كيف يمكن كسب الحرب المالية-التجارية مع الغرب؟
سيرجي غلازييف وديمتري ميتيايف سيرجي غلازييف وديمتري ميتيايف

كيف يمكن كسب الحرب المالية-التجارية مع الغرب؟

أمام أعيننا، يجري الانتقال إلى المرحلة التالية من انهيار النظام المالي-التجاري العالمي (بمركزه الأمريكي). لقد عزل الغرب روسيا بشكل نهائي عن أسواقه للطاقة والمعادن والتكنولوجيا ورأس المال؛ على خلفية التضخم المتسارع، يختمر الانهيار الذي طال انتظاره للأسواق المالية، والذي أثارته الزيادة المتسارعة في أسعار الفائدة التي يضعها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.

ترجمة قاسيون

لا أحد يعرف حجم «فقاعة كل شيء» التي كانت السلطات المالية لمجموعة الدول السبع الكبرى تنميها بعناية على مدار الثلاثين عاماً الماضية. (المترجم: بدأ مصطلح «فقاعة كل شيء»، بالانتشار بشكل واسع قبل أزمة 2007-2008 وخلالها وحتى الآن، وهو تطوير لمصطلح «فقاعة الدوت كوم» الذي ظهر مع أزمة عام 2000 والتي عبرت في حينه عن انفجار الفقاعة الكبيرة- التضخم الكبير، في شركات التكنولوجيا؛ أما «فقاعة كل شيء» فهي تعبر عن أنّ التضخم ليس محصوراً في شركات التكنولوجيا بل بات يشمل كل القطاعات على الإطلاق، بما فيها العقاري والصناعي والمالي وإلخ).

النخبة العالمية، وبينما تضحي بأوروبا كحدٍ أدنى، مستعدة للمضي حتى النهاية، رافعةً الرهان بشكل خطيرٍ وحاد، بأشكالٍ مباشرة (كما في رفع الفيدرالي الأمريكي لأسعار الفائدة)، وبأشكال غير مباشرة (عبر ضخ شحنات الأسلحة المدمرة بشكل متزايد إلى أوكرانيا وتايوان، وعبر العقوبات غير المحدودة)، ويبدو أنها مستعدة لحرق العالم الثالث.

الولايات المتحدة، التي تهاجم روسيا والصين، في عجلة من أمرها، وتلعب بشكل خطير وقاتل على مبدأ المقامرة بكل شيء دفعة واحدة (All in)، وفي طريقها هذا تقوم بعملية (تجريد أوروبا من ملكيتها)- وتزيل بذلك حليفها/منافسها الجيواقتصادي الرئيسي.

السبب وراء ضغط الوقت، بسيط: "فقاعة كل شيء" التي خلقتها الثورة الليبرالية الجديدة في مجال التمويل في التسعينيات قد انفجرت أخيراً وضمناً عمليات الضخ النقدي المستشري خلال الـ 14 عاماً الماضية. الفقاعة الثالثة والأقوى في الـ 200 عاماً الماضية في سوق الأصول العالمية (الفقاعات السابقة في 1930 و2000)، كانت جاهزة للانفجار في عام 2008، ولكن تم تضخيمها بشكل مصطنع مرتين أو ثلاث مرات أخرى، وتقترب الآن من الكارثة وفقاً لسيناريو التضخم المفرط - بغض النظر عما يفعله الاحتياطي الفيدرالي.

 ترى الولايات المتحدة مخرجاً عبر فرض الانهيار، وعبر إدارة الكارثة من أجل الخروج من الانهيار الشامل "ضد أوراسيا، على حساب أوراسيا وعلى أنقاض أوراسيا" (روسيا لم تعد كافية)، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي والصين والهند والدول الكبرى الأخرى في قارتنا. لإطالة المأدبة، تحتاج الولايات المتحدة لقلب الطاولة، وتصريف الميزة الشاملة التي تمتلكها في التمويل العالمي والتجارة، مقابل إحداث الفوضى عند العدو.

 المحلل المعاصر زولتان بوزار Zoltan Pozhar (عمل في بنك الاحتياطي الفيدرالي سابقاً، والآن يعمل في كريدي سويس) كتب: «... إذا كانت هناك ثقة، فإن التجارة تعمل. إذا لم تكن هناك ثقة، فإنها لا تعمل. اليوم لا توجد ثقة: اتحاد "تشيمريكا" (أي الصين-أمريكا) لم يعد يعمل، والاتحاد الأوروبي لا يعمل أيضاً. بدلاً من ذلك، لدينا علاقة خاصة بين روسيا والصين، الاقتصادات الرئيسية لكتلة بريكس، و"الملك" و"الملكة" على رقعة الشطرنج الأوروبية الآسيوية - تم التوصل إلى "اتحاد سماوي" جديد نتيجة لطلاق تكتل "تشيمريكا" وتكتل "أوروسيا"... أصبحت الولايات المتحدة غنية جداً، وتتبع سياسة التيسير الكمي. لكن الحق والفرصة في تنفيذ التيسير الكمي جاءا بفضل نظام "التضخم المنخفض"، الذي قدمته الصادرات الرخيصة من روسيا والصين. بطبيعة الحال، فإن قمة السلسلة الغذائية الاقتصادية العالمية – أي الولايات المتحدة - لا تريد أن ينتهي نظام التضخم المنخفض، ولكن إذا توقف تكتل تشيمريكا وأوروبا عن الوجود كاتحادات، فسيتعين إنهاء نظام التضخم المنخفض، في نهاية المطاف... "

 لم يتحد مخزون العالم ومصنع العالم بعد (المقصود على التتالي: روسيا، الصين) - في حين أنهما يفيضان عن حاجة أحدهما للآخر ولكامل أوراسيا، على الرغم من أنهما قادران تماماً على جعل أوراسيا بأكملها قارة متقدمة من حيث التكنولوجيا وجودة الحياة. وقد ظهر ذلك في قمة منظمة شنغهاي للتعاون الأخيرة، التي أعلنت عن بديل عن الانقسام المفتعل غربياً، المستمر بين قارتنا والعالم؛ من خلال توحيد إمكانات دول منظمة شنغهاي للتعاون، من الممكن الخروج من الفخ. في الوقت الحالي، لا تزال روسيا والصين والهند تعمل في نظام عالمي يخضع بالفعل لانهيار محتوم. مهمتنا المشتركة في أوراسيا هي ألا نسمح لأنفسنا بأن نُسرق مرة أخرى، وأن نبني نظامنا الخاص للأمن والتجارة والتسويات، وألا ندع أنفسنا مدفونين تحت أنقاض النظام الغربي المدمر.

 إن «موت كاشييف» لهذا النظام، الذي يبدو نظاماً أبدياً للتبادل الاقتصادي الاستعماري (غير المتكافئ)، يكمن في رأس الإبرة المالية، وتلك هي هرم المشتقات بوصفه أصولاً مالية، بل وحقيقية. (المترجم: كاشييف شخصية أسطورية سلافية منيعة ضد الموت، ولا يمكن أن تقتلها سوى إبرة مخبأة في صندوق تحت شجرة بلوط في جزيرة بعيدة... وهي تشبه بطريقة ما الأسطورة الإغريقية حول عقب آخيل).

إنّ الهرم مقلوب – وكونه كذلك فهو رافعة ضخمةٌ للسيطرة: باعتماد نسبة 10 إلى 1، (إلى الأصول الحقيقية)، تتم مضاعفة أصول البنوك والأسهم عشر مرات. هنالك نسبة 10 إلى 1 إضافية يتم بناء المشتقات المالية عليها؛ (حيث أصول البنوك والأسهم هي الواحد)، وتشمل الالتزامات خارج الميزانية العمومية في أسواق السلع ورأس المال. بمثل هذه الرافعة المالية العامة (من 1 إلى 100)، يمكنك رسم أي أسعار للأصول والموارد، وهو ما كان يفعله الغرب طوال نصف القرن الماضي، وعبرها يعيد توزيع ثروة الأطراف باتجاه المركز.

 هذه اللعبة انتهت. لقد سحبت روسيا بالفعل القاعدة من هرم سوق الغاز، 20 مليار دولار، [المترجم: أي 2000 مليار دولار أو 2 ترليون دولار كمشتقات مالية]، والآن يتعين على أوروبا إيجاد أموال لإعادة تمويل طلبات الهامش في نظام التداول الفوري في الغاز والكهرباء مقابل 1.5-2 تريليون يورو. من الضروري سحب القاعدة في إطار سوق الذهب، والذي يقيّم بحوالي 200 مليار دولار سنوياً [المترجم: 20 ترليون دولار مشتقات]، (منها 20 مليار دولار إنتاج روسي، و100 مليار دولار أخرى من الصين ودول بريكس الأخرى)، وإنشاء معيار الذهب في موسكو بالتعاون مع شنغهاي. تعد الصين والهند أكبر مستهلكين للذهب المادي في العالم (أكثر من 2000 طن سنوياً، أو ثلثي إنتاج العالم). يجب أن تنضم روسيا إلى النادي من خلال شراء احتياطيات تعدين جميع المعادن ومعالجة خردة الذهب في البلاد (365 طناً) وأيضاً أن تطالب بدفع مقابل موارد الطاقة الخاصة بها من الذهب المادي من الدول غير الصديقة (ليس لديهم أي شيء يدفعونه)، والمجموع يصل إلى 1000 طن سنوياً.

 يجب اتخاذ نفس الإجراءات في أسواق السلع الأخرى: الأسمدة (تسيطر روسيا على 275 مليون طن من الحبوب - ما يقرب من ثلث السوق العالمية، وفقاً لأندري ميلينشينكو، يوفر هذا الحجم الغذاء لـ 750 مليون نسمة من سكان الأرض)، واليورانيوم (أكثر من النصف)، والبلاديوم، والماس، والنفط والمنتجات البترولية. نحن بحاجة إلى نظام تسعير خاص بنا (أوروآسيوي) لجميع الموارد، منفصل عن النظام الغربي المنهار. ولكن ليس فقط للموارد، ولكن أيضاً للتكنولوجيا (وهذا بالفعل 1 تريليون دولار في قاعدة الهرم) ورأس المال (عشرات التريليونات). إن أسعار الفائدة وتقييمات الدولة ومخاطر الشركات هي الجزء الرئيسي من هرم المشتقات (بما في ذلك مقايضات أسعار الفائدة لأكثر من 200 تريليون دولار).

 يؤدي التغيير في أسعار الفائدة بنسبة 3-5 ٪ مع الرافعة المالية في أسواق رأس المال من 1 إلى 10 على الأقل إلى زيادة تكلفة الخدمة (والخسائر في مقايضات أسعار الفائدة، والتي يعتبر بائعوها أكبر البنوك، مثل JPMorgan و CreditSwiss، دويتشه بنك، وما إلى ذلك) يُحتمل أن يكون بتريليونات وعشرات التريليونات من الدولارات. إنه من الأسهل بما لا يقاس أن يتم قلب "طاولة الألعاب"، مقارنةً بمحاولة تفكيك/ تطهير Lehman Brothers العالمي المرفوع إلى القوة n [المترجم: المقصود هو أنّ الطريق الوحيد الممكن هو سحب قاعدة الهرم المالي العالمي المادية، وليس من الممكن تطهير هذا الهرم نفسه من النسبة الخيالية التي يبني وفقها الغرب ذلك الهرم عبر مضاعفة الأصول الحقيقية بشكل وهمي عشرات المرات].

 يجب على أكبر دول أوراسيا تنسيق أعمالها في المجال المالي والتجاري على المدى القصير والمتوسط ​​والطويل. يمكنها التحول إلى التداول بالعملات الوطنية. لدعم السيولة، ينبغي إبرام مقايضات الائتمان والعملات بين البنوك المركزية بما لا يقل عن ثلاثة أشهر من حجم التجارة المتبادلة. قبول العملات بشكل متبادل في الذهب واحتياطيات العملات الأجنبية. بناء البنية التحتية للدفع والتسوية، إلغاء دولرة الاستثمارات والقروض. سيتطلب مثل هذا الانتقال من عام إلى عامين، وذلك رهن بإيجاد حلول وسط (مثل أوزان الدول في مجموعة احتياطي النقد الأجنبي في مجموعة بريكس).

 من الضروري تشكيل نظام دولي بديل (أوروآسيوي) للتقييمات الاقتصادية (التصنيفات، والتدقيق، ومعايير التنظيم المصرفي، وتقييم الأصول، وما إلى ذلك) وأسعار الصرف للموارد الأساسية، على المدى الطويل - للتقنيات ورأس المال. وهذا يتطلب إنشاء مساحة تبادل واحدة، وإبرام اتفاقيات طويلة الأجل بشأن مبادئ التسعير والتقييم، والتجارة المباشرة وعلاقات المقاصة بين البورصات. في الوقت نفسه، ستكون الأسعار في أوراسيا أقل بشكل موضوعي منها في البورصات الغربية، حيث أن أوراسيا هي المنتج والمورد الرئيسي للموارد والتقنيات ورأس المال الحقيقي (وليس المشتق). سيتطلب هذا 3-5 سنوات من العمل الشاق.

 أخيراً، على المدى الطويل، من الضروري استعادة اقتصاد أوراسيا وتطويره بعد الحروب التي أطلقها الغرب بالفعل (ولا تزال في الطريق) في قارتنا. يجب أن يتم ذلك على أساس تكنولوجي ومؤسسي جديد، وهو أمر ضروري لزيادة قدرة مؤسسات التنمية المشتركة وتوجيه تدفقات الاستثمار بمقدار واحد أو اثنين. فالصين، على سبيل المثال، التي تمتلك التقنيات والقدرات المناسبة، ستكون مهتمة ببناء شبكة من السكك الحديدية عالية السرعة. تمتلك روسيا قدرة فائضة في قطاع الطاقة وهي قادرة على البناء مع شركاء (الهند، إيران، الصين، إلخ) ليس فقط ممرات النقل واللوجستيات (الشمال والجنوب والشرق والغرب)، ولكن أيضاً أنظمة إمداد الطاقة المغلقة واسعة النطاق في جميع الاتجاهات، توفير المعادن السوداء وغير الحديدية والطاقة وصناعة الطيران والمجمع الزراعي والصناعي والهندسة الميكانيكية.

 يمكن تصميم برنامج تطوير أوراسيا لمدة تتراوح بين 15 و25 عاماً وبتكلفة من 5 إلى 7% من إجمالي الناتج المحلي السنوي لبلدان منظمة شنغهاي للتعاون، ولكنه سيوفر لها الريادة في عالم ما بعد الغرب الجديد. من خلال فهم منطق هدم النظام التجاري والمالي الغربي، من الممكن والضروري الخروج من تحت "رايات" التيار السائد المفروض، وتقديم صورة للمستقبل الاجتماعي والاقتصادي لأوراسيا والعالم، وتشكيل "خارطة الطريق" لتنفيذ الفكرة الاستراتيجية للشراكة الأوروبية الآسيوية الكبرى. يمكن، بل ينبغي، كسب حرب مالية واقتصادية شاملة من خلال فهم منطق تدمير النظام القديم وتشكيل نظام جديد، وتعبئة واستخدام الإمكانات الكاملة لبلدنا ورجال الأعمال والمواطنين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1094