نزار عادلة نزار عادلة

تشجيعاً للاستثمار.. مؤسسة غذائية هامة ورابحة تُهدى للمستثمرين!!

إذا لم يكن الهدف الأول لوزارة الزراعة بمديرياتها ومؤسساتها المختلفة، تطوير الثروة الحيوانية وحمايتها، من خلال وضع وتنفيذ الخطط الخمسية الخاصة بها، فما هو دورها إذاً؟

ما يسم هذه الوزارة حتى الآن، هو عدم وجود إحصائيات دقيقة حول أعداد الحيوانات وسلالاتها ومعدلات إنتاجها، وعدم وضع سياسة واقعية وثابتة لتربية الحيوان تعتمد على أسس فنية وعملية وضعف الربط والتنسيق بين الجهات العامة ذات العلاقة المباشرة وغير المباشرة بقطاع الإنتاج الحيواني، مع إغفال المؤسسات المخصصة التابعة لوزارة الزراعة لدورها كمؤسسات رائدة في عملية تطوير وتأمين الخدمات ومستلزمات التربية والإنتاج لقطاع الثروة الحيوانية وفقاً لما نصت عليه مراسيم إحداثها، وتقييد تلك المؤسسات بأنظمة وقوانين محاسبة صارمة مع إغفال الخلل الإداري القائم.
 
آخر الحلول
المؤسسة العامة للمباقر، هي أحد مرتكزات الأمن الغذائي الذي نتغنى به، وقد كانت قبل سنوات تضم /14/ ألف بقرة من كافة الأصناف والأنواع، بالإضافة إلى آلاف الدونمات الزراعية.. والحقيقة أن هذه المؤسسة منذ تأسيسها تعاني من مشاكل عديدة، أبرزها خلل إداري في مفاصلها على مرأى ومسمع من وزارة الزراعة والمؤسسات التفتيشية دون اتخاذ قرار، وكانت تخسر سنوياًٍ عشرات الملايين. قبل عام تم تأمين التمويل من صندوق الدين العام، أعيد من خلاله تأهيل البينة التحتية، وتم بناء محالب جديدة وترميم بعضها الآخر، واستبدال الآليات القديمة بآليات حديثة.
ووضعت الإدارة الحالية خطة إستراتيجية للنهوض بالمؤسسة والوصول إلى مرحلة الربح بعد خسارة دامت لعقود، كالتخلص من الأبقار ذات الإنتاج المتدني والتي تشكل عبئاً كبيراً على المؤسسة، وإدخال بكاكير (أبقار تحمل لأول مرة) ذات إنتاجية عالية. وكانت الخطوة الهامة تحرير تسويق الحليب، حيث أجاز المرسوم التشريعي رقم /276/ تاريخ 1/8/2004 بيع الحليب من /11/ ل.س إلى /15/ ل.س للقطاع العام و/15.75/ للقطاع الخاص، وكانت خطوة هامة في تحسين الوضع المالي مما سمح بتسديد قسم من الديون المترتبة على المؤسسة سابقاً..

خسارة المباقر الرابحة!
تعتمد المؤسسة في مصدر العلف أساساً على المؤسسة العامة للأعلاف، ولكنها تعاني من عدم توفر كسبة القطن والشعير والذرة الصفراء.. والسؤال المحير:
أين الأراضي الزراعية التي تملكها المؤسسة، وما هو دورها في تأمين الأعلاف؟؟
يتبع المؤسسة عدد من المنشآت المتخصصة في تربية المباقر في الرقة والحسكة وجبل رملة.. وبعض هذه المنشآت تحقق ريعية اقتصادية، وبعضها خاسرة.
لم يتخذ قرار بإعادة النظر بواقع هذه المؤسسة وتأمين مستلزماتها التي تعاني من مشاكل لا حصر لها ومن خسارات بالملايين، ولكن في 16/2/2009 اتخذ قرار بطرح منشأة مباقر «مسكنة» للاستثمار بالاتفاق مع الشركة السورية القطرية القابضة، علماً أن هذه المنشأة حققت ربحاً قدره /41.8891.000/ مليون ل.س عام 2008، وهي تقدم /40%/ من موارد المؤسسة، فلماذا تطرح هذه المبقرة الرابحة للاستثمار ولم تطرح المباقر الخاسرة؟
ولماذا الاستثمار أصلاً بعد أن حققت المؤسسة قفزة نوعية، وبعد أن انتقلت من مرحلة الخسارة إلى مرحلة الربح بعد تعديل الأسعار والانفتاح على الأسواق؟
 
العقد العجيب
في مذكرة التفاهم الموقعة ما بين وزارة الزراعة والإصلاح الزراعي والمؤسسة العامة للمباقر فريقاً أولاً، والشركة السورية القطرية للاستثمار القابضة المشتركة المساهمة المغفلة فريقاً ثانياً، أعطى العقد الفريق الثاني حق الانتفاع لمدة /99/ عاماً، وإدارة مشروع مسكنة لإنتاج الحليب والألبان والأجبان ومشتقاتها والعصائر، إضافة إلى أية غاية قد يقرر الفريق الثاني القيام بها في المشروع وتدخل ضمن الإنتاج الزراعي والصناعي. كما يمكن للفريق الثاني الاستفادة من  عملية تمويل «قروض مجمعة» سواء من مصارف محلية أو أجنبية، ويمكن الاستفادة من موجودات المشروع كضمانة للجهات الممولة للمشروع.
وهكذا قدمت مؤسسة رابحة على طبق من ذهب للمستثمر.. فـ/99/ عاماً يعني تملكاً وليس استثماراً، وفوق ذلك تقدم له أموالاً من البنوك لإقامة المشاريع تعجز الدولة عن إقامتها، وتقدم له كفالة وضمانة للبنوك، والسؤال: لماذا؟ ولماذا بقيت المؤسسة طوال /30/ عاماً تنتج الحليب فقط دون أن تفكر في إنتاج الألبان والأجبان والعصائر؟
أيضاً تنص مذكرة التفاهم على قيام الفريق الثاني بإجراء اختبار للعمال القائمين على رأس عملهم لدراسة إمكانية «استبقاء» أي منهم للعمل لدى الفريق الثاني، ولا يشكل حسب المذكرة أي التزام من الفريق الأول القيام بنقل العمال والموظفين إلى جهات أخرى... أما من يقرر الفريق الثاني إبقاءه فسيتم التعاقد معه. وعلى الفريق الأول تصفية حقوقه السابقة لتوقيع العقد، كما أن الفريق الثاني وفي حال استبقائه لعدد من العمال الحاليين ليس مسؤولاً عن أية علاقة عمل معهم سابقة لتعيينهم لدى الفريق الثاني مجدداً!!
إذاً، المستثمر فرض الشروط التي يريدها على الجهات الحكومية التي فرّطت بكل شيء: المنشأة والعمال والأموال، ومع ذلك مازالت تردد المعزوفة اليومية:لا خصخصة، ولا تسريح للعمال، ولا انتقاص من حقوقهم!!
 
المذكرة المبتورة
الاتحاد العام لنقابات العمال وجه كتاباً إلى القيادة القطرية بتاريخ 24/5/2009، وهو كتاب خجول باسم المكتب التنفيذي: «يأمل الاتحاد العام لنقابات العمل من القيادة القطرية الإطلاع والمساعدة لدى مجلس الوزراء والجهات المعنية صاحبة العلاقة لإعادة النظر بمذكرة التفاهم وبما يحفظ حقوق العمال ومكتسباتهم ويحفظ الحقوق العامة للدولة باعتبار أن المنشأة جزء من القطاع الاقتصادي العام..». والسؤال:
إذا كانت الحركة النقابية والحكومة فريق عمل واحد، ولا تناقض في اتخاذ القرار كما تقول أكثر القيادات النقابية، فلماذا لم توجه المذكرة لرئيس الحكومة؟ وكيف وقعت مذكرة التفاهم؟ هل وقعت في اللجنة الاقتصادية وهي مصنع القرارات الاقتصادية، وأين دور ممثل اتحاد العمال في اللجنة؟
كيف ترى الدائرة القانونية في وزارة الصناعة عرض شركة الإطارات على الشراكة والاستثمار انتهاكاً للدستور السوري ومخالفة فاضحة لمواده، وفي جانب آخر تقدم مؤسسة إنتاجية غذائية رابحة إلى المستثمر لامتلاكها على طبق من ذهب؟؟
تخبط اقتصادي واضح وفاضح، وهو في محصلته ليس إضعافاً للدولة بل إنهاك لها، والمسلسل مستمر!!

معلومات إضافية

العدد رقم:
408