هل نيأس من إمكانية محاربة الفساد؟
هل وصل الفساد عندنا إلى مرحلة لا نستطيع التصدي له؟ هل أصبح قدراً لابد منه، وهل انعدمت القدرات والكفاءات القادرة على مواجهته؟
الفساد مرض مشخص انتشر بشكل واسع، ولكن برأينا ليست هناك صعوبة بمواجهته والتصدي له، على الرغم من محاولة البعض قوننة الفساد بحيث أصبح الفاسد في كثير من المؤسسات هو المعيار الصحيح، والمنضبط والأخلاقي هو المتخلف الرجعي عن مواكبة الحضارة والقوانين العالمية. وهنا لا بد من ذكر الحادثة الطريفة الواقعية التالية والتي تعبر عن سلوك الفاسدين ودورهم التدميري:
في إحدى الجلسات، وبحضور زوجة أحد الأشخاص الذين استلموا منصباً هاماً لعدة سنوات، بعد سنوات من التنظير والنضال (على ذمتهم). هذه الزوجة التي كانت تتكلم عن الفاسدين والنهابين، أصبحت بعد أن أبعد زوجها بعد حوالي ثلاث سنوات عن منصبه تقول، إنه يحق لمن يحمل شهادة الدكتوراه أن يسرق حوالي خمسة عشر مليوناً من أجل ضمان المزرعة والبيت والسيارة والفيلا، وتتحدث باستهجان حول من يدافع عن المال العام أو عن الأخلاقيات العامة، حتى لو كانت هذه الأخلاقيات تتكلم حول منح الجسد مقابل المنافع..
بالمحصلة الوصول إلى مرحلة كهذه هو ناقوس خطر، بالإضافة إلى وجود مدراء لا يخضعون لأي سلطة رقابية، يحسبون أنفسهم فوق القانون والنظام وفوق جميع المؤسسات، فيتصرفون بمؤسساتهم كمزارع خاصة، ويعتمدون الأسلوب الميكافيلي في الإدارة الذي يعتمد على وضع الإنسان ذي الكفاءات في أماكن لا تناسب كفاءاته، وافتعال المشاكل بين الموظفين.. هؤلاء يحاولون مأسسة الفساد عبر محاولة إظهار انعدام الكفاءات.. على العكس مما هو موجود.
لقد آن الأوان للبدء بحملة وطنية للحد من الفساد عبر تعاون الجميع وترك كل الأمور الخلافية لما بعد، فليس المهم مغالبة الناطور، ولكن المهم هو العنب، وحتى لا يفهم من موضوعنا حماية أحد، قلنا تأجيل الأمور الخلافية والبدء بحملة شاملة تبتدئ من القضاء والتعليم تحت رعاية لجان شريفة يشهد لها تاريخها. وهنا نقول إنه بلا تعاون الجميع ودون النظرة الوطنية للجميع لا يوجد حل، فالكلام العبثي غير المنظم لا يجدي نفعاً، والجهود بحاجة إلى تعاون تام يبدأ من الأسرة التي لها دور كبير في التنشئة الصحيحة والصائبة والمرممة لأخطاء المؤسسات التعليمية وللثقافات المستوردة، مروراً بإصلاح التعليم للوصول لإنتاج الكفاءات، وتلازم ذلك مع إصلاح القضاء عن طريق تعيينات جديدة واصطفاء الموجود.
وهنا نقول لا ضرر من أن تكون المسؤولية القصوى في هذه الفترة لأية مؤسسة قادرة وجاهزة، فالمهم الحد من الفساد، وليس المهم من يحد، وكذلك هنا لابد من ذكر دور الإعلام، هذا الدور الكبير والفاعل في تسليط الضوء على أماكن الفساد وعلى التشهير بالفاسدين خلال فترة المجابهة من أجل الوصول إلى فرض الانضباطية الذاتية المحمية بالقوانين المناسبة.
وكذلك لابد لنا من ذكر دور المؤسسة الدينية في هذه المواجهة باتجاه وضع قيم الأديان السماوية في مكانها المناسب لخدمة المجتمع والولاء للوطن، فالوطن للجميع، وملكيته للجميع، وبالتالي تفعيل دور هذه القيم الدينية المتأصلة في محاولة القضاء على الأفكار الخاطئة التي تحلل سرقة المال العام..
وهكذا يجب أن تكون الانطلاقة هي الحد مرحلياً من الفساد وتأجيل الأمور الخلافية التي أغلبها مغلوط الذي يربط الفساد بزمن معين أو بإيديولوجية معينة أو بقومية معينة أو بطائفة معينة أو بمنطقة معينة، إذ لا يوجد فساد مصبوغ بشكل كامل بلون واحد، فلا يوجد دين أو حزب أو هيئة أو منطقة إلا وتحوي فاسدين، وهم أقلية، ويحوي حاملي قيم رفيعة وهم الأكثرية، فالمهم هو استمرار الوحدة الوطنية، والأهم هو التهيئة الصحيحة والقوية للعواصف القادمة، ويجب أن تبقى سورية قوية في مواجهة جميع المؤامرات والمعاهدات والمخططات كما كانت، وحتى نستمر هكذا فنحن بحاجة إلى جهود الجميع تحت مظلة القانون والوحدة الوطنية والالتزام الوطني.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 405