تقارير الرقابة على الرف... وحبل الفساد على الغارب

قد لا تكون هي المرة الأولى التي ينتصر فيها الفساد، كما أنها قد لا تكون الأخيرة أيضاً، ولكن لماذا يقطع سيف الرقابة رقاب بعض الأبرياء، والشرفاء، ويبقى بعيدا عن رقاب المذنبين والمسيئين؟ وكيف تدين وتفضح تقارير رقابية أداء وسلوك بعض الموظفين والمسؤولين، ويبقون على رأس عملهم؟ وباختصار شديد ما هي معايير استخدام الرقابة في سورية؟ ولماذا هي معايير فضفاضة ومفصلة على مقاسات البعض أحياناً كثيرة؟ أليس من يعيق تطبيق التقارير الرقابية يساهم في بناء هيكل الفساد؟

القصة هذه المرة في وزارة الاقتصاد، وتحديداً في دائرة خماية المستهلك بحلب، فرغم الكشف عن مخالفات لدى بعض موظفي دائرة حماية المستهلك في مديرية التجارة الداخلية بحلب فإن شيئاً لم يتغير، وبقي المخالفون في مواقعهم ليكملوا ما بدؤوا من فساد، وحتى الآن لا يعرف أحد ما هي الأسباب الحقيقية التي تمنع من محاسبتهم.
 لقد كشف تقرير صادر عن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش قبل حوالي الشهر مجموعة من قضايا الفساد والممارسات غير القانونية التي يقوم بها بعض العاملين في الدائرة المذكورة فقد جاء في التقرير رقم 8/1808/19/4.ع.ح الصادر بتاريخ 21/8/2006 أنه نتيجة التحقيق في الشكوى المقدمة من أحد أصحاب الأفران في مدينة حلب تبين أن السيد /ن ـ ب/ معاون رئيس دائرة حماية المستهلك قبض رشوة من صاحب الفرن المذكور مقدارها 25 ألف ليرة من أجل مساعدته في زيادة مخصصاته من مادة الدقيق، وقد أثبت عدد من الشهود هذه الواقعة كما جاء في معرض اتهام الموظف المذكور أنه يتقاضى من المخابز مبلغ 125 ليرة عن كل طن من الدقيق لكن هذا الاتهام لم يجر إثباته ولا نفيه ـ حسب التقرير ـ وهناك اتهام ثالث له بأنه يغض النظر عن تأخير تنظيم الضبوط بحق المخالفين لأكثر من يوم.
 يضاف إلى ذلك أن هذا التقرير التفتيشي يؤكد نتائج تقرير سابق صدر عن الرقابة الداخلية برقم 28 هـ خ م م تاريخ 5/5/2005 وأحال الموظف المذكور نفسه إلى المحكمة المسلكية تمهيداً لإحالته إلى القضاء، أما التقرير التفتيشي فيكتفي بالطلب من السيد وزير الاقتصاد أن يفرض عقوبة الحسم 5% من الراتب لمدة ستة أشهر بحق هذا الموظف ونقله خارج مديرية التجارة الداخلية، لكن هذا الطلب لم ينفذ وما زال صاحبنا في موقعه. ‏
 ويشير التقرير أيضاً إلى عدد من الموظفين المخالفين في المديرية ذاتها كالمراقب /و.س/ الذي اتهم بطلب 50 ألف ليرة لقاء عدم تنظيم ضبوط تموينية بحق أحد المخالفين واتهم أيضاً بالإسهام في تهريب كميات من الدقيق التمويني بشهادة شهود ومحضر مسطر. ‏ والغريب أن تتعامل الوزارة مع هذه التقارير بهذه اللامبالاة المفرطة رغم حساسية مواقع هؤلاء الموظفين والتي تفرض أن يكون على درجة عالية من الاستقامة.
 ‏ تدل هذه القضية على مدى تفشي الفساد، وانتشاره، وعلى العقلية التي تتعامل معه،  وقد تحتوي مكاتب الهيئة والتفتيش وفي كل المحافظات على مئات التقارير التي تدين المخالفين، وقد تكون من التقارير المسكوت عنها، بسبب ارتباطات الفاسدين التي لا يستطيع أحد المساس بها، إن هذه القضية هي مجرد حجر واحد من بناء الفساد المنتشر، والذي يلتهم اقتصاد البلد، ويمتص خيراته المادية والمعنوية.                 

معلومات إضافية

العدد رقم:
283