الدردري: إعادة النظر بالدعم بعد شهرين؟؟

قال عبد الله الدردري، بطل الانقلاب الاقتصادي ومهندس السياسات الاقتصادية كما يحلو للبعض أن يسميه، قال في لقائه الأخير مع مجلة المال «إن الحكومة أنجزت حتى الآن أكثر من 80 بالمائة من برنامجها.. والحكومة الحالية جادة في مكافحة الفساد وهي حكومة نظيفة اليد.. وإن الدعم لن يمس خلال العام وإنما سيتم إرجائه إلى العام القادم»أي أنه وعدنا بإعادة النظر بالدعم بعد شهرين ، مشيرا إلى أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في سياسة الدعم بشكلها السابق، كما صرح بأن معدلات النمو إيجابية،و معدلات الاستثمار جيدة.. الخ.

نعم، قال الدردري أشياء كثيرة، وربما أكثر من اللازم، خاصة في موضوع الدعم على اعتبار أن للدعم  علاقة بالبعد الأمني والاجتماعي بقدر ما له علاقة بالبعد الاقتصادي، وعلى هذا الأساس فإن بحث إلغاء الدعم ليس من صلاحيات الحكومة وحدها، بقدر ما هو سياسة دولة في مرحلة لها ظروفها واستحقاقاتها.
يذهب الدردري في موضوع رفع الدعم بأن ذلك سيوفر على خزينة الدولة مليارات الليرات السورية سنوياً، وبأن الموازنة العامة ما عادت تحتمل تلك المبالغ الهائلة المنفقة على الناس على شكل دعم للمواد التموينية، ولكن ببساطة تنهار هذه الحجة إذا ما ناقشناها مناقشة اقتصادية اجتماعية عميقة، فاسترداد أموال الفساد  ومكافحة الهدر والتهريب على كل المستويات، كافي لتأمين الأموال التي تبحث عنها الحكومة من أجل سد العجز بالموازنة العامة للدولة، حيث يقدر الاقتصاديون حجم الأموال المنهوبة من الاقتصاد السوري بـ 200 مليار ليرة سنويا، وهذا الرقم يعادل ما بين 45% إلى 50% من موازنة الدولة أو مالا يقل عن 20% من الدخل الوطني، يضاف إلى ذلك أن التهرب الضريبي الذي يمارسه رأس المال الخاص يطال سنويا 100 مليار ليرة،  أمام كل  هذا الهدر والاستنزاف الكبير للثروة الاقتصادية، والذي لم تستطع الحكومة إيقافه حتى الآن نراها تتجه إلى أضعف الحلقات، إلى المواطن، لتفرغ جيبه بحجة تخفيف العجز عن موازنتها، أما إلغاء الدعم بحجة عدم وصوله إلى مستحقيه، فإن هذا الموضوع أيضا يحتوي على الكثير من التضليل، لأن الموضوع هنا لا يتعلق بالدعم بحد ذاته، بل بكفاءة السياسات الاقتصادية القادرة على إيصال الدعم إلى مستحقيه الفعليين، فشريحة الموظفين وأصحاب الدخل المحدود معروفة تماما وشريحة الصناعيين والتجار والمستثمرين معروفة تماما ومستوى دخول جميع الأفراد معروفة، وبالتالي من الممكن إيصال الدعم إلى مستحقيه دون إلغائه.من جهة أخرى نلاحظ المبالغة الكبيرة في تضخيم أرقام الدعم، فالمبلغ الذي تتحمله موازنة الدولة نتيجة دعمها لمادة الأرز لا يتجاوز 5 مليار ليرة، أي أقل بكثير من دعم الحكومة (النظيفة)  لسيارات المسؤولين فيها، أما بالنسبة للبنزين الذي رفعت الحكومة سعره مطلع عام 2006 ليصبح للمستهلك 30 ليرة فإن كلفته في مصافي الدولة لا تتجاوز 7 ليرات للتر الواحد، أي أن الدولة تربح عن كل لتر 41% من هذه المادة.إن سياسة الدعم يجب أن تقوم على فكرة أن على الدولة أن لا تأخذ دور الجابي والتاجر، بقدر ما عليها أن تأخذ دور الضامن للأمن الاجتماعي والاستقرار السياسي، فالدولة في النهاية هي من يجب أن تخدم المجتمع وليس العكس.أما حول إنجازات الحكومة الحالية، فلا نعلم مدى حجم مهامها حتى نصدق بأنها أنجزت 80%منها كما قال الدردري،إلا إذا كانت تلك المهام هي في إلغاء الدعم والسياسات اللبرالية؟؟ فأين مهمة إصلاح القطاع العام التي يصر البعض على بيع شركاته للقطاع الخاص حيث سيتم قريبا تسجيلها في البورصة لتتحول إلى شركات مساهمة،وهل تم حل مشكلة العاطلين عن العمل الذين بلغت أعدادهم حسب مكاتب التشغيل نحو مليون و 359ألف متعطل؟؟، أم أن إقامة المصارف وشركات التامين هو مقياس إنجاز الحكومة لمهامها؟؟وماذا عن السكن والتعليم والصحة التي تشهد تراجعا شديدا، هل هي من مهام الحكومة أم خارجها؟؟.. فالنظافة في النهاية ليست في اليد بل  في السياسات، لأنه على أساس نظافة السياسات يتقرر فيما إذا كانت اليد نظيفة أم لا. و اخيراً، هل يعقل والبلاد على حافة مواجهة كبرى مع المخطط الأمريكي – الصهيوني أن يجري توتير الجو الاجتماعي بإجراءات غير شعبية بتاتا، و هي أحوج ما تكون إلى توطيد الوحدة الوطنية،فهل ذلك خطأ في التقدير أم  الأمر أخطر من ذلك؟       

معلومات إضافية

العدد رقم:
285