مع رد الاعتبار للصناعة عالمياً: كيف صفّت سورية صناعاتها التحويلية؟
مع كل يومٍ يمضي، ومع كل تعقّدٍ إضافي وضربات يتلقاها الاقتصاد العالمي، تتضحّ أكثر فأكثر حقيقة أن وحدها الدول التي حافظت وطوّرت منظومات الإنتاج لديها- وتحديداً منه الإنتاج الحقيقي من صناعة وزراعة وغيرها- هي القادرة على الصمود وضمان ظروف معيشة شعوبها بشكلٍ جديّ بعيداً عن الاستهلاك المبتذل لشعارات الصمود.
بطبيعة الحال، سورية ليست استثناءً من هذه المعادلة. وإلقاء نظرة سريعة على واقع الصناعة فيها، وبشكلٍ خاص الصناعة التحويلية، منذ ما قبل سنوات الأزمة وخلالها كفيل بتسليط الضوء على واحد من أهم الأسباب العميقة لتردي الأوضاع المعيشية للسوريين بشكلٍ يجعل من البلاد واحدة من أكثر دول العالم هشاشة وضعفاً في مواجهة تبعات أزمة الاقتصاد العالمي المشتدة يومياً.
الإنفاق على الصناعات التحويلية: 4.9% فقط
كان للصناعات التحويلية (أي الصناعات التي ينطوي نشاطها على تحويل المواد الأولية إلى منتجات نهائية أو منتجات وسيطة) مساهمة جيّدة في الناتج المحلي الإجمالي في البلاد خلال سنوات ما قبل الأزمة، إلى حدّ وصلت فيه هذه المساهمة إلى نسبٍ تراوحت بين 5,6 و6,7% من هذا الناتج بين أعوام 2007 و2010، أي حوالي 18% من الناتج الصناعي السوري الذي تغلب عليه الصناعات الاستخراجية (النفط والغاز...).
وبهذا المعنى، فإن أية رغبة في تطوير الصناعة التحويلية كانت مرهونة بمزيد من الإنفاق الحكومي لدفعها نحو الأمام، ولا سيما في ظروف الأزمة التي مرّت بها البلاد حيث كان يجب التفكير بدعم الصناعة والإنتاج من أجل تخفيف فاتورة الاستيراد ولا سيما استيراد المنتجات النهائية.
لكن - كما معظم جوانب النشاط الاقتصادي في البلاد- شهد الإنفاق الحكومي (التقديري) على قطاع الصناعات التحويلية تراجعاً ضخماً، فرغم أن مسيرة هذا الإنفاق كانت تنخفض و»ترتفع» بالليرة السورية عبر السنوات، إلا أن المسيرة الفعلية له كانت التراجع المؤكد إذا قدرناه بالدولار الأمريكي، حيث انخفض الإنفاق التقديري على قطاع الصناعة التحويلية في الموازنة العامة للدولة من حوالي 543 مليون دولار في عام 2003 إلى ما يقارب 105 مليون دولار في عام 2012، ليعود ويشهد انخفاضاً هائلاً في عام 2021، حيث لم يتجاوز 27 مليون دولار.
بكلامٍ آخر، فإن مجموع الإنفاق التقديري للحكومة (الذي لا تنفق منه - فعلياً- سوى نسبة ضئيلة) في عام 2021 لا يعادل سوى 4.9% من الإنفاق التقديري المعلن عنه في عام 2003.
خسرت سورية أكثر من 44% من عمال القطاع
واحدة من النتائج الطبيعية للإهمال الحكومي في دعم قطاع الصناعة التحويلية هو النزف العميق الذي طرأ على الكوادر العاملة في هذا القطاع، فبدلاً من دفع القطاع ليكون عصباً أساسياً في استقطاب الكفاءات السورية الجديدة المُعطَّلة عن العمل، خسرت الصناعة التحويلية السورية التابعة للقطاع العام ما يفوق 44% من العاملين فيها خلال عشرين عاماً، أي أن هذه الخسارة ليست وليدة انفجار الأزمة في عام 2011 فحسب، بل سابقة لها.
وانخفض عدد العاملين في قطاع الصناعة التحويلية العامة من 107 آلاف عامل في عام 2000 إلى 94 ألف عامل في عام 2010، تلا ذلك انخفاض كبير في عام 2019 حيث هبط العدد 59 ألف عامل فقط.
خسائر بالجملة.. وبيانات متخلفة
بناءً على العوامل سابقة الذكر، كان من المنطقي أن تشهد الصناعة التحويلية التابعة للقطاع العام انهيارات متسارعة في شتى مجالات هذه الصناعة، مثل السكر الذي انخفض إنتاج القطاع العام منه من 109 ألف طن في عام 2000 إلى 13 طن فقط في عام 2019، والزيت النباتي الذي هبط إنتاجه من 45 ألف طن إلى أقل من 900 طن، وكذلك السمن والزبدة التي تراجع إنتاج القطاع العام منها من 975 طن إلى 100 طن فقط. وعلى النحو ذاته، لا يشكل إنتاج الدهانات في عام 2019 سوى 33% من إنتاج عام 2000. كما انحدر مقدار إنتاج البرادات من 30 ألف برّاد في عام 2000 إلى 700 براد فقط، وكذلك الحال بالنسبة لأجهزة التلفزيون التي هبطت أرقامها من حوالي 170 ألف تلفاز إلى أقل من 3 آلاف تلفاز فقط.
ووصل التراجع إلى حدٍّ طويت به صفحة العديد من الصناعات العامة، مثل السيراميك الذي كان ينتج القطاع العام السوري 1150 متر مربع منه عام 2000 وصولاً إلى 0 متر مربع في عام 2019، وكذلك القضبان الحديدية التي أنتج القطاع العام حوالي 60 طن منها في عام 2000 وصولاً إلى 0 أيضاً في عام 2019.
والجدير بالذكر أن معظم هذه الأرقام تقف عند حدود عام 2019، وهو آخر ما تم نشره في المجموعات الإحصائية المنشورة في المكتب المركزي للإحصاء، علماً أن واقع الحال يؤكد أن سلسلة التراجع ليس لم تتوقف فحسب، بل شهدت خلال عامي 2020 و2021 تراجعات غير مسبوقة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1069