درس سوري في الانفصال عن الواقع: تجاهل الانهيار الاقتصادي

درس سوري في الانفصال عن الواقع: تجاهل الانهيار الاقتصادي

ما الواقع الذي تتخيله عندما تكون السلطات التنفيذية في بلد ما تتحدث عن عناوين، مثل: الطاقة البديلة، أتمتة الخدمات، اجتذاب الاستثمار؟! عناوين مثل هذه يمكن أن تكون مهام فرعية في أجندة إقليم أو حكم محلي ضمن بلاد مستقرة... ولكنها، وللعجب! عناوين أساسية في سورية 2021: العام الذي يشهد الانهيار الاقتصادي- الاجتماعي الأكثر حدّة ضمن السنوات العشر لأكبر كارثة إنسانية بعد الحرب العالمية الثانية!

في الأسبوع الذي مضى، أغلق أهل قرية سورية الطرق من أجل أن يحصلوا على حصتهم الكافية من الخبز المدعوم، التي يحرمهم منها قرار (توطين الخبز)! وأكدت الجهات المُصدرة لهذه القرارات أنها مصرّة ومستمرة بهذا الاتجاه، باعتباره (ضمن أتمتة الخدمات وأداة لإعادة توزيع الدعم لمستحقيه)، والنتيجة الواقعية لسياسة (توزيع الدعم) أن بلداً فيه قرابة 12 مليون بين فكّي الجوع يتم تقليص عدد أرغفة الخبز المدعوم بمقدار الثلثين للفرد وبقرار واحد، وأكثر من ذلك، فإن الحصول على هذه الكمية المقننة أصبح مشروطاً بالتواجد في مكان وزمان معين، فإذا غيّرته ستفقد حصتك اليومية!

وفي الأسبوع ذاته أيضاً، أعلنت جمعية المهن المرتبطة بالأجبان والألبان في دمشق أن وضع الكهرباء والوقود الحالي سيؤدي إلى خسارة نسبة 80% من الإنتاج، وتحميل هذه الخسارة على أسعار الـ 20% الباقية، وهذا مجرد مثال على التدهور الإنتاجي المرتبط بانهيار منظومة الطاقة! ووسط هذا يتم الحديث عن قرارات تمويل الطاقة البديلة، وعن شروط استيرادها، بينما يعلم القاصي والداني أن الطاقة الكهروضوئية بمستويات التوليد الفردي ضعيفة الجدوى مالياً، إذ يمكن أن تغطي للمنشأة الحرفية حاجات الإنارة فقط، بتكلفة تقارب كلفة تأمين كل حاجات الاستهلاك الكهربائي الحرفي بفواتير الطاقة الحالية. عموماً، من الغريب أن يتم الحديث عن رفد الطاقة البديلة للمنظومة الكهربائية، وسط تجاهل (التداعي في المنظومة الكهربائية دون وقود).
أبعد من ذلك، يقف العالم كله ليقول بإن سورية أكبر كارثة إنسانية، ومقسمة تقسيم أمر واقع، ونقطة صراع دولي تدخل فيها خمسة جيوش إقليمية ودولية، وتخضع للعقوبات، وهي أقل مكان في العالم أمناً واستقراراً، وتشهد أعلى معدلات نزوح حتى اليوم، وأقل معدلات دخل واستهلاك... ووسط هذا كله، يتم الحديث عن جذب الاستثمار وقوانين للمستثمرين! بينما الوقائع تقول: إن شركات كبرى وذات حصة سوقية احتكارية كـ mtn تغادر السوق السورية: (لأن العمل أصبح غير محتمل)، وحتى العقود الاستثمارية مع شركات خاصة روسية وإيرانية مجمّدة ولم تدخل قيد التنفيذ رغم المزايا الاستثنائية المعطاة بنسبة 70% من الإيرادات، وأكثر من ذلك فإن موجة هجرة جديدة تظهر لدى قطاع الأعمال والمستثمرين المحليين، وأخيراً، حتى المستثمرين من أمراء الحرب الذين يبيضون أموالهم في استثمارات عقارية كبرى فإنهم يجمّدون أعمالهم ويبطؤونها، كما يظهر في فنادق دمشق الفارهة وتنظيماتها السكنية الموعودة ومشاريعها الكبرى. وسط كل هذا، أية واقعية عن جذب المستثمرين كعنوان في سياسة هذه المرحلة؟!
واقعياً، تحتاج سورية إلى خطة إنقاذ لوقف الانهيار الاقتصادي الاجتماعي، وتحديداً إلى إجراءات استثنائية لتأمين زيادة في إنتاج الطاقة والغذاء... عنوانان أساسيان: بثّ الطاقة للإنتاج، ومحاربة الجوع، لتأمين الحدود الدنيا لاستمرار الحياة الاقتصادية- الاجتماعية. في سورية اليوم يجب أن تتولد الكهرباء وتصل الطاقة إلى المحطات الجاهزة لتأمين الطاقة اللازمة، ويجب أن تؤمن منظومة الزراعة والتصنيع والتجارة المحلية سلة غذاء ضرورية للجميع مخفّضة السعر. فلماذا لا تظهر هذه العناوين في خطب وخطط المتنفذين؟ لأن هذا يتطلب تعبئة موارد متمركزة لدى الفساد، ويتطلب منع ابتلاعها مجدداً عبر الفساد، وكلاهما الهدف السياسي الأوّل والأهم اليوم لتبقى سورية موجودة، ولكن، لا قدرة ولا إرادة لتحقيق مثل هذه الأهداف في البنية الحالية... ويجري بيع الوهم وكسب الوقت لا أكثر.

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1031
آخر تعديل على الإثنين, 30 آب/أغسطس 2021 23:03