الجدوى الاقتصادية لتشييد مدينة صناعية في جباب
تشكلت القرى والتجمعات السكنية منذ القدم بالقرب من مناهل المياه وعلى الأراضي الزراعية الخصبة. والآن هنالك أكثر من 60% من مساحة البلاد تكاد تكون خالية من السكان. من الرشيد اقتصادياً إعادة توزيع التجمعات السكنية لتغطي كامل مساحة الوطن. إنه من الملح جداً أن نخطط منذ الآن لتشييد مئات المدن الصناعية والسكنية الرديفة حتى عام 2050، حيث من المتوقع أن يتضاعف عدد السكان أكثر من مرة فيصل إلى نحو 70 مليون نسمة، إذا لم يستقر العدد قبل ذلك على رقم أقل.. فرص العمل المستقبلية ينتظر أن تتشكل في الصناعات التحويلية وفي اقتصاد المعرفة، ولا يجوز أن يستمر التوسع العمراني عشوائياً، كما هو جار الآن وعلى الأراضي الزراعية. يجب أن تشاد جميع المدن الصناعية والسكنية حصراً على أراضي أملاك الدولة ليصبح سعر الأرض رمزياً، ولتنخفض كلفة البناء كثيراً، ويجب أن تكون الأراضي غير صالحة للزراعة، حفاظاً على الموارد الاقتصادية الطبيعية، كالأراضي الصخرية والرملية، كما أنه يجب أن تشاد في كل المحافظات دون استثناء متوزعة على كامل مساحة كل محافظة. ولا نكتفي بتشييد مدينة صناعية واحدة في مركز كل محافظة، فنكرس بذلك التوزع غير الرشيد عمرانياً واقتصادياً ومن وجهة النظر الاستراتيجية المتعلقة بالأمن القومي. وعلى سبيل المثال:
تبلغ مساحة محافظة حوران 373 ألف هكتار وتتوزع كماهو ظاهر في الجدول:
إذا استمر التوسع كما هو قائم حتى الآن على الأراضي الزراعية (العمراني) فسنخسر 75 ألف هكتار إضافية يشغلها العمران من مدن صناعية وسكنية ومرافق عامة حتى 2025، وسنخسر حتى 2050 قرابة 150 ألف هكتار أخرى من الأراضي الزراعية، على افتراض أن السكان يتضاعفون كل ربع قرن. وعلى فرض أن مساحة العمران تزداد طرداً مع زيادة عدد السكان. وعلى فرض أن عدد السكان لم يستقر على عدد أقل قبل ذلك، وأنه لم تتم هجرة داخلية من محافظة حوران إلى محافظات أخرى قليلة الكثافة السكانية!
أراض زراعية
لن يبقى في منطقة حوران، والتي كانت على مر العصور مخزن الغلال بالنسبة لسورية. وستكون تلك كارثة اقتصادية علينا أن نتفادى حدوثها منذ الآن. بلغ عدد سكان محافظة درعا 913 ألف نسمة في 01/01/2005 وبلغ عدد المتواجدين منهم في القطر 846 ألف نسمة في التاريخ ذاته. يبحث الكثيرون عن فرص عمل خارج المحافظة، وربما خارج القطر. يتوزع السكان على 11 مدينة و19 بلدة و224 قرية ومزرعة. من الرشيد التخطيط لتشييد عدة مدن صناعية وسكنية جديدة، والتي قد تكون نواتها إحدى المدن أو البلدات أو القرى، بحيث تنتشر على كامل مساحة المحافظة، وعلى محاور النقل القطرية والعربية والدولية خارج الأراضي الزراعية وخارج المناطق الأثرية. نصحح بذلك التوزع العمراني الخاطىء على مستوى المحافظة.
تم حتى الآن الانطلاق من نظرة ضيقة جزئية، بالتالي خاطئة بحيث يعتبر مركز المحافظة نفسه بديلاً للمحافظة. هكذا تم اختيار مدينة عدرا الصناعية ليخدم دمشق ومدينة الشيخ نجار ليخدم حلب والحبل على الجرار. إن تحديد موقع خاطىء اقتصادياً لموقع مدينة صناعية يسبب آثاراً سلبية، لها كلفة باهظة اقتصادياً واجتماعياً يتوجب على الأجيال المقبلة أن تدفعها. أقيمت مدينة عدرا الصناعية على أراضي زراعية ودفع ثمنها أكثر من مليار ليرة سورية، وأقيمت مدينة الشيخ نجار في حلب على أراضي زراعية أيضاً ودفع ثمنها مليار ليرة سورية، فهل يتكرر الأمر في محافظة حوران؟
أتختار رموز الفساد الإداري مواقع المدن الصناعية، بقصد تعظيم أرباحهم أم أنه الجهل تقتضي مصلحة الاقتصاد الوطني تصحيح هذه الأخطاء الاستراتيجية منذ الآن وتكليف بيوت الخبرة العربية المحلية باختيار مواقع المدن الصناعية والسكنية المستقبلية حتى 2050 السياسة المنفذة حالياً تصحر القطر وتبدد موارده الاقتصادية وتكرس توزعاً عمرانياً خاطئاً، فتتوسع مدن الصفيح بشكل سرطاني، يتيح التوزع العقلاني بقاء السكان في تجمعاتهم السكنية من مدن وقرى والسفر للعمل في المدن الصناعية بعد ذلك إلى مساكنهم وعند تطوير شبكة من الخطوط الحديدية الكهربائية السريعة.