د. عمر شابسيغ د. عمر شابسيغ

إلى أين يقودنا الفريق الاقتصادي؟ 2-2

إن نظاما متطورا للتمويل العقاري يمكن أن يشجع على شراء وامتلاك المنازل أو استئجارها واستبدالها ساعة يشاء المستفيدون من خلال نظام الرهن العقاري، أو بالأحرى رهن المنزل، والأنظمة المعمول بها عالميا تقوم على منح المستفيد قرضا بنسبة 90% من قيمة المسكن يقوم المقترض بتسديده على مدى 25 -30 عاما، ويمكن أن تعادل دفعات التسديد دفعات الإيجار الشهري للمسكن!.

إن حل أزمة السكن لن يتم بالإجراءات التقليدية الحالية، وليس أيضا من خلال إصدار تشريع للاستثمار العقاري، بل لابد من إصدار تشريعات أو تضمين تشريع الاستثمار العقاري إمكانية إحداث شركات تمويل عقارية تساعد في شراء المساكن من خلال نظام الرهن العقاري..). يشبه هذا الكلام ما كنت قد طرحته في عام 1978 في اجتماع، فقاموا بالاستهزاء من الفكرة، ثم طرحتها في الصحافة في عام 2004 ولكن لا من مجيب. قلت في نفسي هل يقرأ المسؤولون؟ وجاءني جواب بأنهم يقرؤون. ولذلك فإن قول الدكتور سمير صارم بأن الحكومات المتعاقبة لم تسع بهذا الاتجاه يستتبع محاسبة كل تلك الحكومات.
تكلمنا سابقا عن (اقتصاد السوق) ووافقوا معنا أن هذا التعبير ليست له علاقة بنوعية اقتصاد البلاد أكان اشتراكيا أم رأسماليا أم ليبراليا. فالمقصود هو الاقتصاد الذي يلبي حاجات السوق سواء كان المنتج قطاعا عاما أم خاصا أم... (كل التعابير التي اخترعناها). فلماذا الإندفاع نحو السماح بسطوة رأس المال الخاص (محليا كان أم خارجيا) لتحقيق اقتصاد السوق؟ إن كان الغرب استخدم هذا التعبير لأغراضه الخاصة فلا. يجب أن نقع في الفخ. فهم هناك قد أمنوا احتياجات كل الناس وليس الأغنياء فقط وبذلك ضمنوا السكوت على أفعالهم الأخرى.
ولكن عندنا الأمر له شق دستوري أيضا فمن ينادي الآن بالصوت العالي باقتصاد السوق (الاجتماعي) هو يخالف المادة 13-1 من الدستور والمادة 7 منه.وهذا هو ربما أساس الغموض الذي يكتنف أسباب عدم الوضوح في المسألة الاقتصادية من قبل الحكومة. وأنا ليست عندي مشكلة في التسميات المهم عندي هو وضوح الخط الاقتصادي المؤدي إلى النمو والازدهار والرخاء. فليقولوا لنا ماذا يريدون ولكن لا يدخلوا في تناقضات ذاتية مع قسمهم الدستوري.
تعلم الحكومة أن الاستثمار العقاري ليس هو الذي يقدم النمو والرخاء للشعب. هذا أمر لا يمكن أن يخفى على أحد وقد قاله غيري من المواطنين ومن الزائرين الأجانب الكبار أمثال المستشار الألماني السابق (شرويدر). إن النمو الاقتصادي يكون بزيادة الاستثمار الصناعي والزراعي فالزراعة والصناعة المتقدمتين هما أساس تقدم الأمم. فأين الحكومة من هذين الاستثمارين؟ لا نسمع من الحكومة إلا دعايتها في الخارج لاستقدام الاستثمار العقاري وخصوصا في المشاريع العقارية الخاصة بالأغنياء (وأي أغنياء). فبماذا سيعود ذلك بالفائدة على عموم الشعب؟
وإنني لم أسمع ولم أر في حياتي رجال حكومة يتبارون باحتفالات وبمؤتمرات صحفية في الإعلان عن مشاريع عقارية خاصة بالأغنياء. الحكومات في الدول المتقدمة تتباهى بتأمين السكن للشعب.
إن كل ما تقوم به الحكومة في مواضيع الاستثمار ومواضيع السياحة لن يعود على الناس بأي خير بل سيؤدي إلى الغلاء كما يجري الآن، وكان الأجدى على الطاقم الاقتصادي أن يعرف - كما قلت أعلاه- أن غنى البلد بالاستثمار الزراعي والصناعي الحديثين، وليس بهدر الأراضي لمشاريع استثمارية عقارية وسياحية. في أربعينات وخمسينات القرن العشرين كان أهل البلد يعرفون ذلك وهذا ما جعل البلد تقفز قفزات كبيرة في ذلك الوقت صناعيا وزراعيا وعلميا لدرجة جعلت غولدا مئير( رئيسة وزراء العدو لاحقا) في عام 1957 تقول أن الخطر الأكبر على إسرائيل هو النمو الصناعي والزراعي والعلمي السريع جدا في سورية. ولم تقل الاستثمار العقاري. وسأقول ما قاله غيري أن الاستثمار العقاري في دول الخليج نعم جعلها بلادا جميلة ولكن دون قاعدة اقتصادية قوية لا تعتمد على النفط. ولو دفعوا أموالهم باتجاه استثمار صناعي وزراعي وخدمي لكانوا أقوى الآن..
أتعرفون كيف يمكن استثمار هذه الأموال: إطلاق الحرية الاقتصادية، إصلاح النظام الضريبي، السماح للشركات الصناعية المساهمة (كما كان في الماضي: شركات الإسمنت – شركات السكر – مرفأ اللاذقية .....إلخ). مع عدم السماح لعمالقة المال في سورية بإقامة شركات عائلية. بل شركات مساهمة يكونون هم فيها مساهمين بما لا يتجاوز 10% من رأس المال (ضرورة وجود قانون منع احتكار) – زيادة الرواتب لموظفي الدولة إلى 33000 ليرة سورية في الشهر عند بدء التعيين لأصغر موظف دفعة واحدة، (مع مراقبة شديدة لثبات الأسعار لمدة عامين وكسر احتكارات التجارة الداخلية لكل المنتجات بغية تأمين ثبات الأسعار خلال هذه المدة – مراقبة جودة المنتج المحلي والضرب بقوة على الغشاشين – أن يكون مجلس الشعب قادرا على محاسبة الحكومة والتصويت على الثقة بالوزير أو بالحكومة – جعل القطاع العام الاقتصادي قطاعا حر الحركة قادرا على المنافسة فليس هناك معنى أن يقول لنا أحد أن آلات المصانع قد أصبحت قديمة. فأين كانت الإدارة الهندسية والاقتصادية للمنشآت؟ أم كان مديروها جهالا؟ هذا كلام غير مقبول ويحاسب عليه جنائيا كل المسؤولين وفك الإرتباط بين موظفي الدولة والعاملين في القطاع العام من حيث الرواتب.
وأخيرا: التوقف عن المشاريع العقارية الفخمة، وعن هجمة وزارة السياحة في مشاريع لا تجدي شيئا وعن الكلام عن نسب نمو لايصدقها الكثير ممن كتبوا في الصحافة فإنها إن كانت تستند إلى معلومات إحصائية فالإحصاء الأخير لم يتم وما تلى ذلك لا أظن أن أحدا قادر على استنباط هذه المعلومات الإحصائية منه لأسباب مختلفة ليس هنا مجال الكلام عنها.
الحل تشكيل حكومة جديدة يتم انتقاء أعضائها ممن لهم قلوب رحيمة على الناس والوطن ويعرفون الإدارة الجيدة والفكر الصحيح وسأكرر هنا ما ذكرته سابقا في مقالة أخرى عن الصفات التي يجب أن يتميز بها رجال الحكومة.

1- النقطة الأولى هي نظافة اليد بالمطلق حتى ولا بشبهة صغيرة.

2- النقطة الثانية والتي قد تتصل بشكل أو بآخر بنقطة نظافة اليد، ألا وهي العدل بين الناس. وصدق من قال العدل أساس الملك. العدل يجب أن يبدأ بأن لا يكون المسؤول قد أغرق عائلته القريبة والبعيدة وأقرباءه وعشيرته بالمال أو بالفوائد المادية أو المعنوية مؤثرا هؤلاء على باقي الناس..

3- المنطق السليم...

4- الإحساس بمسؤولية عن كل مواطن ابتداء من أضعفهم وأفقرهم.

5- التقيد بالدستور والقوانين والأنظمة هم وعائلاتهم وسائقو سياراتهم بأكثر مما يفعل المواطن العادي وإلا فلسنا بحاجة لمثل هذا المسؤول

6- يجب أن يكون الهدف الأول وبأسرع ما يمكن رفع مستوى معيشة الناس.

7- وأولا وقبل كل شيء أن يكون من ذوي الخلق الحسن.

8- أحد أهم الأسس في إسناد المناصب هو أن المنصب لا يعطى لمن يطلبه.

9- لاحظنا أن هناك اتجاها لتعيين أساتذة الجامعات كوزراء أو في مناصب عليا. بعد كل ما ذكرته أعلاه فإن كون الإنسان أستاذا جامعيا لا يجعله بالضرورة إداريا ناجحا حتى لو كان يقوم بتدريس علم الإدارة في الجامعة. في حالة أساتذة الجامعة يجب النظر في نزاهتهم في عملهم الجامعي وفي تعاملهم مع طلابهم قبل التفكير في تعيينهم في مناصب.

10- ومن أهم صفات من سيتولى هو عدم قيامه بعمل شيء هو غير مقتنع به، ومهما كانت الضغوط عليه، وإن لم يستطع القيام بواجبه كما يريد هو فعلى صاحب المنصب تركه بالاستقالة لا بالإقالة ولا بتقادم الزمن.

11- عدم تعيين أي مسؤول سواء من مرتبة وزير أو أقل أو (انتخاب عضو مجلس شعب) يحمل جنسية مزدوجة حيث أن لمثل هذا الشخص ولاءان ولاء لسورية وولاء للجنسية الأخرى.

12- وأخيرا وليس آخرا. أريد أن أسأل أي مسؤول مهما كانت ثقافته هل قرأ عند استلامه منصبه أو قبل ذلك كتابا في المبادئ العامة للإدارة أو مقالة في علم الإدارة؟ أم أنه تدرج في مناصبه الإدارية وهو يجرب في الناس حتى أصبحت له الدراية بذلك على حد قوله؟
وإن ما قاله السيد الرئيس حول اقتراب الوزراء من الشعب أمر هام، ولكن هناك وبالرغم من هذا التوجيه بعض الوزراء الذين أشادوا قلاعا محصنة حولهم بحيث لا يستطيع أن يصل إليهم أحد ولا يريدون أن يسمعوا ما قد يخدش آذانهم من أمور تخالف قناعاتهم المسبقة الراسخة واسألوني.
في النهاية أرى أنه آن الآوان لتغيير حكومي يشمل الغالبية العظمى من الوزراء بحكومة يتمتع رجالاتها بما ذكرت أعلاه بغض النظر عن أي شيء آخر.        

معلومات إضافية

العدد رقم:
285