من جديد يتحوّل الحديث عن مغادرة رأس المال الأجنبي للصين إلى هزيمة غربية
في الآونة الأخيرة، نشرت بعض وسائل الإعلام الغربية الكثير من التقارير حول «مغادرة رأس المال الأجنبي للصين» و«تراجع نيّة الشركات الأجنبية للاستثمار في الصين»، وهو ما يشكّل جولة جديدة من الإساءة للاقتصاد الصيني. تُظهر أحدث البيانات الصادرة عن وزارة التجارة الصينية بأنّ الاستخدام الفعلي لرأس المال الأجنبي في الصين قد ارتفع بنسبة ٢٠,٥٪ على أساس سنوي، ليصل إلى ٤٧٨,٦١ مليار يوان في الربع الأول من عام ٢٠٢٢.
ترجمة: قاسيون
يبلغ هذا الرقم ٧٤,٤٧ مليار دولار، بزيادة قدرها ٢٦,١٪ على أساس سنوي. يُعبّر هذا الرقم عن النوايا والخيارات السائدة لأصحاب المشاريع الأجانب، ويُظهر أيضاً أنّ خطاب «مغادرة رأس المال الأجنبي للصين» يهزم نفسه مرّة أخرى. ويجعلنا ننظر إلى الحقيقة الواضحة بأنّ الغرب غير قادر على النجاة في ساحة الاقتصاد الحالي دون الصين.
في الأعوام الأخيرة، كلما كانت هناك تقلبات اقتصادية قصيرة الأجل أو أخبار سلبية، يُصبح الحديث عم مغادرة رأس المال الأجنبي للصين مبالغاً فيه. في كلّ مرة تجد بعض المؤسسات أو المحللين جاهزين لطرح سيناريوهات غير حقيقية بوصفهم «خبراء»، كالقول: إنّ التحوّل الاقتصادي الصيني أدّى إلى «فشل التصنيع»، أو أنّ الصين لا تستطيع احتمال الحرب التجارية التي شنتها الولايات المتحدة. بل وصلت الشائعات إلى حدّ القول عدّة مرّات: إنّ نصف رأس المال الأجنبي قد غادر الصين بالفعل. لكنّ هذه الأخبار يفوتها أن تتبع تسجيل الاستثمار الأجنبي في الصين لأرقام قياسية مراراً وتكراراً.
تجدر الإشارة بشكل خاص إلى أنّ الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعة التكنولوجيا الفائقة في الصين قد سجّل زيادة حادة على أساس سنوي بنسبة ٤٥,٦٪ في الأشهر الأربعة الأولى من العام. ارتفعت الاستثمارات من كوريا الجنوبية بنسبة ٧٦,٣٪، بينما ارتفعت الاستثمارات من الولايات المتحدة بنسبة ٥٣,٢٪ ومن ألمانيا بنسبة ٨٠,٤٪. توضّح هذه الأرقام الصورة العامة الحالية للتبادلات الاقتصادية بين الصين والعالم. في الواقع لا تزال الصين هي ثاني أكبر متلقٍ للاستثمار الأجنبي المباشر في العالم لمدّة أربع سنوات ما بين ٢٠١٧ و٢٠٢٠. توسّع الاستثمار الأجنبي المباشر في البر الرئيسي الصيني بنسبة ١٤,٩٪ على أساس سنوي، ليصل مستوى قياسي بلغ ١,١٥ ترليون يوان في عام ٢٠٢١ (١٦٩ مليار دولار)، وذلك بالرغم من تباطؤ الانتعاش الاقتصادي العالمي. علاوة على ذلك، دخل الكثير من رأس المال الأجنبي إلى الصين على الرغم من الضغوط السياسية من واشنطن، الذي وصل حدّ التهديد بفرض عقوبات عليه. تبدو هذه الأرقام معبرةً عن الثقة في الاقتصاد الصيني وأكثر إقناعاً من التقارير المسيسة لوسائل الإعلام الغربية.
السوق الصينية مفتوحة، ومن الطبيعي أن يدخل رأس المال الأجنبي ويغادر. بالنسبة لصناعة القرار التجارية، شكّل الوباء رغم كلّ ما أحاط به عاملاً قصير المدى، بينما يتطلب فتح أسواق جديدة ترتيبات متوسطة وطويلة المدى تعتمد على اعتبارات حكيمة. في السنوات الماضية، غادرت بعض الشركات الصين بسبب عوامل، مثل: ارتفاع تكاليف العمالة، وقررت بعد ذلك العودة إلى الصين. حتّى أثناء تفاقم الوباء، قررت بعض الشركات الأجنبية زيادة استثماراتها في الصين. على سبيل المثال: أعلنت مؤخراً لوريال- أكبر مجموعة مستحضرات تجميل في العالم- عن قرارها بتأسيس أول شركة استثمارية لها في الصين في شنغهاي. تخطط الشركة لزيادة الاستثمار وتوسيع قاعدة إنتاجها الموجودة بالفعل في ووكسي في إقليم جيانغسو شرقي الصين. افتتحت شركة بي. ام. دبليو بريليانس بدورها مؤخراً مصنع دادونغ التكميلي لمنشأتها الموجودة في شينيانغ في مقاطعة لياونينغ شمال شرق الصين.
العامل الأهم والحقيقي لرأس المال الأجنبي
باختصار، العامل الأكثر أهميّة في تحديد ما إذا كان الاستثمار الأجنبي يمكن أن يستمر أو يجب أن يغادر، هو عوائد الاستثمار، وكذلك بيئة الأعمال. كانت عوائد الاستثمار الأجنبي في الصين كبيرة جداً، سواء كان ذلك في سياق التنمية خلال أكثر من أربعة عقود من الإصلاح والانفتاح، أو في العامين الماضيين منذ ظهور الوباء.
اجتذب استقرار الصين وقوتها ثقة الاستثمار الأجنبي. ستظلّ الأسس الاقتصادية للبلاد سليمة على المدى الطويل، ولن يتغير عزمها على الانفتاح على نطاق أوسع بمستوى مرتفع. إلى جانب ذلك، تتمتع الصين اليوم بسوق ضخم ودعم كامل للسلسلة الصناعية، وببنية تحتية متطورة، وموارد بشرية وفيرة ومؤهلة. هذه المزايا الشاملة التي لا يمكن تعويضها هي الحافز العميق للمستثمرين الأجانب الذي يدفعهم للمضي إلى الصين.
غنيّ عن القول، نظراً لبعض العوامل غير المؤكدة وغير المستقرة، بما في ذلك الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا، والوضع الوبائي في الصين، فضلاً عن اختناقات سلاسل التوريد، فمن المؤكد أنّ بعض الشركات ذات الاستثمار تواجه صعوبات وتحديات مؤقتة. ومع ذلك، ينبغي ملاحظة أنّ الحكومة الصينية والشركات الأجنبية تشتركان في المصالح والاتجاهات ذاتها في ضمان أمن سلاسل التوريد، واستئناف الإنتاج في أقرب وقت ممكن. تعمل الحكومة الصينية على تسريع تطبيق سلسلة من السياسات لتحقيق الاستقرار في التجارة الخارجية والاستثمار. وعدت وزارة التجارة الصينية مؤخراً بأنّها ستقوم في المرحلة التالية بالعمل على زيادة الاستفادة من دور فرقة العمل الخاصة بالمشاريع الرئيسة ذات الاستثمار الأجنبي، ومعالجة الصعوبات والمشاكل الخاصة التي واجهتها مؤسسات الاستثمار الأجنبي من خلال التنسيق، ومساعدتها على حلّ مشاكل إعادة الإنتاج، وإدارة شؤون الموظفين. تحافظ الصين دائماً على حسن النية تجاه الاستثمار الأجنبي، ولطالما تعاملت مع المؤسسات المالية الأجنبية بوصفها لاعباً مهماً في السوق الصينية، الأمر الذي ضمن انتقال الصين من مرحلة ورشة العالم إلى الشريك الاقتصادي الأساسي في العالم.
منذ وقت ليس ببعيد، أصدر المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية تقريراً، أظهر أنّ أكثر من ٥٠٪ من الشركات الأجنبية التي شملها الاستطلاع ما زالت تعتبر الصين أكبر هدف استثماري في العالم. في الفترة من كانون الثاني إلى نيسان من هذا العام، شهدت الصين ١٨٥ مشروعاً رئيسياً مضافاً حديثاً، لكلّ منها استثمارات أجنبية تزيد عن ١٠٠ مليون دولار، مما يعني إطلاق ١,٥ مشروع كبير مموّل أجنبياً كلّ يوم.
ليس على الصين أن تخشى الوباء وأن تتركه يعمي الناس عن الحقيقة، بدلاً من ذلك يجب أن يتم النظر إلى الأبعد، حيث يستمرّ التاريخ بإثبات أنّ التنمية في الصين ستؤتي ثمارها جيداً. المراهنة على الصين، هي في الحقيقة المراهنة على المستقبل.
بتصرّف عن:
Rhetoric of “foreign capital leaving China” is once again self-defeating: Global Times editorial
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1070