قاسيون. خاص قاسيون. خاص

وتكللت مطالب قاسيون بالنجاح.. الحكومة توقف استثمار شركات الأسمنت بقرار علني

دأبت صحيفة قاسيون منذ مدة ليست بالقصيرة على فضح وانتقاد كل أشكال طرح شركات القطاع العام على الاستثمار الخاص، وظلت تؤكد أن محاولات خصخصة تلك الشركات هي قضية وطنية بامتياز يجب على الجميع مناهضتها، وشعبية لا يمكن المساومة عليها أو التنازل أمامها مهما كلفها الأمر، وقد أخذت قضية الدفاع عن القطاع العام حصة جيدة من صفحات الجريدة بشكل عام، وكانت شركات الأسمنت واحدة من الشركات التي تناولتها قاسيون مراراً إما برفض خصخصتها وبيعها للقطاع العام أو بكشف وفضح الفساد الذي يلف ويحيط بها، أو بإعطاء الحقائق عن واقعها الإنتاجي والعمالي.

واليوم وعندما تأخذ الحكومة السورية قراراً علنيا بوقف استثمار هذه الشركات، فإنها توافق تماماً وتؤيد الطرح الإعلامي والسياسي والاقتصادي الذي تبنته طيلة سنوات برفضها لاستثمار هذه الشركات كونها تمثل مصدراً من مصادر قوة الدولة والاقتصاد والشعب في سورية، فهي في النهاية جزء من الأمن الاقتصادي السوري يجب عدم التفريط به أبداً ومنذ أيام فقط وافق رئيس مجلس الوزراء محمد ناجي العطري على كتاب وزير الصناعة رقم 108/ص .م.ه تاريخ 24/7/2006 المتضمن توقيف الدراسة الجارية لاستثمار شركات الاسمنت وإعادة التأمينات الأولية إلى العارضين المتقدمين لاستثمار هذه الشركات.

سنتاول في هذا العدد إحدى أهم هذه الشركات كنموذج للوقوف حقيقة على ما كان يرسم ويخبأ لكل شركات الأسمنت الأخرى وهذه الشركة هي شركة اسمنت حماة، والتي أثبتت بأن القطاع العام قادر على التعاطي مع كل الظروف بتوفير قليل من الدعم والاهتمام السياسي والاقتصادي، وأن هذا القطاع الذي يروج على أنه خاسر ويكلف الدولة الكثير من الأموال، ما هو كذلك أبداً في كل أجزائه، وتثبت وقائع شركة اسمنت حماة بأن هناك كبش فداء "اسمه قطاع عام" كان سيضحى به كي تمرر قوى الفساد العديد من مخططاتها، ولكن ذلك المخطط قد فشل وكان لقاسيون دور مباشر فيه بسبب فضحها المستمر لمثل تلك المخططات، وبسبب رفضها المستمر للتفريط بالقطاع العام كقطاع إنتاجي وطني، وكجزء من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في سورية، وينتج جزءا هاماً من الثروة الاقتصادية، وله أبعاد اجتماعية من المستحيل أن يقدمها القطاع الخاص فيما لو احتل دفة القيادة.

اسمنت حماة كانت أول الرافضين

كان المهندس عثمان الأمير المدير العام لشركة اسمنت حماة من أوائل الأشخاص الذين اعترضوا على مبدأ طرح شركات الاسمنت للاستثمار من القطاع الخاص، ولم يكن ذلك الاعتراض اعتراضاً مجانياً أبداً فالأمير له مبرراته والتي يقدمها بكل وضوح حيث يقول: إننا كقطاع عام نمر بمرحلة صعبة, حيث يطلبون منا الدخول في المنافسة والجودة علماً أن الجانب التشريعي /القوانين والأنظمة/ لم تتغير، ولا يزال نظام الولاية يتبع لعدد من الجهات الأخرى حيث تقوم وزارة المالية بالتسعير ولا بد من موافقة هيئة تخطيط الدولة، وهذه الحالة مربكة لنا بشكل كبير جداً.

من ناحية أخرى يقول الأمير‏ أن تطبيق اقتصاد السوق الاجتماعي يتطلب تعديل الأمور المتعلقة بالجانب التنفيذي، والمطلوب من القطاع العام أن يعمل كتاجر ولكنه يتعرض لعدد كبير من العراقيل في تنفيذ أي عمل وهو يرى أن السير باتجاه اقتصاد السوق يجب أن يكون في جميع الاتجاهات بدءاً بالأسلوب التنفيذي للعمل من اعتمادات وخطط وبرامج وانتهاء بطلب الجودة والمنافسة.‏ وضرب مدير شركة اسمنت حماة مثالاً على ذلك أن خطة التوقفات في المعمل حسب الخطة المعتمدة من هيئة تخطيط الدولة ووزارة المالية في عام 2005 كانت 45 يوماً وقد استطاعت الشركة تقليص هذه التوقفات إلى 14 يوماً فقط وذلك نتيجة التشغيل الجيد والمتابعة وقد تطلب ذلك استهلاك المزيد من الفيول والكهرباء أكثر من الكمية المخططة ونتج عن ذلك وجود طلبات مناقلة وإضافة اعتماد تحتاج إلى موافقة وزارة ا لمالية, ولكن ذلك كله يتطلب المزيد من الوقت والروتين لإنجاز هذا العمل.

توقعنا فشل المناقصات وهذا ما حصل فعلاً

مدير اسمنت حماة كان قد توقع مسبقاً فشل المناقصة التي انتهى تقديم الطلبات لها في 30/3/2006 والتي تتضمن طرح الخط رقم 2 من شركة اسمنت حماة للاستثمار لمدة 15 سنة حيث يبقى المعمل ملكاً للدولة وتكون الإدارة للشركة المستثمرة شرط أن يزيد الإنتاج إلى 75% من الطاقة الحالية خلال ثلاث سنوات كحد أقصى. وهذا ما حصل بالفعل فالمناقصة قد فشلت ويعزي المدير العام فشلها إلى أنه قد تقدم للمناقصة عدد من العروض العربية والأجنبية ولكن العارضين يواجهون إشكالية في وجود أقسام إنتاجية مشتركة بين الخطوط الثلاثة مقلع الحجر الكلسي - كسارة الحجر الكلسي وناقل الحجر الكلسي حيث يوزع إلى ثلاثة معامل وكذلك مقلع البازلت وكسارات البازلت وناقل البازلت الذي يوزع على ثلاثة معامل أيضاً.‏ وقال أنه لا يمكن نجاح تجربة الاستثمار إلا بطرح ثلاثة خطوط لأن إدارة المقلع وهي العملية الأهم في صناعة الاسمنت تعود للدولة, وهذا ما يدعو معظم العارضين للرفض.‏

ويختم المدير حديثه: بالقول أن صناعة الاسمنت في سورية تواجه منافسة عالمية شديدة بعد أن تم السماح باستيراد الاسمنت من قبل القطاع العام والخاص وبالتالي يجب على القطاع العام أن يعمل وفق اقتصاد السوق وما يتطلبه هذا الاقتصاد (قانون التجارة فقط).‏ ثم المحاسبة على النتائج وأضاف: علمنا بعد ارتفاع أسعار الاسمنت أن هناك عدداً من التجار سيقومون باستيراد الاسمنت قريباً وهنا ستكون المنافسة أشد ونحن مضطرون لمواجهة هذه المنافسة.‏

بعد فشل المناقصات زاد الإنتاج

إثر فشل المناقصات المقدمة لاستثمار الشركة كما كان متوقعاً، وإثر الإصرار على رفض خصخصتها، استطاعت الشركة أن تثبت أن القطاع العام قادر على زيادة إنتاجه، وعلى إدارة ذاته بذاته إن توفر له التمويل المناسب، والرعاية الحقيقية، فقد أنجزت شركة اسمنت حماة خطوة هامة في مجال التطوير وزيادة الإنتاج وتوفير استهلاك الطاقة والفيول إلى أدنى حد ممكن وبالتالي تحقيق ريعية أكبر تجلى هذا التطوير في أن الشركة قامت بإجراء خطوة نوعية باتجاه تطوير المعمل رقم /2/ لزيادة طاقته الإنتاجية باستبدال المبرد القديم بمبرد جديد من نوع /كروسبار/ حيث يعتبر من أحدث أنواع المبردات في الشرق الأوسط وتم تركيبه بإشراف خبراء مختصين من شركة (FLS) الدانماركية.‏

يعمل هذا المبرد على توفير الطاقة والفيول وإلغاء فترات التوقف التي كانت تعاني منها الشركة, ويؤدي إلى تخفيض مصاريف الصيانة المستمرة، وتصل قدرة المبرد الجديد الاستيعابية إلى 1500 طن يومياً, وهذا ما يسهم بزيادة في إنتاج الاسمنت تصل إلى /200/ ألف طن سنوياً.‏ وقد كانت الشركة قد حققت خلال النصف الأول من هذا العام نسبة تنفيذ بلغت 101% من خطتها المقررة رغم انخفاض معدل التنفيذ في المعمل رقم /2/ لإنتاج الكلنكر بسبب توقف الفرن لمدة شهر طيلة فترة تركيب مبرد الكلنكر وكانت الشركة قد حققت أرباحاً جيدة خلال السنوات الماضية حيث بلغت أرباحها في العام الماضي /261/ مليون ليرة, رغم التوقفات وإجراءات الصيانة الدورية.‏ وهناك توقعات أن تزداد هذا العام إنتاجية الشركة وبالتالي ريعيتها بعد تطوير آلياتها مع العلم أن دراسة الجدوى الاقتصادية لتطوير معدات وآلات الشركة أثبتت ضرورة السير في عملية التحديث والتي تحتاج إلى رصد 500 مليون ليرة لاستبدال مجموعة من المحركات القديمة وإجراء تعديلات كاملة لزيادة الإنتاجية والريعية

تراهن الشركة على المستقبل وتتحدى القطاع الخاص الذي روج بأنه منقذها وهي الآن تضع برامج مستقبلية بعد دخول القطاع الخاص في مجال صناعة الاسمنت وحدوث المنافسة المتوقعة وأن تنوع إنتاجها حسب الضرورات وكذلك إنتاج أكياس من الاسمنت متنوعة الأوزان تلائم احتياجات المستهلك والمرونة في الانتقال من منتج لآخر بأسرع وقت وأقل كلفة ممكنة, وهذا الأمر يحتاج إلى إجراء تجارب وتعديلات في أقسام الشركة ستقوم بها عند اللزوم بشكل فعلي وأمام هذا الوضع التنافسي القادم بدأت الشركة ببذل جهود كبيرة لتخفيض أيام الصيانة المخططة من 45 يوماً إلى 14 يوماً فقط في المعمل رقم 2 ومن 30 يوماً إلى 12 يوماً في المعمل رقم 1 وبذلك تكون الشركة قد ساهمت في توفير مادة الاسمنت التي تحتاجها السوق المحلية واستثمار طاقة الطحن المتوفرة في الشركة وتشغيل مطاحن الاسمنت بأقصى طاقة ممكنة وبالتالي خفض التكاليف وصولاً إلى توفير كبير في استهلاك الطاقة الكهربائية.‏

كلمة لا بد منها

تشكل شركة اسمنت نموذجاً جيدا لفهم العقلية التي يتعامل معها الفريق الاقتصادي مع القضايا الاقتصادية المصيرية، ففي حين تهمل عشرات الشركات الخاسرة وتترك تغرق في خسارتها، ودون أن تعالج تلك الخسارات، بل لستخدم كذريعة للتخلي عن القطاع العام، كادت الحكومة أن ترتكب أحد أهم أخطائها الاقتصادية والاجتماعية بتخليها عن أهم الشركات والرابحة أيضاً للقطاع الخاص، وعلى ما يبدو أن قوى الفساد كانت تبحث على الدوام عن وليمة شبه جاهزة للانقضاض عليها، وكانت الوليمة هذه المرة هي شركات الأسمنت...لكنها فشلت وتبخرت أحلامها.