من يلعب الدور الأساسي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؟ اقتصاد السوق مفهوم ديماغوجي وجاء إرضاء للبنك الدولي

إن الفرق الأساسي بين فرد وآخر بالمعيار الاقتصادي الاجتماعي هو الفرق بين منتج ومستهلك، وبما أن التناقض التاريخي ينشأ من أن إنساناً ما لا يستطيع لظروف وتركيبات اجتماعية غير منطقية أن يستهلك إلا أقل بكثير مما ينتج وآخر يستهلك أكثر بكثير مما ينتج. فإن كل إدارة اجتماعية واعية تتجه إلى أن تجعل القاعدة الأساسية لصنع النموذج الإنسان، الهدف هو الإنسان الذي يتكافأ تكافؤاً حياتياً مع استهلاكيه. حتى يتمكن من تطبيق المواصفات الإنسانية.
إن النموذج الإنسان ليس عنواناً شعرياً بل هو عنوان كل خطة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

الخطط التنموية
وضعت سورية 11 خطة للتنمية وفي جميع هذه الخطط كانت هناك صعوبات واختلالات، بل وتعمقت جذور الاختلالات وأصبحت معالجتها باهظة التكاليف اقتصادياً واجتماعياً وخصوصاً منذ الخطة العاشرة.
أبرز أوجه الخلل التي أصابت التوازنات الاقتصادية خلال السنوات الماضية، صعوبات تعاني منها الآن وتتفاقم، تجسدت في زيادة الانفاق الإجمالي وخصوصاً في شقه الاستهلاكي بوتائر عالية...
وزيادة الاعتماد على القروض والمساعدات الخارجية في تمويل الاستثمار وفي تمويل ورش عمل وندوات كانت نظرية فقط دون عمل ميداني ومن هنا برزت فجوة بين الاستثمار والإدخار المحلي في سياق الانفتاح واقتصاد السوق، زيادة الاستيراد مع تحرير التجارة بمعدلات أكبر من التصدير وزيادة التدفقات النقدية بمعدلات أكبر من التدفقات المادية المقابلة لها كما أن عدد التناسب الكمي والهيكلي كان واضحاً بين الاستثمار والناتج المحلي بسبب التشتت في توزيع الاستثمارات وعدم تكاملها كما يجب، سواء من حيث الطاقات وبرامج ووتائر التنفيذ أو من حيث التوسع في الاستثمار بما يتلاءم مع الطاقات الاستيعابية وتركيز الاهتمام على حجوم الاستثمار ورفع معدلاته دون عناية كافية باختيار أشكال الاستثمار وأساليب الإنتاج المؤدية إلى الاقتصاد في الانفاق الاستثماري القادر على خلق فرص أكبر للعمل والمنتج والمجزي وتحقيق أقصى إنتاجية من العمل وأقصى ريعية للأموال المستثمرة.

بلا حدود
لم يتم رسم حدود واضحة ذات أفق استراتيجي لنشاط القطاع الخاص، وتحقيق أقصى مساهمة له في عملية النمو من خلال ربط مصلحته بمصلحة التنمية.
حدث ذلك في خطط التنمية حتى العاشرة عندما كان القطاع العام يلعب دوره الأساسي في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
بل وحدث ذلك أيضاً في الخطة العاشرة والحادية عشرة بعد تبني اقتصاد السوق الاجتماعي.
 
ماذا حدث؟
لم يتم أيضاً رسم حدود واضحة ذات أفق استراتيجي لنشاط القطاع العام. أي أن المعادلة اختلفت عكسياً.. إعطاء الدور الأهم للقطاع الخاص وتجاهل دور القطاع العام والمشترك والتعاوني وقد تم ذلك بعد دفع رأس المال الخاص إلى قنوات المضاربة والربا والتجارة والسمسرة من القطاع العام والهجرة بأمواله إلى الخارج.
نعم، بعد تبني اقتصاد السوق أعطيت الألوية للقطاع الخاص دون فهم مضامين وأهداف القطاعات الأخرى.
وضع أمام القطاع العام في الخطط الخمسية التنموية المشروعات الكبيرة والاستراتيجية.. شركة الأسمدة شركة الإطارات، شركة الحديد، شركات الغزل والنسيج وغيرها، وتجمعت عنها خسارات لأسباب عديدة أبرزها: فساد إداري وخسارات أخرى لأسباب اجتماعية وأمنية واقتصادية وتركت المشروعات ذات الحجوم الصغيرة وذات المردود والربحية الكبيرة للقطاع الخاص وفوق ذلك تم عقد شركات في العلن وفي الظل بين العام والخاص للتغلغل في القطاع العام في المناقصات واستدراج العروض في التصدير والاستيراد بل وفي دعم الخاص في صناعات منافسة للعام وفي صناعات اللمسات الأخيرة التي لا تخلق قاعدة صناعية متحررة بقدر ما تزيد الارتباط بالسوق الخارجية وتعيق وتعرقل عملية التنمية وتحاصر القطاع العام.
 
مثال الخطة
تقول الخطة الخمسية العاشرة أن تحقيق معدل نمو 7% عام 2010 يحتاج إلى استثمارات بقيمة 1800 مليار ل.س، إذاً لابد من جذب استثمارات بـ 900 مليار ل.س وتقرر الخطة للقطاع العام الصناعي التمويلي 105 مليار ل.س استثمارات بشرط تخليص القطاع العام من الخسارة.
وقد جاء هذا الكلام عائماً دون وضع خطة لإصلاح القطاع العام أو وضع خطة لمكافحة الفساد ونهب الاقتصاد الوطني عن طريق التهرب الضريبي والسمسرة والارتزاق.
تقول الخطة: إن جملة واردات القطاع العام من ضرائب وهوامش الشركات النفطية عام 2004 هو 149.66 مليار ل.س أي 42% من نسبة الإيرادات # 69 وهذا الانخفاض في الإيرادات يعود إلى التهرب الضريبي وإلى اعفاءات وتشير الخطة إلى التراجع في الاستثمار الخاص دون بحث أو معالجة الأسباب الحقيقية، ولم تلحظ الخطة الجانب الاجتاعي في وقت تشير منه الأرقام إلى أن 30% من السكان فقراء وحوالي 3 ملايين مواطن لم يتمكنوا في الأعوام العشرة الماضية من الحصول على حاجاتهم الأساسية من المواد الغذائية لم تلحظ خطط التنمية هذه الجوانب لكنها أكدت على أن اقتصاد السوق يعمل ضمن شبكة الأمن الاجتماعي. وهذا مفهوم ديماغوجي وعائم وجاء إرضاء للبنك الدولي.
 
مفارقات كبرى
في الوقت الذي تقرأ هذه الأرقام تقرأ أرقاماً أخرى عن زيادة في الضرائب والرسوم على اصحاب الدخل المحدود وعن تراجع في الخدمات العامة كالمشافي والجامعات وغيرها.
في الخطة الخمسية العاشرة الأولى التي اعتمدت على التخطيط التأشيري كبديل للتخطيط المركزي بذلك تكون سورية قد طوت السير في «الطريق الاشتراكي» وفتحت الباب أمام الانفتاح الاقتصادي.
 
ونسأل هنا:
كيف يمكن أن يستفيد القطاع العام من التسهيلات التي فتحت للقطاع الخاص؟
لم تعط تسهيلات للقطاع العام وبقي ولا يزال أسير الروتين والتعقيدات ومكبلاً بالقوانين وفوق ذلك نطالب العام بزيادة الانتاج والتصدير والتوسع وكافة شركاته تشكو من قلة الاعتمادات اللازمة لتنفيذ أعمال الاستبدال والتجديد مع عدم التوسع في القطاعات الانتاجية وحتى عدم استخدام الاعتمادات المخصصة. وهناك مؤسسات عديدة كانت نسب تنفيذ خططها الاستثمارية صفراً أو دون 30%.
 
من الواقع
سألت أحد المدراء في شركة كبرى هامة:
لماذا لا نستخدم الاعتمادات المخصصة في شركات القطاع العام قال منفعلاً: يجب أن يكافأ المدير الذي لا يستخدم الاعتمادات لأنه لا يسرق ولا يسمسر على حساب القطاع العام.
المهم تم إيصال القطاع العام إلى هذا الوضع وكان الحل طرح شركات عديدة للاستثمار، الرابح منها والخاسر وتصفية شركات أخرى وفي هذه المعمعة قدمت للمتنفذين مواقع استراتيجية هامة، وفوق ذلك أغرقت الأسواق بجميع أنواع السلع دون حماية للمنتج الوطني تحت يافطة الشركات واقتصاد السوق علماً أن أغنى البلدان الرأسمالية كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا تفرض رسوماً وتسن قوانين على السلع الأجنبية المشابهة لصناعاتها.
بلجيكا وهولندا والدنمارك وبلدان عديدة تجيز لمن يتهرب من الضرائب أن يشتري سلعاً من إنتاج وطني ويقدم فواتير رسمية ويعفى نهائياً من الضرائب.
قدمت تسهيلات في سورية لا مثيل لها واستفاد من هذه التسهيلات بالدرجة الأولى القطاع الطفيلي دون أن تضبط عملياته والخطط التنموية لم ترصد هذا القطاع وبالتالي فقد كبر وتوسع بالتوازي مع ضعف قطاعات الإنتاج فوق ضعفها في القطاعين العام والخاص والمواطن يدفع الثمن.