منظومة الغذاء السوري: الهزال والتقزّم يهددان ملايين الأطفال
طالت التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الكارثية للأزمة السورية المجتمع بشكلٍ عام، إلا أنها أثّرت بشكلٍ أكثر عمقاً بوضع الأطفال السوريين، مرسخة إياهم بوصفهم الفئة الأكثر هشاشة وضعفاً في البلاد، والتي تمّ دفع جزءاً منها قسراً لسوق العمل من أجل المساهمة مع عوائلها في محاولة سد الفارق المهول بين الحد الأدنى لتكاليف غذاء الأسرة والحد الأدنى للأجور، بينما يعيش غالبية هؤلاء الأطفال في ظل ظروف تُهددهم بآثارٍ ستطال حياتهم اللاحقة كلها.
في هذا الإطار، أصدرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في العاشر من الشهر الجاري تقريراً جديداً لها حمل عنوان «كل يوم يحتسب»، رصدت فيه التغيرات في نمط معيشة الأطفال السوريين وتدهوره داخل البلاد واللاجئين في دول الجوار، كاشفة عن جزء من الأضرار الصحية المباشرة التي تطال هؤلاء الأطفال.
تهديد ثلاثي للنمو والتطور
وفقاً للتقرير، يواجه الأطفال في البلاد الآن ما وصفته المنظمة بتهديدٍ ثلاثي لنموهم وتطورهم: أولاً، نقص التغذية (التقزم والهزال). وثانياً، نقص المغذيات الدقيقة الضرورية. وثالثاً، زيادة الوزن. وتؤثر هذه التهديدات على ما يقارب 3.77 مليون طفل، ما دفع بالمنظمة لاعتبار المسألة بمثابة «حالة طارئة جديدة» تستدعي استجابة شاملة جديدة للتصدّي لجميع أشكال سوء التغذية.
ثلث الأطفال في سورية متقزمون
بحسب اليونيسف، تشير بيانات نظام المراقبة التي تم جمعها من المرافق الصحية في 14 محافظة سورية إلى زيادة في النسبة المئوية للأطفال الذين يعانون من تبعات «سوء التغذية الحاد الوخيم». حيث لم يعد من الممكن تجاهل التهديدات الثلاثية لسوء التغذية المذكورة آنفاً لدى الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 5 سنوات.
وبهذا المعنى، يزداد انتشار سوء التغذية المزمن سوءاً، حيث تقدّر بيانات تغذية الأطفال خلال عام 2021 أن واحداً من كل ثلاثة أطفال دون سن الخامسة يعاني من التقزم. وواحد من كل خمسة أطفال يعاني من زيادة الوزن، بينما يعاني ثلث الأطفال دون سن 5 سنوات من فقر الدم، بما في ذلك نصف الأطفال في شمال شرق سورية وشمال غرب البلاد.
ثلث الحوامل والمرضعات في وضع صعب
وفقاً لتقديرات اليونيسف، تعاني واحدة من كل ثلاث نساء حوامل ومرضعات من فقر الدم، بينما تصل هذه النسبة إلى النصف في شمال شرق وشمال غرب البلاد. وهذا مؤشر يدعو للطوارئ، حيث يعتبر فقر الدم لدى الأمهات واحداً من عوامل خطر انخفاض الوزن عند الولادة، مما يؤثر على نمو وتطور أطفالهن. وفي الوقت ذاته، تعاني 265,000 امرأة حامل ومرضعة من سوء التغذية الحاد، بما في ذلك 114,000 امرأة في شمال غرب البلاد.
المياه غير المعالجة تفاقم الوضع
في جميع أنحاء البلاد، يعتمد 47% من السكان على مصادر مياه «بديلة» وغير آمنة في كثير من الأحيان لتلبية احتياجاتهم من المياه، كما أن 70% على الأقل من مياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها غير معالجة.
وعلى هذا النحو، تشير البيانات إلى تضرر ما يقدَّر بنحو ثلثي محطات معالجة المياه، ونصف محطات الضخ، وثلث أبراج المياه، وربع محطات معالجة مياه الصرف الصحي، وسدس الآبار. وبهذا السياق، فإن الوضع في مخيمات النازحين داخلياً حرج بشكل خاص، ويتطلب توفير مجموعة كاملة من خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية.
ويشكل نقص الكهرباء السبب الأكبر لتدهور قطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، ما يحد من قدرة الشبكة السورية الحالية على توزيع كميات المياه الموجودة بشكلٍِ فعال، حيث انخفض إنتاج الكهرباء عاماً بعد عام.
عزوف عن العمل وانخفاض الدعم
كما يتأثر قطاع المياه سلباً أيضاً من «هجرة الأدمغة»، حيث ترك 40% من الموظفين عملهم على مدى السنوات العشر الماضية، وذلك بسبب منظومة الأجور الهزيلة في البلاد. وقد أدى ذلك إلى نزيف شديد في الكوادر المؤهلة وترقية الموظفين من الرتب الدنيا إلى وظائف أعلى دون أن يحصلوا على التدريب اللازم بالضرورة.
وفي هذا السياق، انخفض الإنفاق الحكومي على المياه والصرف الصحي بشكل مطرد على مر السنين. حيث تبلغ المخصصات للمنشآت العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، التي تندرج تحت بند الكهرباء والغاز والمياه، 37 مليار ليرة سورية في موازنة عام 2021، ارتفاعاً من 28 مليار ليرة سورية في عام 2020. بيد أن هذا الإنفاق انخفض بالقيمة الحقيقية (مع مراعاة التضخم) بنسبة 56%.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1070