شركة «إعمار» العقارية تضع يدها على المدن الصناعية

ها هي شركات الاستثمار العقاري تبحث عن صيد ثمين آخر، وعن منافذ ربح سريعة وجديدة، وها هي الحكومة السورية من جهتها مرة أخرى تبدي تراجعاً واضحاً وجديداً تجاه رأس المال الخاص وشروطه، إنها علاقات المصالح المتبادلة بين شركات الاستثمار العقاري والحكومة، والمهم أن تبقى موازنات تلك الشركات رابحة، وأن تبقى أعمالها تسير على قدم وساق، وأن تبقى خزائنها ممتلئة، وليس من المهم ما هي نتائج ذلك على الاقتصاد، وعلى المواطنين، ففي الوقت الذي تبدي فيه الحكومة ضعفها الاقتصادي بحجة عدم كفاية القانون، تمتد أذرع تلك الشركات إلى فجوات القانون تلك لتقتنص أثمن الفرائس الهاربة من يد الحكومة.

بعد الفلل السكنية، والمشاريع السياحية الضخمة، تتجه شركة إعمار للتفاوض مع الحكومة على استثمار المدينة الصناعية المفترض إقامتها في درعا، وهي إحدى المدن الصناعية المخطط إقامتها خلال السنوات الخمس القادمة وفقاً لتوقعات الخطة الخمسية العاشرة، وتعزي الحكومة ( وتحديداً وزارة الإدارة المحلية والبيئة ) سبب طرح هذه المدينة على الاستثمار إلى مشاكل في الاستملاك مع أصحاب الأراضي الزراعية التي من المفترض إقامة هذه المدينة عليها، فمنذ أيام فقطرفعت وزارة الإدارة المحلية والبيئة مذكرة لنائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية عبد الله الدردري عن واقع الاستثمار فيالمدن الصناعية في حماه ودرعا ودير الزور، وكشفت الوزارة في كتابها ذلك أنها تعاني من مشكلة استملاك المواقع المقررة لهذه المدن، كما أن الجدل لا يزال قائماً حول موقع مدينة درعا الصناعية، وأن هناك أعتراضات كثيرة من قبل أصحاب الأرض المختارة في منطقة الجباب حول قيمة الاستملاكات التي ستدفع لهم مقابل الأرض، والتي على حد تعبير الوزارة أن "هذه المبالغ يضبطها قانون مجحف تعمل وزارة الادارة المحلية على تعديله".
وكان الحل السحري الذي تفتق ذهن الوزارة عليه، إنها شركة إعمار، لماذا لا تقوم شركة إعمار باستثمار البنية التحتية للمدينة الصناعية في درعا؟ لماذا لا تقوم تلك الشركة بتأهيل المدينة ومن ثم تقوم بيع المقاسم للصناعيين مع الاحتفاظ بعدة مقاسم للمحافظة تستطيع من خلال استثمارها الاستمرار في تقديم الخدمات لمرافق المدينة؟

 تعتقد وزارة الإدارة المحلية والبيئة أن فيما لو قامت شركة اعمار بشراء الأرض بأسعار فإنها من المفترض أن تكون أسعاراً مجزية ومرضية للفلاحين، وبذلك قد تكون ازالت الحرج الذي تعانيه وزارة الإدارة المحلية جراء قصور قانون الاستملاك.
والسؤال الآن وأخذا بعين الاعتبار الظلم الذي يلحق المواطنين جراء كل عملية استملاك تقوم بها الدولة، السؤال هو: كيف استملكت الوزارة أراضي المدينة الصناعية في عدرا وتعجز الآن عن استملاك الأراضي في درعا؟ أو بطريقة أخرى كيف تستطيع هذه الوزارة وكل الوزارات الأخرى باستملاك أي شبر تريده وفي أي مكان وتفشل في إقناع فلاحي درعا بهذا الاستملاك؟ وهل أصبح القانون "مجحفاً" عندما وصل الأمر إلى المدينة الصناعية في درعا؟ أو عندما وصل إلى القطاع الخاص؟

يبدو أن هناك تحالف غير معلن ومنافع متبادلة بين الوزارة والشركة المستثمرة، والنتيجة أن الشركة وإن حصلت فعلاًعلى ما تريد ستكون الرابح الوحيد والأكبر من هذه العملية، حيث ستدفع الشركة لأصحاب الأراضي مبالغ أعلى من المبالغ التي كانت ستدفعهاالوزارة، ومن ثم ستقوم ببيع المقاسم للصناعيين بالأسعار الرائجة المرتفعة جداً، وقد تتحالف معها وزارة الإدارة المحلية بأن تجبر الصناعيين على الانتقال إلى المقاسم الجديدة، كون القانون يطالب بذلك، وبالتالي تساهم في تسويق أعمال الشركة، وتؤمن لها بيع كل مقاسمها مهما كان ثمنها.
لو أن وزارة الإدارة المحلية هي من قامت باستثمار وتأهيل البنى التحتية في المدينة الصناعية لما سمحت لتلك الكتلة المالية الهائلة من أن تتوجه إلى جيوب شركة خاصة، وخاصة أن مجالات عمل تلك الشركةواسعة جداً وأن لديها من الأرباح ما يكفيها، لكن في هذه العملية تحولت الوزارة إلى وكيل أعمال لدى الشركة، ورفعت عن كاهلها مسؤولية كبيرة، واكتفت بالحصول على مبالغ جاهزة من الشركة لقاء استثمارها المدينة الصناعية.
تعكس هذه الحالة تراجعاً واضحاً في الدور الاقتصادي والاجتماعي للحكومة السورية، في نفس الوقت الذي تشيع فيه أنها تبنت نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي، كما تدل على وجود ميل واتجاه واضح لدى الحكومة بتبني النهج الريعي الرافض للعمل المباشر، وإن ما تسميه الحكومة تشجيع القطاع الخاص، والمشاركة معه، أنما ينعكس في النهاية على الحكومة والمواطنين سلباً .

معلومات إضافية

العدد رقم:
281