عودة 3 ملايين نازح سوري إلى مناطق استقرارهم و7 مليون لا يزالون ينتظرون
أكثر من 6,4 ملايين إجمالي تعداد النازحين السوريين داخل البلاد... ولكنّ إجمالي حركة النزوح أعلى من هذا المستوى بكثير، فالعديد والعديد من النازحين السوريين اضطروا للانتقال من منطقة إلى أخرى لمرات متتالية. حيث تشير منظمة OCHA التابعة للأمم المتحدة، بأن مجمل حركة النزوح بين عامي 2016 وحتى شهر 9-2020 فاق 10 ملايين نازح.
بالمقابل، فإنه خلال الأعوام من 2017 وحتى شهر 9-2020 فإن عدد النازحين العائدين إلى مناطقهم الأصلية قد بلغ 3 ملايين ممن عادوا عودة طواعية... لتكون الحصيلة بأنه لا يزال داخل سورية رقم يقارب 6,4- 7 ملايين نازح داخل البلاد ما زالوا غير قادرين على العودة إلى أماكن استقرارهم وسكنهم الأصلية.
أكثر من ثلث هؤلاء ما زالوا نازحين في مناطق إدلب والريف الشمالي الغربي لحلب، بينما قرابة 500 ألف منهم في الجزيرة السورية، أما الباقي وأكثر من 3.5 ملايين موزعون على المحافظات السورية الأخرى المختلفة...
بعض تفاصيل أرقام النزوح والعودة تعطي مؤشرات حول الواقع السكاني والمعيشي في أرجاء البلاد، نستطلع أهم نتائجها من تقرير منظمة OCHA لحركة النازحين بتاريخ 9-2020، وبالمقارنة مع إحصاء حركة السكان الصادرة عن المكتب المركزي بالتعاون مع الأمم المتحدة حتى عام 2014.
إدلب
إدلب وحلب أكثر المحافظات السورية التي شهدت ولا تزال تشهد حركة نزوح متدفقة إلى المحافظتين.
فبينما كان عدد النازحين إلى إدلب في عام 2014 يقارب 400 ألف، ومعظمهم من إدلب ذاتها، فإن حركة النزوح خلال السنوات الخمس الأخيرة قد بلغت 3,9 ملايين نازح إلى إدلب، وضمنها، وهو أعلى رقم نزوح خلال هذه الفترة على مستوى البلاد.
والمحافظة التي كانت تضم قرابة 1,5 مليون نسمة تضم اليوم أكثر من ضعف سكانها الأصليين، حيث تغيرت المعالم الديمغرافية للمحافظة بالكامل، والوضع التنموي والمعيشي للملايين المتكدسة في مساحة محدودة هو وضع متدهور، مع ما ينجم عن هذا من مشاكل كبرى في كل ما يتعلق بالأساسيات: تأمين الغذاء، الإسكان، البنى التحتية للمياه والكهرباء والصحة والطبابة والتعليم وغيرها... والسكان المتكدسون في المساحة الصغيرة يضطرون عملياً للعيش على «حسنات» المال الدولي للإغاثة إلى المنطقة، ويضطرون عملياً للارتباط بالحالة «المليشياوية» الموجودة في المنطقة...
في المقابل، تشير بيانات العودة إلى أن عدد سكان إدلب العائدين إلى مناطقهم الأصلية يقارب 460 ألفاً، وهي نسبة 30% من عدد سكان المحافظة الأصليين، ونسبة 100% من مجمل سكان إدلب النازحين حتى عام 2014! ولكن لا تتضح في إدلب الفوارق في حركة النازحين لاحقاً، بين نزوح السكان المحليين، ونزوح السكان النازحين إليها. ولكن عموماً تعطي هذه النسبة مؤشراً على أن سكان ريف المدينة الأساسيين لديهم وضع أفضل نسبياً بالمقارنة إلى الملايين الموجودة في إدلب من أهلها ومن المحافظات السورية الأخرى.
حلب
حلب هي أقل المحافظات السورية استقراراً، والتي تشهد مستوى نزوح مرتفع مستمر منذ بداية الأزمة وحتى 2020، رغم اختلاف المناطق التي يتركز فيها النزوح. فحتى عام 2014 كان قد نزح من حلب أكثر من 1,5 مليون شخص، مليون منهم بقوا في حلب ذاتها، بينما في الأعوام الخمسة الماضية، استمرت حركة النزوح إلى المحافظة لتبلغ 3 ملايين حركة نزوح إضافية، معظمها أيضاً داخل المحافظة أو من إدلب... مع التوتر والمعارك في الريف الشمالي والغربي لحلب المستمر حتى اليوم.
فالمحافظة التي كانت تضم قرابة 4 ملايين اضطر ما يقارب 3 ملايين من سكانها لأن يغيروا مكان سكنهم الأصلي مرّة على الأقل، وقد طالت حلب تغيرات سكانية كبرى لم يتم تقدير آثارها الجدية حتى الآن. ولكنها تتجلى في الضغط السكاني مقابل تداعي البنى التحتية والدمار الكبير الذي طالها، وهو ما يظهر في خدمات الكهرباء والمياه والصحة التي تعتبر بحدودها الدنيا في حلب، وتحتاج إلى أعلى مستوى إغاثة في سورية. كما تتجلى أيضاً في أن المساحات الزراعية المتروكة في حلب، فهي لا تزال واسعة نسبياً، ما يشير إلى استمرار النزوح الواسع لأهالي ريف المدينة الواسع.
أبرز ما يدل على مستوى عدم الاستقرار في حلب، هو معدل عودة النازحين منذ 2017 فرغم عودة 817 ألف نازح إلى مناطق استقرارهم الأصلية، إلا أن هؤلاء يشكّلون نسبة 20% من سكان حلب الأصليين في عام 2010، ونسبة 50% من النازحين من المحافظة حتى عام 2014.
دمشق وريف دمشق وحمص أسوأ المؤشرات
المؤشرات ذاتها تشير إلى سوء الوضع في دمشق وريفها وفي حمص، التجمعات السكانية الأكبر في سورية قبل الأزمة إضافة إلى حلب.
المراكز الثلاثة شهدت أعلى معدلات النزوح خلال السنوات الأربع الأولى من الأزمة، ورغم تباطؤ حركة النزوح بعد عام 2016، إلا أن حركة العودة للنازحين أيضاً في معدلات قليلة جداً. بما يشير إلى صعوبة العودة والاستقرار في المناطق التي توقف فيها النزاع في دمشق وريفها وفي حمص أيضاً.
محافظة ريف دمشق التي كانت تضم قرابة 3 ملايين نسمة في عام 2010 نزح منهم 1,2 مليون حتى عام 2014، 800 ألف منهم بقوا في المحافظة ذاتها، و250 ألف نزحوا إلى دمشق. بينما استمرت حركة النزوح بمعدلات أقل في السنوات الخمس الأخيرة لينزح 380 ألف شخص مجدداً.
والمؤشر الأسوأ هو مؤشر العودة، فمنذ عام 2017 عاد إلى ريف دمشق 233 ألفاً من نازحيه إلى مناطقهم الأصلية، وهي نسبة أقل من 7% من سكان المحافظة نفسها، ونسبة لا تصل إلى 20% من النازحين حتى عام 2014.
في دمشق التي نزح من أحيائها المدمرة أكثر من 480 ألف حتى عام 2014، استمرت حركة النزوح بمعدل قليل في السنوات الخمس الأخيرة، وقرابة 82 ألفاً. ولكن بالمقابل، لم يتجاوز عدد سكان دمشق العائدين إلى مناطقهم الأصلية منذ عام 2017: 21 ألف سوري. وهي نسبة قليلة جداً من مجمل عدد سكان دمشق في 2010: 1%، ونسبة لا تتجاوز 4% من مجمل النازحين حتى عام 2014! فالأحياء المدمرة لم يتم إعادة تأهيل أي منها تقريباً.
في حمص، التي نزح منها حتى عام 2014: 420 ألفاً، نصفهم تقريباً بقي في المحافظة... تباطأت نسبياً حركة النزوح خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وسجلت حركة نزوح قاربت 108 ألف مواطن. ولكن حركة العودة قليلة أيضاً، إذ عاد إلى حمص منذ عام 2017: 96 ألف نازح إلى مناطق سكنهم الأصلية في المدينة وريفها، وهي نسبة أقل من 5% من سكان حمص قبل الأزمة، ونسبة 22% من نازحيها حتى عام 2014. في وضع أفضل نسبياً من دمشق وريفها ولكنه أسوأ من معدل عودة النازحين في حلب وإدلب.
في حماه التي نزح منها حتى عام 2014 ما يقارب 257 ألف مواطن، استمرت فيها حركة النزوح نسبياً منذ 2016 وبلغت: 272 ألفاً إضافية. أما حركة العودة فقد بلغت منذ عام 2017: 200 ألف نازح عادوا إلى مناطق سكنهم الأصلية، وهي نسبة تقارب 23% من سكان المحافظة في عام 2010، ولكنها تقارب 37% من مجمل حركة النزوح. الوضع في حماه أفضل من مراكز المدن السورية الأساسية، والأمر يرتبط بحجم الدمار الأقل في مركز المدينة، وبعودة جزئية إلى الريف الشمالي والشمالي الغربي للمحافظة، والتي يمكن تسريعها أيضاً بتنظيف الأراضي من الألغام وإتاحة وصول الأهالي إليها.
الريف قادر على استعادة سكانه بمعدل أسرع نسبياً
الأرقام الملفتة تسجّل في درعا، فالمحافظة التي نزح منها 330 ألف حتى عام 2014 بقوا بمجملهم تقريباً في محافظتهم منتقلين من مكان إلى آخر... وعلى العكس من باقي المحافظات، فإن حركة النزوح استمرت في درعا في الأعوام الخمسة الأخيرة وقاربت 480 ألف نازح، معظمهم من درعا ونزحوا داخل محافظتهم ذاتها.
ولكن الملفت هو معدلات عودة السكان النازحين إلى مناطقهم الأصلية، والذي فاق 560 ألف مواطن منذ 2017. وهؤلاء يشكّلون نسبة تفوق 50% من سكان درعا قبل الأزمة، بينما تفوق أعدادهم أعداد النازحين المسجّلين حتى عام 2014، ونسبة تقارب 80% من مجمل حركة النزوح خلال كل سنوات الأزمة.
ما يشير إلى استقرار نسبي في الأوضاع في درعا، وقدرة الموارد والظروف المعيشية وعموم الظروف الأمنية على تحفيز عودة جزء هام من أهالي المحافظة، وتحديداً في الأرياف، وهو يفسر استعادة المساحات الزراعية في درعا بمعدل سريع أيضاً فاق في بعض المحاصيل مستويات ما قبل الأزمة... وجملة من العوامل ساعدت على هذا الاستقرار، منها: طبيعة المحافظة الزراعية والحدودية، وقربها من الأسواق الكبيرة في دمشق، وطبيعة التسوية فيها، التي جرت بأقل مستوى ممكن من المعارك، كل هذا سمح عملياً بوضع استقرار أفضل في درعا قياساً بغيرها من الأرياف المتضررة في سورية.
في دير الزور تتركز العودة في الريف أيضاً، فالمحافظة التي تزح منها 263 ألف حتى عام 2014، استمر معدل النزوح فيها بوتيرة أعلى خلال السنوات الخمس الماضية مع تفشي ظاهرة «داعش» حيث شهدت حركة نزوح إضافية بما يقارب 386 ألف. وفي المقابل، قاربت معدلات العودة إلى المحافظة 272 ألف نازح عادوا إلى أماكن سكنهم الأصلية، وهي نسبة تفوق ربع السكان قبل الأزمة تقريباً، وتعادل ما يقارب 40% من مجمل حركة النزوح خلال سنوات الأزمة. وهو معدل جيد نسبياً حيث معدل عودة النازحين أقل من المسجل في حلب وإدلب ودرعا، ولكنه أفضل من المعدل في دمشق وريفها وفي حمص. فاستمرار الاضطراب النسبي في الأوضاع الأمنية في أرياف المحافظة، وخاصة في مناطقها الحدودية مع العراق، إضافة إلى طبيعة النشاط الرعوي المعتمد على البادية، التي لا تزال منطقة عسكرية إلى حد بعيد، جعل من الصعوبة إعادة الاستقرار سريعاً إلى ريف دير الزور قياساً بأرياف أخرى.
الرقة، لم ينزح منها حتى عام 2014 إلا 100 ألف نازح تقريباً، ولكن منذ عام 2016 شهدت حركة نزوح قاربت 640 ألف، أما معدلات العودة منذ 2017 قاربت 240 ألف تقريباً من سكان المحافظة عادوا إلى مناطقهم الأصلية. وهؤلاء يشكلون ربع سكان المحافظة قبل الأزمة تقريباً، ونسبة 32% من حركة النزوح الإجمالية خلال سنوات الأزمة. والوضع في الرقة نسبياً أسوأ من دير الزور نتيجة حجم الدمار الذي طال المحافظة، وعدم استقرار وضعها الحالي بشكل كامل، حيث تتوزع مناطقها قوى نفوذ مختلفة، بعد أن شهدت معدل نزوح مرتفع قارب 70% من سكانها الأصليين، وهي نسبة مرتفعة جداً، حيث ترك معظم سكان المحافظة قراهم وأراضيهم واستقروا في مناطق أخرى، ولا تبدو أوضاع العودة مستقرة حتى اليوم، وتحديداً مع كون الإنتاج الزراعي في الرقة مروياً بجزئه الغالب، وطالت شبكات ريّه ومعدات زراعته خسائر كبيرة ليس من السهل استعادتها.
الحسكة، التي لم تشهد معدلات نزوح هامة قبل عام 2014 ومعدل أقل من 78 ألفاً، شهدت بالمقابل خلال السنوات الخمس الأخيرة حركة نزوح قاربت 540 ألف معظمهم ضمن مناطق المحافظة مع التوترات الأمنية في الأعوام الأخيرة في المنطقة ولكن هذه الأعداد قد تضم النازحين الوافدين إلى الحسكة في عامي 2016-2017 مع اشتداد المعارك ضد داعش في أرياف المنطقة الشرقية بكاملها. ولكن في المقابل معدل عودة النازحين إلى مناطقهم الأصلية كان منخفضاً، ولم يتجاوز 92 ألفاً من أهالي الحسكة عادوا إلى قراهم وأماكنهم الأصلية. وهي نسبة منخفضة قياساً بعدد السكان في المحافظة قبل الأزمة، لا تتجاوز 7%، ونسبة قليلة أيضاً 15% من مجمل حركة النزوح في المحافظة، وجزء هام منهم من المناطق التي كان يسيطر عليها تنظيم «داعش» مثل: منطقة الشدادي، ومن المناطق التي احتلتها تركيا في 2019.
خلاصة
يمكن أن نجمل من استطلاع البيانات الملاحظات التالية عن واقع النزوح وعودة النازحين داخل سورية خلال الفترة بين 2016 وحتى شهر 9-2020:
بلغت حركة النزوح في سورية 10 ملايين في السنوات الخمس الماضية، 70% منها في إدلب وحلب، وسكان المحافظتين تعرضوا لموجات نزوح متتالية لم تتوقف منذ بداية الأزمة.
عدد السكان النازحين والعائدين إلى مناطقهم الأساسية منذ عام 2017 بلغ: 3 مليون عودة طوعية.
سجّلت حلب 817 ألف عودة طوعية للنازحين، وهي نسبة 50% من نازحي حلب حتى عام 2014 معظمهم عاد إلى الريف ويشكلون 20% من سكان حلب قبل الأزمة.
دمشق سجلت أقل معدل لعودة النازحين: 4% فقط من النازحين حتى عام 2014 عادوا إلى مناطقهم رغم توقف النزوح تقريباً بعد 2016.
عاد إلى ريف دمشق وحمص نسبة تقارب خمس عدد النازحين حتى 2014.
سجلت درعا عودة أكثر من 70% من مجمل نازحيها خلال سنوات الأزمة، وهو أعلى معدل عودة أمنته جملة ظروف سياسية واقتصادية ترتبط بطبيعة النشاط الزراعي للمحافظة.
عاد إلى دير الزور نسبة 40% من مجمل حركة النزوح المسجلة في المحافظة خلال سنوات الأزمة.
الظروف الأمنية وإمكانية استعادة الاستقرار الريفي والدخل الزراعي بمعدل سريع تبدو عاملاً حاسماً في عودة النازحين إلى مناطقهم، وهو ما يشهد ضعفاً شديداً في مناطق ريفية هامة في ريف دمشق، وفي شمال حماة، وفي جنوب غرب الرقة، وفي جنوب حلب، وجميعها يمكن أن يسمح التأهيل الزراعي بإعادة موجة هامة من النازحين إليها.
الحسكة، سجلت معدلات عودة نازحين منخفضة أقل من 15% من مجمل النازحين، وهو معدل منخفض بالقياس بالمحافظات ذات الكثافة الريفية.
لا يزال حتى اليوم 6,4- 7 ملايين نازح يتوزعون داخل البلاد، وهؤلاء هم أضعف الفئات الاجتماعية وأقلهم استقراراً، يمكن للحكومة أن تصل مباشرة إلى أكثر من 3,5 ملايين منهم في المناطق التي تديرها بشكل كامل.
إن إعادة النازحين إلى مناطق استقرارهم ضرورة تحديداً في المناطق الريفية حيث تُترك الأراضي الزراعية، ولا يستطيع أهلها الوصول إلى استثمارها.
المشكلة الأبرز تبدو في دمشق، حيث لم يعد من النازحين إلا 4% بينما لا يزال مئات الآلاف في حالة بحث دائم عن دخل يؤمن المأوى.
ريف دمشق أيضاً يوضح مستوى عدم الاهتمام بعودة النازحين، حيث لم يعد إليه إلا 230 ألفاً من أصل أكثر من 1200 ألف نازح حتى 2014، رغم غنى هذا الريف بالموارد وسهولة استثماره، ما يشير إلى الحاجة إلى تعزيز العوامل الأمنية والسياسية والاقتصادية والبنى التحتية لتشكيل حافز لعودة نازحي الغوطة الشرقية والزبداني وداريا وغيرها إلى مناطق استقرارهم.
هامش
*البيانات من تقريرIDPs- 9-2020: UNOCHA SYRIA
ومن مسح حالة السكان لعام 2014 المكتب المركزي للإحصاء.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 994