إلى أية درجة وصل الترابط الروسي الصيني في زمن المواجهة المشتدة مع الغرب؟

إلى أية درجة وصل الترابط الروسي الصيني في زمن المواجهة المشتدة مع الغرب؟

خلال السنوات السابقة، ازداد التقارب بين الصين وروسيا على نحو متزايد انعكس على جميع قطاعات التعاون، بما في ذلك التعاون والتبادل التجاري. وهو ازدياد لم يكن سهلاً، بل محفوفاً بالمخاطر المتعدّدة الآتية من الغرب، ولا سيما نتيجة لاشتداد المواجهة الروسية الغربية في أوكرانيا، واستخدام العقوبات الاقتصادية كسلاح رئيسي في يد الغرب.

خلال العام الماضي 2021، قفز إجمالي التجارة بين الصين وروسيا بنسبة 35.9%، ليصل إلى مستوى قياسي بلغ 147.9 مليار دولار أمريكي، وفقاً لبيانات الجمارك الصينية، حيث تعمل روسيا كمصدر رئيسي للنفط والغاز والفحم والسلع الزراعية، وتحقق فائضاً تجارياً مع الصين.
ومنذ فرض العقوبات على روسيا في عام 2014، بعد استعادتها شبه جزيرة القرم، توسّعت التجارة الثنائية الروسية الصينية بأكثر من 50%، وأصبحت الصين أكبر وجهة تصدير لروسيا، حيث كان الجانبان يهدفان لزيادة إجمالي التجارة الثنائية إلى 200 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2024، لكنهما عادا (خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين لحضور دورة الألعاب الأولمبية الشتوية) ورفعا الرقم المستهدف إلى 250 مليار دولار أمريكي.
ومع احتمال المزيد من تصعيد العقوبات الغربية ضد روسيا والصين، يمكن للتعاون المثمر بينهما أن يعوِّض جزءاً من الأضرار الناجمة عن المواجهة. وللتعاون التجاري بين الجانبين أوجه عديدة، موضوعة كلها على طاولة البحث ومرشحة جميعها لتشهد مزيداً من النمو.

النقلة النوعية لصادرات النفط والغاز الروسي إلى الصين

تعدُّ روسيا ثاني أكبر مورد للنفط للصين بعد السعودية، حيث بلغ متوسط الكميات 1.59 مليون برميل يومياً العام الماضي، أو 15.5% من الواردات الصينية. ويتدفق حوالي 40% من الإمدادات عبر خط أنابيب شرق سيبيريا والمحيط الهادئ (ESPO) الذي يبلغ طوله 4070 كيلومتراً، والذي تم تمويله من خلال قروض صينية بقيمة 50 مليار دولار أمريكي.
وتعتبر روسيا أيضاً المورد رقم 3 للغاز في بكين، حيث صدّرت 16.5 مليار متر مكعب من الوقود إلى الصين في عام 2021، ما يلبي حوالي 5% من الطلب الصيني. وبدأت الإمدادات عبر خط أنابيب «قوة سيبيريا»، المنفصل عن شبكة خطوط أنابيب الغاز الروسية المتجهة غرباً، في أواخر عام 2019، ومن المقرر أن ترتفع إلى 38 مليار متر مكعب سنوياً بحلول عام 2025، بينما كانت 10.5 مليار متر مكعب في عام 2021، بموجب عقد مدته 30 عاماً وبقيمة تزيد عن 400 مليار دولار أمريكي. ويهدف الجانبان إلى بناء خط أنابيب غاز ثان هو «قوة سيبيريا»، بقدرة 50 مليار متر مكعب سنوياً ليمر عبر منغوليا إلى الصين.
وكانت روسيا أيضاً المورد رقم 2 للفحم في الصين في عام 2021. وخلال العام الحالي، كشف بوتين النقاب عن صفقات نفط وغاز روسية جديدة مع الصين تقدر قيمتها بنحو 117.5 مليار دولار أمريكي.
وهذا النمو الحاصل مؤخراً ضروري جداً لتأريض فعالية العقوبات الغربية على روسيا مؤخراً. حيث بلغت التجارة الثنائية بين روسيا والاتحاد الأوروبي في عام 2021 قرابة 247.8 مليار يورو، (الصادرات الروسية 158 مليار يورو، بينها حوالي 110 مليار يورو هي صادرات نفط وغاز، وحوالي 48 مليار يورو في تجارة أخرى مثل السيارات والآلات وما إلى ذلك). وبالنسبة لروسيا، يمكن تعويض ذلك بسهولة شديدة خلال عامين على افتراض أن أرقام التجارة الروسية الصينية المشتركة وصلت إلى 250 مليار دولار أمريكي كما هو مخطط له في 2024 (رغم أن البعض يتوقع ارتفاع هذا الرقم أكثر، نتيجة اضطرار الجانبين إلى تجذير علاقاتهما بالتزامن مع اشتداد المواجهة مع الغرب).
صدّرت روسيا 16.5 مليار متر مكعب من الغاز إلى الصين في عام 2021. وبموجب الخطط الموضوعة سابقاً، تهدف روسيا إلى تزويد الصين بـ38 مليار متر مكعب من الغاز عبر خط أنابيب جديد بحلول عام 2025، إلا أن شركة غاز بروم عادت وأعلنت في بيان لها مؤكدة أنها تعتزم زيادة استهداف صادرات الغاز إلى الصين لتصبح 48 مليار متر مكعب سنوياً. وبشكل منفصل، وقعت شركة روسنفت، اتفاقاً مع شركة CNBC الصينية لتوريد 100 مليون طن من النفط عبر كازاخستان على مدى 10 سنوات، ما أدى إلى تمديد اتفاق قائم بشكلٍ فعّال. وقالت روسنفت إن الصفقة الجديدة تبلغ قيمتها 80 مليار دولار أمريكي.

النقلات تطال السلع الأخرى أيضاً

في عام 2019، سمحت الصين باستيراد فول الصويا من جميع مناطق روسيا، ووقّع البلدان اتفاقاً لتعميق التعاون في سلاسل توريد فول الصويا. وبلغت صادرات فول الصويا إلى الصين 543,058 طن العام الماضي، ومن المتوقع أن تصل إلى 3.7 مليون طن بحلول عام 2024.
وفي عام 2021، وافقت الصين على استيراد لحوم البقر من روسيا، وفي آذار من هذا العام، سمحت بكين باستيراد القمح من جميع مناطق روسيا، وإزالة القيود الموجودة سابقاً. وتشمل الصادرات الغذائية الأخرى من روسيا إلى الصين الأسماك وزيت عباد الشمس وزيت بذور اللفت والدواجن ودقيق القمح والشوكولا.
كما أن الصين مستورد ضخم للأخشاب من الشرق الأقصى الروسي، حيث بلغت قيمة وارداتها من الأخشاب والمنتجات ذات الصلة 4.1 مليارات دولار أمريكي العام الماضي. في المقابل، تبيع الصين المنتجات الميكانيكية والآلات ومعدات النقل والهواتف المحمولة والسيارات والمنتجات الاستهلاكية إلى روسيا.
وبلغت الصادرات الصينية إلى روسيا 67.6 مليار دولار أمريكي العام الماضي، بزيادة 34%، مع ترجيح احتمال حدوث ارتفاعات أخرى، حيث تستبدل روسيا المنتجات التي كانت مصدرها الاتحاد الأوروبي سابقاً بمنتجات من الصين وآسيا.


1094


جانب من التعاون في الاستثمار والتمويل

سرّعت العقوبات الغربية توجه روسيا نحو الصين بحثاً عن فرص استثمارية في السنوات الأخيرة، وساعدت البنوك الحكومية الصينية روسيا على تمويل البنى التحتية ومشاريع النفط والغاز في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وتعتبر روسيا إلى حد بعيد أكبر متلق لتمويل القطاع الحكومي في بكين، حيث حصلت على 107 قروض وائتمانات تصدير (وصلت القيمة حسب بعض التقديرات إلى حوالي 125 مليار دولار أمريكي من مؤسسات الدولة الصينية بين عامي 2000 و2017).
فوق ذلك، بدأت الصين وروسيا في استخدام اليوان والروبل لتسوية التجارة الثنائية في عام 2010، وفتحتا أول خط لمبادلة العملات في عام 2014، والذي جددته في عام 2020 مقابل 150 مليار يوان على مدى ثلاث سنوات.
شكلت التسويات باليوان الصيني 28% من الصادرات الصينية إلى روسيا في النصف الأول من عام 2021، مقارنة بـ2% فقط في عام 2013، حيث يسعى كلا البلدين إلى تخفيف الاعتماد على الدولار مع تطوير أنظمة الدفع العابرة للحدود الخاصة بكل منهما.
وشكلت العملة الصينية 13.1% من احتياطيات البنك المركزي الروسي من العملات الأجنبية في حزيران 2021، مقارنة بـ0.1% فقط في حزيران 2017، مع انخفاض حيازات موسكو بالدولار الأمريكي إلى 16.4% من 46.3% في الفترة ذاتها. ولا تملك روسيا الآن احتياطيات من الدولار في صندوق ثروتها السيادي (ومع ذلك، بات لديها احتياطيات ضخمة من الذهب). ويجدر بالملاحظة أن الدولار الأمريكي قد فقد 80% من قيمته مقابل الذهب على مدى السنوات الـ20 الماضية. ومع تطلع الصين وروسيا إلى مزيد من خفض الدولار، يتعرض هذا الأخير إلى ضغوط متزايدة.

الوقائع تدفع الدول للتكيف مع الموازين الجديدة

الجدير بالانتباه أن كلا من موسكو وبكين تنظران إلى اشتداد الصراع في أوكرانيا كجزء من صراع أوسع مع الولايات المتحدة والعالم الغربي عموماً. وهو ما تعتبرانه مواجهة ترمي إلى وضع حد للعالم أحادي القطب الذي ساد المشهد الدولي منذ تفكك الاتحاد السوفييتي. وحرّض الجانبان غيرهما من الدول على تسريع التوجه للتكيف مع الواقع الدولي الجديد والأوزان الجديدة، ولا سيما الدول الأخرى في منظومة «بريكس»، التي يعتقد أنها بحلول عام 2030 ستكون مسؤولة عن 50% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ولكنها لن تكون ممثلة تمثيلاً كافياً في الآليات المؤسسية العالمية في حال بقيت الأخيرة كما هي الآن بوصفها أداة هيمنة بيد العالم الغربي.
وستتمسك الصين وروسيا بموقفهما في هذه المواجهة ضد العدوانية الأمريكية، مستفيدتان من أن الحقيقة الماثلة بأن العديد من دول العالم باتت تدرك بحكم الضرورة والواقع المستجد أنها يجب أن تتكيف مع الموازين الجديدة وتتوجه شرقاً بشكلٍ فعلي وغير موارب، بعيداً عن التورط والانغماس في المشاريع الأمريكية التي تعمل على تدفيع الدول الأخرى فاتورة هذه العدوانية الأمريكية. ومن ذلك، أنه حتى آذار 2022، وقعت 146 دولة على مستوى العالم على مبادرة الحزام والطريق الصينية!

بوتين في «فالداي» 2022: لدينا تعاون عسكري- سري!

خلال مشاركته في منتدى «فالداي» في موسكو الأسبوع الماضي، كشف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إن روسيا والصين «تتعاونان في جميع المجالات، بما في ذلك العسكرية والعسكرية التقنية، وهذا التعاون ذو طبيعة سرية للغاية».
ووفقاً له، اكتسبت العلاقات الروسية الصينية على مدى العقود الماضية مستوى غير مسبوق من الانفتاح والثقة المتبادلة والكفاءة: «نحن نعمل في جميع المجالات. نجري باستمرار - وبسرية- تدريبات مشتركة في المجال العسكري وفي المجال العسكري التقني بشكلٍ لم يسبق له مثيل في تاريخ بلدينا».
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، إن «الصين تقدر بشدة تصريحات الرئيس الروسي»، مؤكداً أن فلاديمير بوتين وشي جين بينغ صديقان وأنه «في روسيا بشكلٍ عام يعاملون الشعب الصيني كشعب صديق مقرب».
وأشار الدبلوماسي الصيني إلى أن الصين مستعدة لمواصلة تطوير التعاون في مختلف المجالات، ودعم بعضها البعض في اختيار مسار يلبي مصالحها الوطنية الخاصة، والبحث دائماً عن فرص للتنمية المتبادلة.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1094