انهيار وول ستريت مع اقتراب الركود العالمي
نيك بيمز نيك بيمز

انهيار وول ستريت مع اقتراب الركود العالمي

كانت وول ستريت تتساقط منذ أن وصلت المؤشرات إلى مستويات قياسية في بداية العام، حيث أثّرت أسعار الفائدة المتزايدة على شركات التكنولوجيا، التي كانت تتغذى على تدفق الأموال المجانية تقريباً من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. لكن الاحتياطي الفيدرالي قرر رفع أسعار الفائدة استجابة إلى أعلى معدل تضخم منذ ٤٠ عاماً، وذلك كي يُضيّق الخناق على مطالب أجور العمال. نتيجة لذلك، انخفض مؤشر نازداك بأكثر من ٢٥٪ هذا العام وسط علامات على أن فقاعة المضاربة تتقلص، مما يزيد من مخاطر حدوث أزمة كبيرة في النظام المالي.

ترجمة: قاسيون

لكنّ يوم ١٧ أيار والبيوع التي شهدها كانت دلالة على أنّ منعطفاً نوعياً جديداً يحدث مع تزايد المخاوف من كبح الركود، فقد انخفض مؤشر داو جونز بأكثر من ١١٠٠ نقطة، فيما يمكن اعتباره أسوأ يوم له منذ عامين، كما انخفض مؤشر اس& ب بنسبة ٤٪، ومؤشر نازداك بنسبة ٤,٧٪.
تراجعت أسهم تارغيت، أحد أكبر متاجر التجزئة في الولايات المتحدة، بنسبة ٢٥٪ بعد أن أعلنت الشركة عن ارتفاع تكاليفها بمقدار مليار دولار، بسبب ارتفاع أسعار الوقود وتكاليف النقل.

خلق الركود بأيّ ثمن

لقد تلقت عوائل الطبقة العاملة صفعة أخرى بانخفاض الإنفاق التقديري، حيث اضطرت أسر الطبقة العاملة إلى تحويل أجزاء متزايدة من أجورهم الحقيقية المتراجعة للإنفاق على الحاجات الأساسية، مثل: الطعام والوقود، وذلك في وجه التضخم الذي ينتشر ويرفع الأسعار بشكل أسرع وأكبر من إعلانات التضخم الرسمي عند معدل ٨,٥٪.
كانت هناك تصريحات كبيرة من قبل رئيس مجلس إدارة البنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول وبقيّة المسؤولين رفيعي المستوى، بأنّه إن كان لازماً سيقوم الاحتياطي الفيدرالي بخلق ركود يشبه أو يفوق مستوى الركود الذي خلقه سلفه بول فولكر في الثمانينيات، والذي أدّى إلى دمار اقتصادي واجتماعي هائلين.
كان باول واضحاً بالقول: إنّه سيمضي برفع أسعار الفائدة لقمع المطالبات المتزايدة بأجور أعلى. قال حرفياً: «استعادة استقرار الأسعار هي حاجة غير قابلة للتفاوض. إنّه شيء علينا القيام به، مع أنّه قد يتسبب ببعض الألم». لم يفعل باول أكثر من التأكيد على من هي الطبقة المهيمنة، وعلى الديناميكية الاجتماعية التي شكّلت ووجهت وحسمت سياسات البنك الاحتياطي الفيدرالي.
إن انهيار النظام المالي في ٢٠٠٨ كان سببه انتشار المضاربات على مدى عقدين سابقين له، والتي غذاها تصميم الاحتياطي الفيدرالي على الإبقاء على أسواق الأسهم بعد انهيارها في تشرين الأول ١٩٨٧، عبر شكل نظام التسهيل الكمي وضخّ ترليونات الدولارات في النظام المالي.
أدّى هذا إلى إعادة توزيع هائلة للثروة لصالح المستويات العليا من المجتمع مع ارتفاع قيمة محافظ الأسهم خاصتهم إلى مستويات قياسية، بينما تعرّضت الطبقة العاملة لتدمير وظيفي كبير، حيث فرضت تخفيضات على الأجور الحقيقية ونفذتها النقابات المتهالكة.
عندما انفجر الوباء في ٢٠٢٠ وتجمدت الأسواق المالية من خوفها بأنّ إجراءات الصحة العامة الضرورية ستؤثر على وول ستريت، قام الاحتياطي الفيدرالي بنثر ٤ تيرليونات دولار على النظام المالي. أنقذت الحكومة الشركات، وتمّ إنشاء آلية الإعادة إلى العمل في تحدٍ لإجراءات السلامة الصحية، وذلك لضمان عدم توقف تدفق الأرباح.
أدّى رفض الحكومات الرأسمالية حول العالم– محتذين بالحكومة الأمريكية– لاتباع إجراءات فعالة على مستوى دولي للقضاء على كوفيد-١٩، وإلى إنتاج أزمة سلاسل التوريد في تصعيد للتضخم، الأمر الذي حفزّه التدفق- غير المنتهِ للأموال- إلى مضاربات وول ستريت.

عودة الاحتجاجات الطبقية

إنّ الصراع الطبقي الذي ساهمت النقابات مع الطبقة المهيمنة في قمعه على مدى عقود، عاد اليوم للصعود على شكل موجات من الإضرابات والمظاهرات الاجتماعية في المركز الغربي وعلى طول العالم.
إنّه الردّ على أنّ الديناميكية الاجتماعية التي خلقت الأزمة هي ذاتها رغم تغيّر شكلها، حيث يتحرك الاحتياطي الفيدرالي والبنوك المركزية في محاولة فرض ركود لتحطيم هذا الحراك. في المملكة المتحدة، حيث وصل التضخم وفقاً للأرقام الرسمية إلى ٩٪، وهو أعلى معدل ضمن الاقتصادات المتقدمة، صرّح حاكم بنك إنكلترا أندرو بايلي أثناء تحذيره من ارتفاع زلزالي في أسعار الغذاء أمام البرلمان البريطاني، بأنّ معدلات الفائدة ستستمرّ بالارتفاع مهما كانت التكاليف: «علينا إعادة التضخم إلى حدوده، وهذا واضح».
قيام الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسات النقدية بدأت تؤثر بالفعل في الاقتصاد العالمي. رفع معدلات الفائدة يؤدي إلى الركود الاقتصادي، بينما يؤدي انخفاض قيمة العملات المحلية مقابل الدولار إلى زيادة أعباء الديون ورفع معدلات التضخم، لا سيما في قطاع الغذاء.
هذا الأسبوع، حذر معهد التمويل الدولي، وهو تجمع عالمي يضم 450 شركة مالية كبرى، من أنّ الاقتصاد العالمي سيكون على شكل مسطّح «بلا نمو» في أفضل الأحوال هذا العام، وذلك مع ارتفاع مخاطر الركود والتشديد غير المنظم للأوضاع المالية.
اليوم، تتعرّض الاقتصادات الأقل تقدماً، والتي كانت تكافح للتخلص من آثار كوفيد-١٩، ومن آثار الحرب الأمريكية بالوكالة ضدّ روسيا- التي تؤثر على الوقود والغذاء- لضربة قاسية. يقود هذا الأمر إلى زعزعة كبيرة للاستقرار الاجتماعي، وإلى الإضرابات والتظاهرات.
الانفجارات الاجتماعية في البلدان الأقل تقدماً ناتجة عن عولمة الرأسمالية في هذه البلدان، ما يعني إذكاء نار المرحلة التالية من الحرب الطبقية التي شنتها النخب المهيمنة في محاولة تحميل الطبقة العاملة تكاليف الأزمة التي صنعوها بأنفسهم.
جميع الاقتصادات الرأسمالية الكبرى في مراحل زعزعة، ولا يقتصر الأمر على الاقتصاد الأمريكي. الاقتصادات الأوروبية راكدة وعلى وشك الانهيار. الاقتصاد الياباني بدوره– وهو ثالث أكبر اقتصاد في العالم– انكمش بمعدّل ١٪ في الربع الأول من هذا العام. الاقتصاد الأمريكي انكمش بمعدل ١,٤٪ في الفترة ذاتها.
ما بين عدم التعامل كما ينبغي مع الوباء وتأثيراته، وشنّ حرب هجينة ضدّ روسيا، وضحّ ترليونات الدولارات من قبل البنوك المركزية حول العالم، اتقدت نار التضخم أثناء خلق فقاعة مضاربة تهدد بالانفجار في أيّة لحظة.
يحاول رأس المال المالي أثناء حركته الوحشية جعل الطبقة العاملة تدفع ثمن هذه الأزمة عبر الأجور المنخفضة باستمرار، وتقليص الخدمات الاجتماعية، والآن عبر خلق ركود له عواقب اجتماعية واقتصادية لا توصف.
إنّ التحرّك من قبل الطبقة العاملة على طول العالم لإحداث تغييرات طبقية ثوريّة، والدفع نحو الاشتراكية، ليس مفهوماً مجرداً ولا فكرة نظرية، بل هي ضرورة موضوعية للوقوف في وجه تحويل البشرية إلى حالة الفوضى البربرية، وتدميرها في نهاية المطاف على يد النظام الرأسمالي الربحي.

بتصرّف عن:
Wall Street plunges as global recession looms

معلومات إضافية

العدد رقم:
1071
آخر تعديل على الإثنين, 23 أيار 2022 13:37