بقرار من رئيس الوزراء الصناعة النسيجية تخسر 200 مليون ليرة
ربما كان الأمر سهلاً على رئيس مجلس الوزراء في اتخاذ مثل ذلك القرار، قرار يبدو للوهلة الأولى بسيطاً، لكنه في الحقيقة قرار مصيري ومؤثر جداً في حياة بعض شركات القطاع العام، قرار يحول بعض شركات القطاع العام إلى شركات خاسرة بامتياز، هكذا وبدون سابق إنذار، ولأسباب لا يعرفها أحد، قرر رئيس الحكومة استبدال استعمال أكياس الخام بأكياس البولي بروبلين من أجل تعبئة السكر، لكن النتائج ستكون كارثية على الاقتصاد الوطني، وعلى شركات القطاع العام التي يجب المحافظة عليها والوقوف إلى جانبها ودعمها في مثل هذه الظروف السياسية والاقتصادية، لا دفعها خطوة للأمام باتجاه حتفها، لماذا اتخذ ت الحكومة مثل هذا القرار؟ وكيف وافقت اللجنة الاقتصادية عليه؟ وهل يعقل أن يصدر مثل هذا القرار دون دراسة لآثاره الاقتصادية والاجتماعية؟ أم أنه مثل كل القرارات الارتجالية الأخرى التي صدرت خدمة لأشخاص محددين وبغض النظر عن باقي الأطراف التي يخصها؟
رئيس الوزراء يقرر
بدأت الحكاية عندما أصدر رئيس مجلس الوزراء المهندس محمد ناجي عطري قراراً (بتاريخ 6/9/2006) وبناءً على توصية اللجنة الاقتصادية، أصدر قراراً، يتضمن الموافقة على مقترحاتها المتعلقة باستخدام أكياس البولي البروبلين المبطنة بأكياس بولي ايتلين لتعبئة مادة السكر على أن يتم الالتزام بالشروط التالية:
ـ تصنع هذه الأكياس من مواد بلاستيكية جديدة ومطابقة للمواصفات الغذائية ومقاومة للعوامل الجوية.
ـ طبع عبارة على الأكياس من الخارج من اجل توعية المواطن لجمعها وإعادة التالف منها.
ـ تنفيذ الرقابة اللازمة من قبل الجهات المعنية للالتزام بتطبيق المواصفات الوطنية المعتمدة لنوعية المواد البلاستيكية المستخدمة لتصنيع هذه الأكياس.
عند هذه النقطة انتهى نص القرار، والذي لا يعرف العلاقة بين إنتاج السكر وطريقة تعبئته يظن أن لا مشكلة في مثل هذا القرار، وأنه قرار جيد، لكن المشكلة تتوضح إذا ما عرفنا بأن هناك شركات عامة محلية تقوم منذ زمن طويل وإلى الآن بإنتاج الأكياس الخاصة لتعبئة السكر وأنها ستتكبد ملايين الخسائر جراء ذلك القرار الذي سيضعها على الرف، وسيحولها إلى مجرد أبنية حجرية فقط، فمن هي هذه الشركات؟ وكم هي مقدار خسارتها المتوقعة من تطبيق ذلك القرار؟
200 مليون خسائر شركات المصنعة لأكياس الخام
بعد صدور قرار رئيس مجلس الوزراء القاضي بالسماح باستخدام أكياس البولي بروبلين لتعبئة السكر تقول مؤسسة الصناعات النسيجية وبالتحديد الشركات المنتجة لأكياس الخام إن خسائرها ستصل إلى أكثر من 200 مليون ليرة سوري، وبالتالي فإن التأثير الاقتصادي والاجتماعي لمثل هذا القرار كبيرا جدا وسلبياً جداً أيضاً، حيث أصاب في الصميم أحد أهم الصناعات المحلية، وحولها خلال لحظات وبجرة قلم إلى شركات قيد الخسارة؟ دعونا الآن نستمع إلى آراء ومواقف الشركات العامة النسيجية المعنية بهذا القرار... ماذا يعني لهم القرار؟! وما هي حجم التأثيرات الاقتصادية الناجمة عنه.
يقول المهندس زهير العلي مدير عام شركة المغازل بدمشق: إن القرار أثّر سلباً على عمليات الإنتاج لدينا باعتبار أن خطوط الإنتاج في الشركة تنتج أكثر من من ثلاثة ملايين كيس خام وهي تنتج كلها لمصلحة شركات السكر، وعندما تستغني شركات السكر عن استخدام أكياسنا المنتجة وتتوجه إلى استخدام أكياس البولي بروبلين، عندها ستكون خسارة الشركة أكثر من 110 ملايين ليرة. وبالتالي فإن القطاع الخاص المنتج لهذه الأكياس هو المستفيد الوحيد من هذا القرار، وهو الذي سيقوم بتصريف منتجاته، في حين أننا سنضطر لإيقاف الإنتاج في شركتنا.
لذلك فإن اتخاذ مثل هذا القرار وفي مثل هذه الظروف قد لا يكون في مكانه الصحيح أبداً لأن معظم الآلات التي تنتج الأكياس في شركات النسيج المتخصصة غير صالحة لإنتاج سلع أخرى وفق مواصفات عالمية باعتبارها تعود لعقد الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كما أن قسما كبيراً من الآلات يمكن استخدامه لإنتاج أشياء أخرى لكن في حدود ضيقة جداً، قد لا تعوض الخسائر الناتجة عن وقف إنتاج أكياس الخام، وهذا الأمر سينعكس سلباً على تنفيذ الخطة الإنتاجية والتسويقية لشركة المغازل، كما سينعكس على مصادر تمويل هذه الشركات، حيث ستنخفض درجة سيولتها، وستضطر إلى اللجوء إلى موازنة الدولة من أجل تسديد إلتزاماتها المادية من أجور ورواتب وحوافز وصيانة وغيرها.
بالإضافة إلى مدير عام شركة المغازل بدمشق، نجد أن مدير شركة الشهباء للمغازل والمناسج بحلب يشاطره الرأي في هذا القرار، حيث يقول: يصل إنتاج الشركة من أكياس الخام خلال العام الواحد إلى حوالي 800 ألف كيس، تنتج كلها لصالح شركة سكر سلحب، وإن آلات الشركة وأنوالها متخصصة بهذا الإنتاج ولا يمكن استخدامها في منتجات أخرى كالأقمشة وغيرها لأنها بحاجة إلى استبدال جذري بآلات حديثة وهذه بدورها تتطلب إعداد دراسات جدوى اقتصادية وتوفر الاعتمادات وغيرها، وهذا ما لا يتحقق في سنوات عدة، وبالتالي فإن توقف الشركة عن إنتاج أكياس الخام يعني توقف الشركة عن العمل نهائياً، أو على الأقل زجها في مستنقع الخسارة المؤكدة.
أما الشركة السورية للغزل والنسيج بحلب أيضاً فإنها تنتج حوالي 500 ألف من أكياس الخام سنوياً تنتجها خطوطها الإنتاجية لصالح شركة المطاحن والسكر وتقدّر قيمتها بأكثر من 70 مليون ليرة في العام الواحد. هذه القيمة لم تعد تدخل في حسابات الشركة، وستتوقف الشركة عن الإنتاج مثل بقية الشركات الأخرى، وستنضم إلى فربق الخاسرين بجدارة.
من الواضح تماماً أن قرار رئيس الوزراء لم ينصف الشركات المنتجة لأكياس الخام الخاصة بتعبئة السكر وبالتالي فإن الخسارات الناجمة عن القرار لم تعد متعلقة فقط بقيمة الكيس فقط وإنما متعلقة بأمور أخرى كالعمالة وإيرادات الشركة وموضوع الحوافز الإنتاجية والطبابة للعاملين، وصيانة الشركات، واستمرارية قدرتها التمويلية على العمل وغير ذلك. والأهم من ذلك كله أن هذه الشركات ستصنف لاحقاً على أنها من الشركات الخاسرة، والتي لا بد من تصفيتها والتخلص منها، أي أن هذا القرار سيعطي ذريعة مباشرة لمؤيدي تصفية القطاع العام بالإسراع في تلك التصفية، بحجة أن لا قدرة للدولة على تحمل المزيد من الخسارات، وبأن تلك الشركات باتت تشكل عبئاً على الموازنة العامة أيضاً.
من جهة أخرى يعكس هذا القرار عدم تجانس في الرؤية تجاه القطاع العام، ويكشف عن وجود تناقضاً بين الخطاب المعلن تجاهه، وبين المواقف الحقيقية التي تتخذ بشأنه، فهذا القرار لا يتوافق أبداً مع خطاب المحافظة على القطاع العام، وخطاب إصلاح القطاع العام، وخطاب وطنية القطاع العام، بل يعكس بشكل صارخ ميل الحكومة الضمني لتصفية هذا القطاع من خلال السياسات الغير مباشرة، ومن خلال القرارات التي تصب في مصلحة القطاع الخاص وأصحاب رؤوس الأموال فقط.
وزير الاقتصاد يتضامن مع رئيس الحكومة
واستكمالا لمسلسل تصفية تلك الشركات، طلب وزير الاقتصاد والتجارة الدكتور عامر حسني لطفي من رئاسة مجلس الوزراء النظر بإمكانية الموافقة على استيراد الأرز المعبأ بأكياس من البولي بروبلين. وفق المواصفة التي تحددها المؤسسة العامة الاستهلاكية وبالتنسيق مع مؤسسة التجارة الخارجية وبما يضمن تحقيق شروط التخزين الجيدة للمادة انسجاماً مع المواصفة القياسية السورية رقم 2785 الخاصة لتعبئة المواد الغذائية، كما طلب الوزير أيضاً النظر في إمكانية تكليف كل من وزارة الصناعة «المؤسسة العامة النسيجية» وزارة الإدارة المحلية والبيئة والصحة وهيئة المواصفات والمقاييس العربية السورية لدراسة إمكانية تعبئة الدقيق بأكياس من البولي بروبلين بما يؤمن سلامة المادة المعبأة وفق المواصفات العالمية ورفع النتائج التي يمكن التوصل إليها إلى رئاسة مجلس الوزراء لإقرار المناسب.
وفي حال الموافقة على تعبئة الطحين بأكباس من البولي بروبلين بدلا من أكياس الخام، يكتمل مسلسل التصفية، وعندها فإن خسائر شركات النسيج السابقة باتت مؤكدة ولا تحتمل الشك أبداً، والنتيجة أن قراراً واحداً كان قادراً على تصفية ثلاث شركات إنتاجية صناعية وطنية، ودفعة واحدة، وبشكل مفاجئ، ودون أن تكون وزارة الصناعة أو اتحاد نقابات العمال قادرين على الوقوف في وجهه، أو التصدي له.
من المستفيد من كل ذلك
تقول مصادر مطلعة في وزارة الصناعة أن المستفيد الوحيد من هذا القرار هو مصنعي أكياس البولي بروبلين من القطاع الخاص، حيث يوجد في سورية معلين لإنتاج مثل هذه الأكياس، أحدهما في حلب والآخر في دمشق، وبالتالي فإن هذا القرار جاء ليخدم ها تين الشركتين بالدرجة الأولى، لا ليخدم مصلحة الصناعة الوطنية، أو أنه بالأحرى قد تم تفصيله على مقاسهما، لأسباب وعلاقات خاصة بين بعض الجهات الحكومية والخاصة رفضت تلك المصادر توضيحها أو التعمق في الحديث عنها، أو تحديدها لكنها اكتفت بالتأكيد على أن هذا القرار هو قرار مرفوض من قبل الوزارة، وأن أوساط القطاع العام قد فوجئت به، وأنها لم تكن تتوقعه أبداً كونه لا يصب أبدا في مثل هذه الشركات، وكون هذه الشركات من الشركات الرابحة والتي يجب المحافظة عليها، لا تخريبها.
جهات أخرى مطلعة أكدت أن بعض رجال الأعمال والصناعيين هم من يقفون وراء مثل هذا القرار، تنفيذاً لمصالحهم الشخصية، وبأن الحكومة قد أذعنت لتلك المصالح، تحت ضغوطاتهم وأغلقت عينها عن مصير شركات القطاع العام المنتجة لأكياس الخام.
وفي النهاية سيتحمل المواطن كل شيء، هو من سيدفع فاتورة هذا القرار، وهو من سيتحمل كلفة العلاقات الخاصة بين الحكومة ورجال الأعمال، وهو من سيخسر مادياً ومعنوياً، وكل ذلك مقابل أن يكسب عدة أشخاص المزيد من الملايين
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 282