قرار حكومي مرتقب سيرفع عجز الميزان النفطي بنحو 11 مليار ليرة سنوياً!

دون تبريرات أو مقدمات كشفت إحدى الصحف شبه الرسمية عن عزم الحكومة إعادة النظر بالعمولة النافذة لمادتي البنزين والمازوت لأصحاب محطات بيع الوقود في القطر، ونسبتّها لمصادر مطلعة، والتي أكدت تشكيل لجنة لدراسة الموضوع تضم ممثلين عن وزارة المالية، والنفط وشركة المحروقات، واتحاد غرف التجارة وغيرهم من المعنيين، ولكن التساؤل الذي لا بد من طرحه بالدرجة الأولى: هل سيتحمل المواطن تبعية رفع أرباح هؤلاء المستثمرين، وذلك من خلال زيادة أسعار المشتقات النفطية مستقبلاً؟! وهي على المقلب الآخر، ستعني زيادة أرقام العجز في الميزان النفطي، والتي ستدفعها الدولة من جيوب السوريين في المحصلة لتضعها في «خزنات» وثروات هؤلاء المستثمرين؟!

طرق نهب «مستعارة»!.
على اعتبار أن «هامش الربح» كما يدعون ضئيل جداً، والذي يبلغ 6 بالألف لمادة البنزين، و4 بالألف لمادة المازوت، فإنهم يقترحون توحيد عمولة المادتين معاً، وبنسبة تصل إلى 5% من إجمالي مبيعاتهم من المحروقات والمشتقات النفطية، وهذه النسبة القليلة لعمولتهم الحالية ظاهرياً، تطرح جملة من التساؤلات: كم هو إجمالي ما يتقاضاه أصحاب المحطات من وراء هذه العمولة حالياً؟! وعلى كم مستثمر كبير توزّع، إذا ما علمنا أن بعض المستثمرين يمتلكون عشرات المحطات أحياناً؟! وهل هذا الطرح يشكل سعياً من جانب البعض لتحويل المحطات من منشآت خدمية لتوزيع المشتقات النفطية إلى مطارح استثمارية رابحة للتوظيفات المالية؟! فإلى متى سيتسترون خلف تجارب دول الجوار المشكوك بنجاحها أساساً، لنهب المواطن السوري بشتى الطرق والوسائل؟!
 
المستفيد الوحيد
تغيير عمولة أصحاب المحطات باللوحة الإجمالية سيزيد عجز الميزان النفطي على مادتي المازوت والبنزين بنحو 10.675 مليار ليرة، فعوضاً من أن ترفد هذه المليارات إلى الخزينة العامة للدولة، فإنها ستستقر بجيوب مستثمري تلك المحطات، أي أن هذا الإجراء الاقتصادي -إذا ما جرى إقراره- فإنه سيساهم في زيادة تمركز هذه الكتلة النقدية في خانة الأرباح، بدلاً من كونها جزءاً من العملية الإنتاجية، وبالتالي، فإن عجز مؤسسة محروقات سيرتفع بنحو 10% تقريباً، وكل ذلك كرمى عيون أصحاب محطات الوقود..
 
زيادة الأرباح عشرة أضعاف
أرباح أصحاب المحطات أكثر من مخيفة لأن مبيعاتهم تقدر بعشرات أو مئات الملايين عموماً، إن لم نقل أكثر من ذلك، فالبداية ستكون من مادة البنزين، حيث يصل إجمالي ما يستهلكه السوريون من هذه المادة سنوياً إلى 2.5 مليار ليتر، أي أن قيمة المبيعات الإجمالية ستقدر بنحو 125 مليار ليرة سورية (2.5 مليار ليتر × 50 ليرة سورية)، وهذا يعني أن إجمالي الأرباح النظامية التي يتقاضاها أصحاب محطات الوقود على مادة البنزين فقط وفق العمولة الحالية (6 بالألف) تصل 750 مليون ليرة سورية، أما إذا ما تم تعديل عمولة المحطات إلى 5% كما تعتزم الحكومة حالياً، فهذا يعني أن إجمالي العمولة المفترضة التي سيتقاضاها أصحاب المحطات عندها سيصل إلى 6.25 مليار ليرة، وهذا سيزيد دخول وأرباح أصحاب المحطات بنحو 10 أضعاف في هذه الحالة، أي أن هذا سينتج 5.5 مليار ليرة إضافية، ستوزع كأرباح على أصحاب محطات الوقود، وهذا سيضاعف عجز الميزان النفطي بمقدار 5.5 مليار ليرة سنوياً، ولكن ماذا عن مادة المازوت أيضاً؟!..
 
وللمازوت حكايته أيضاً
استهلاك سورية من مادة المازوت يصل إلى 7.5 مليار ليتر سنوياً، أي أن السعر الإجمالي لما يستهلكه السوريون من مادة المازوت يصل إلى 7.5 مليار ليتر × 15 ليرة سورية = 112.5 مليار ليرة سنوياً، وهذا يعني أن أرباح محطات الوقود من العمولة على البنزين فقط تصل إلى 450 مليون ليرة، بينما ستصل أرباحهم الإجمالية إذا ما تم تعديل العمولة إلى 5% لما يقارب 5.625 مليار ليرة، وهذا سيزيد دخول وأرباح أصحاب المحطات أكثر من 12 ضعفاً في هذه الحالة، أي أن هذا سينتج 5.175 مليار ليرة إضافية ستوزع كأرباح على أصحاب محطات الوقود، وهذا سيضاعف عجز الميزان النفطي بمقدار 5.175 مليار ليرة سنوياً أيضاً!..
 
مقاربة الصورة
وعلى الضفة الأخرى، فإننا سنجري افتراضاً وسطياً لدخول أصحاب المحطات، والتي لا نعلم عددها بدقة، متجاهلين اختلاف تلك المحطات في الحجم (صغيرة، متوسطة، وكبيرة) والدخول الإجمالية، إلا أننا سنقارب الصورة وسطياً، فإجمالي عمولة أصحاب المحطات حالياً على مادتي المازوت والبنزين 1.2 مليار ليرة، وإذا ما افترضنا أن لدينا ألف محطة، وهو أقل من الرقم الواقعي طبعاً، فإن وسطي عمولة الواحدة منها سنوياً من هاتين المادتين سيكون 1.2 مليون ليرة لكل محطة، أما إذا جرى تعديل العمولة كما هو مقترح حالياً، فإن وسطي عمولة المحطة الواحدة منها سنوياً على هاتين المادتين سيصل إلى 10.7 مليون ليرة، أما إذا ما افترضنا أن لدينا 10 آلاف محطة، فإن وسطي عمولة الواحدة منها سنوياً من هاتين المادتين سيكون 1.2 مليون ليرة لكل محطة..
 
القرار.. من يخدم؟!
إذاً، فالقرار المزمع اتخاذه ليس بسيطاً كما يخيّل للبعض، بل إنه يُعدُّ واحداً من جملة قرارات تتخذها الحكومة حالياً، وقد اتخذت سواها الحكومات السابقة، والتي تساهم بإعادة توزيع الثروة لمصلحة الأرباح ورأس المال، والاستدلال على قولنا هذا ليس بالصعب، فمن المستفيد من رفع عمولة محطات الوقود؟! أليس مستثمرو وأصحاب تلك المحطات؟! وهل يمكن تصنيف هؤلاء ضمن طبقة أصحاب الدخول المحدودة؟! فالجميع يعلم أن أي قرار اقتصادي يخدم طبقة أو شريحة دون سواها، أو أن طبقة ما تعتبر هي المستهدف والمستفيد الأول من هذا القرار أو ذاك، وهنا نقصد بالشريحة الأغنياء أو الفقراء، وهذه الحكومة لا تختلف عن سابقتها في المنهجية المتبعة، لأن قراراتها تخدم أصحاب رؤوس الأموال، والذين لا يشكلون أكثر من 10% من الشعب السوري، بينما يتجاهلون أو ينسفون بقراراتهم مصالح 90% من السوريين الآخرين..