، ليس بمعناها العسكري الميداني فقط، بل وأهم من ذلك بمقدماتها وأسبابها.
ضمن هذا الإطار، يمكن تثبيت مسألتين أساسيتين على الأقل:
أولاً: سعي الغرب باتجاه تطويق روسيا وصولاً إلى إنهائها، ليس أمراً مستجداً، بل هو مسعى تاريخي يتعزز كلما تعززت الأزمات المالية الاقتصادية للغرب، وبوصفه مخرجاً نظرياً مؤقتاً من تلك الأزمات... كذلك كان الأمر في الحرب العالمية الثانية، وكذلك هو الآن.
ثانياً: التحضيرات الغربية للمعركة ضد روسيا، انطلاقاً من توسيع الناتو ليمتد إلى 14 دولة إضافية ابتداءً من 1997، وانطلاقاً من أوكرانيا نفسها، بات أمراً مثبتاً. وقد اعترف به كثيرون، وبينهم رئيس الوزراء الأوكراني السابق الذي تحدث بشكل تفصيلي عن تلك التحضيرات: ضمناً إقامة الأمريكان لخمسة مخابر جرثومية في أوكرانيا، ربما تتجاوز بخطرها حتى السلاح النووي، وكذا التجهيز لقنابل نووية قذرة باستخدام النفايات النووية في تشرنوبل وغيرها، ومروراً بالتسليح الكثيف والتدريب، ووصولاً إلى تحديد موعدٍ لانطلاق الحرب ضد روسيا هو يوم 25 من الشهر الماضي، أي بعد يوم واحد من انطلاق عملية روسيا العسكرية في أوكرانيا!
أي إنّ العملية العسكرية الروسية بهذا المعنى، يمكن أن تُفهم بوصفها خطوة دفاعية استباقية من وجهة نظر الأمن القومي الروسي، أكثر بكثير من أن تفهم كحرب هجومية...
تتجه تيارات عديدة في قراءتها للحدث للقول: إنه مجرد صراع غرضه اقتسام أوروبا، وتالياً: اقتسام حصص السيطرة بالمعنى العالمي، وخاصة الاقتصادية، ويتجاهل أصحاب هذا الرأي بشكل كامل ما ذكرناه أعلاه، والذي يشكل بالنسبة لروسيا كدولة وكشعب مسألة حياة أو موت، ليس ضمن منطق «الدفاع عن الوطن» كذريعة لحروب التقاسم، بل بالضبط ضمن المنطق الفعلي المعاصر للدفاع عن الوطن في إطار التحرر من الاستعمار، وخاصة الاستعمار بشكله المعاصر الاقتصادي...
قراءة الأمور بناءً على فكرة التقاسم وإعادة التحاصص، وكأنّ العالم اليوم هو نفسه عالم ما قبل الحرب العالمية الأولى، هي قراءة مبتسرة وبعيدة عن الواقع... ومع ذلك، فإنه لا يمكن الحسم فيها بشكل استباقي وكاملٍ دون توضح المآلات التي ستنتهي إليها المعركة، وخاصة في الداخل الروسي.
بكلامٍ آخر، فإنّ ما يحدد المآلات النهائية لهذه المواجهة المفتوحة، هو كيف ستتطور الأمور في الداخل الروسي نفسه من وجهة نظر نمط توزيع الثروة، وضمناً المسائل المتعلقة بالمنظومة المالية، وكذا دور البنك المركزي وطبيعة ذلك الدور، وأدوار الأوليغارشيا ووزنها.
في أتون المعركة الجارية، وبتأثير العقوبات والحصار الغربي الجهنمي الذي يسعى لخنق روسيا، فإنّ الحاجة الموضوعية لإجراءات جذرية في عملية إعادة توزيع الثروة ستصبح أكثر إلحاحاً، وستصبح متطلباً مباشراً من متطلبات البقاء.
وفقط على أساس التصرف اتجاه هذه النقطة بالتحديد، وعلى أساس التوازنات التي ستخلقها، سيتحدد المآل الفعلي للمعركة، وكذا مآلاتها العالمية والإقليمية والمحلية، والتي من شأنها أياً تكن طبيعتها أن تعيد إلى الصدارة، شاء من شاء وأبى من أبى، مسألة البديل التاريخي عن الرأسمالية وتعفنها...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1060