في ندوة الثلاثاء الاقتصادي د. ابراهيم العيسوي: تفكيك العولمة يحتاج إرادة وطنية وتأييد الشعب والتحرر من الفساد
قدم الدكتور إبراهيم العيسوي محاضرة عن أثر تحرير التجارة على النمو والبطالة والفقر شارحاً فيها الاستراتيجيات المرسومة من أجل مكافحة الفقر والسياسات البديلة لزيادة النمو، والتدرج في إعطاء الأسبقية من أجل تحرير الواردات، وأثر الانفتاح العولمي على اقتصادات الدول العربية واسترجاع دور الدولة وتكريس منهج الانكماش، وتوصل العيسوي إلى خلاصة مهمة جدا هي أن "يجب تفكيك العولمة" كما لا يجب علينا الأخذ بكل مكوناتها أو رفضها بالكامل فالعولمة برأيه ظاهرة قابلة للتفكيك.
الليبرالية الجديدة تدميرية
إن ما نسميه اليوم بالليبرالية الجديدة اليوم يتطابق تماما مع توافق واشنطن وجنيف الذي طبق خلال الثلاثين سنة الماضية ذلك النموذج المؤلف من عدة عناصر هي اقتصاد السوق المفتوح وتحرير التجارة وتحرير الاستثمار والدعوة إلى تقليص الإنفاق الإنتاجي الحكومي بالإضافة إلى التحرير المالي بحيث ينتهي النموذج بالنمو المتجه إلى الخارج.
من هنا فحركات مناهضة العولمة لا تحتاج إلى بيان مع اعتراضات العمال في دول كثيرة ضد الخصخصة، وما نراه في أمريكا اللاتينية من تغييرات وظهور حكومات يمكن تسميتها باليسار الوسط لأن فيه تحالفاً شعبياً منحازاً للقوى الشعبية الهائلة فيه دون أن نقول عنها أنها حكومات اشتراكية أو شيوعية. وحسب التقرير الصادر عن الأمم المتحدة فإن معدل النمو في الثمانينات في كل من دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا ودول شرق آسيا كان 1% وانخفض هذا الرقم في عام 1990 ونتيجة لذلك فإن تخفيض عدد الفقراء في أفريقيا سيكون بحلول عام 2147 وتخفيض نسب الجوع في مصر ستتأجل إلى عام 2165.
لذلك العلة ليست بسوء تطبيق السياسات التحريرية وإنما في السياسات التحريرية ذاتها فهي بطبيعتها ضد البيئة ولا تحترم الإرادة الوطنية وتحاول تطبيق سياساتها دون أخذ الاختلاف بين الدول فهي تطبق على بريطانيا وأفريقيا بنفس الدرجة.
ويضيف د. العيسوي بأنه لتقييم هذه السياسات لابد من النظر في المحاور الأربعة التابع لها وأولها تحرير التجارة واندماجها في الاقتصاد العالمي وثانيها الأخذ بمقولة السوق الحرة والاعتماد على المبادرات الصغيرة وثالثها دعم الاستثمار الأجنبي والشركات المتعددة الجنسية ورابعها التبعية الاقتصادية، ويرى العيسوي أن الذي دعا إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1947 هو تفشي ألوان مختلفة من الحماية وخاصة حماية الصناعة الناشئة سواء بالتعرفة الجمركية أو بالأساليب الملتوية أو ما يسمى بالمناطق الرمادية في التجارة، وإن مايميز هذه التجربة التدرج في التحرير والالتحاق بالعولمة من خلال غزو أسواق العالم تحت حجة التحرير.
والمفاتيح في هذه التجربة كانت واضحة من خلال الدولة التنموية التي تتبنى سياسات صناعية طويلة الأمد والتدخلات الانتقائية أو التميزية والتدرج في التحرير والاقتصاد تماشياً مع مزايا التنافسية والضوابط على حركة السوق لتفادي العِشوائية وتفادي الشغب.
السيادة الوطنية شرط للتنمية
في الحديث عن تقرير التنمية البشرية الذي صدر عام 2005 يقارن العيسوي بين معدل النمو في فييتنام الذي يعادل 5% وفي المكسيك البالغ 1.4% وحسب التقدير واستنتاجاته فإن الفيتنام باشرت بالتحرير بشكل تدريجي وأعطت الأسبقية لنمو الصادرات على تحرير الواردات وتنوعت في تسويق الصادرات والأهم من ذلك أن فييتنام تعتبر دولة شيوعية لها سياسة صناعية استهدافية لتوسيع قاعدة النمو وهذا ماكان عليه العكس تماماً في المكسيك والمغزى من المقارنة هو أن أي تنمية لن تحصل من دون السيادة الوطنية بمتطلبات تجارة ذات التوجه الإنمائي وفي دراسة للمعهد العربي للتخطيط حول أثر الانفتاح والعولمة على النمو والاقتصاد وفي الدول العربية يشير التقرير إلى اتساع الهوة بين الطبقات الغنية والسكان وأثر العولمة على الطبقات الوسطى والفقيرة، لذلك فإن الاعتماد على السوق الحرة يدعو إلى الشك دائماً في أهدافها وبصفة أساسية آليات السوق في تحقيق الدخل والتخطيط من اجل التنمية.
القطاع الخاص ينمي الأخطاء
ويرى العيسوي أن الاعتماد على القطاع الخاص وكسب رأيه قد ينتج تنمية من الأخطاء الكبرى للسوق لأن التنمية برأيه بحاجة إلى عملية جراحية كبرى والمعروف أن النظام الرأسمالي وحرية السوق والاعتماد على القطاع الخاص لا توفر استثمارات كافية للمرافق والخدمات الأساسية وهذا ما حصل بالضبط مع إعصار كاترينا في الولايات المتحدة الأمريكية وطبعاً لم نكن نتوقع أكثر من هذا من أمريكا وما أفسدته كنظام رأسمالي.
هناك ثلاثة عشر شرطاً لنجاح السوق بالإضافة إلى أحد عشر نوعاً من الممارسات القانونية والاقتصادية التي يجب توافرها حتى تعمل السوق بنجاح ومنها توافر الثقة بين المتعاملين وسيادة القانون والنظام وتوافر الحماية للممتلكات، التوفيق بين المنافسة والتعاون، تقسيم المسؤوليات والفصل بين السلطات وخاصة السلطة القضائية، توافر النزاهة والأمانة أي القضاء على الفساد وكلياً والتأمين الاجتماعي.
علينا حماية القطاع العام والتحرر من الفساد
لذلك لا يمكن تحقيق التنمية بالمعنى الدقيق للكلمة بغياب التدخل النشط للحكومات بعيداً عن الحكومات الفاسدة والحكومات الدكتاتورية المعتمدة على الليبرالية الجديدة وهذا مقرون بتحولات في نظم الحكم باتجاه الديمقراطية والتحرر من نظم الفساد والدعوة إلى حماية القطاع العام كوحدات اقتصادية وعدم فرض اسعار جذرية عليه حتى نحميه من الخصخصة التي تفرض عليه أحياناً من البنك الدولي تحت حجة صعوبة الإصلاح والأفضل بيعه.
ويسأل العيسوي: هل أدت الموجة الهادرة للعولمة إلى زيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي فعلاً كما يقال؟ على هذا السؤال يجيب: نعم زادت ولكن لصالحها وعلى حساب القطاع العام الجاهز للاستثمار من دون تقديم أية خسائر من قبل المستثمرين وبالنتيجة فإن زيادة الاستثمار الأجنبي أدى ويؤدي إلى الانتقاص من السيادة الوطنية في حين أن التنمية تفترض السيادة الوطنية والأمن القومي.
بالإضافة إلى انتشار الرشوة والفساد في الجهاز المصرفي والمصارف المالية في أعقاب تحرير وتشجيع سياسات المضاربات وثقافة المضاربات وخير دليل على ذلك ما يحدث في البورصات العربية ووراء كل صعود هناك هبوط حاد والضحية الأولى هم صغار المستثمرين الذين وقعوا ضحية التفكير بالربح السريع. وهذا جزء من الوظيفة التي يؤديها صندوق النقد والبنك الدوليين ومنظمة التجارة العالمية ومنتدى الاقتصادي العالمي وكلها تسعى لهدف واحد وهو الترويج لليبرالية الاقتصادية ونشر النظام الرأسمالي على أوسع رقعة من العالم.
الديمقراطية تعتمد على الشعب
وأكد العيسوي أنه على الدول العربية والاقتصاديين العرب إيجاد البديل عن هذه السياسات، سياسات الليبرالية الجديدة المدمرة وذلك بإعادة النظر بكلمتي (الاستقلال، العولمة) أو تفكيك العولمة. أي توفير التنمية المستقلة بتوفير أكبر قدر ممكن من الحرية للإرادة الوطنية الجبارة المستندة إلى التأييد الشعبي الحقيقي في مواجهة عوامل الضغط التي تفرزه آليات ومؤسسات الرأسمالية العالمية ومن ثم القدرة على التعاون مع الأوضاع العالمية بما يصون المصالح الوطنية وبما يخدم أهداف التنمية إن الاستقلال نقيض للتبعية، وفي حالة الانتقال من التخلف إلى التنمية على الدولة التدخل بوسائلها المختلفة لضبط الاستهلاك والاستيراد من أجل زيادة الادخار والسيطرة على الفائض الاقتصادي وهذا كله ضد مرحلة تحرير التجارة التي نحن بصدها والعنصر الثالث في هذا البديل هي المشاركة الديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والدخل كأمر ضروري لأي استراتيجية تعتمد على المجتمع وقوة الشعب، وهذا الطريق ليس سهلاً وفي الظروف الحالية سيواجه عقبات والضغوط الخارجية قد تصل إلى حد العقوبات بالتزامن مع قوى داخلية مرتبطة مصالحها بالشركات الدولية الأجنبية
واستثماراته من أجل الاستعداد لصد هذه السياسات لابد من تغيير في سياسات الأنظمة الحاكمة بنقل سلطة الحكم إلى قوى سياسية تتبنى هذا الاتجاه وللأسف أغلب الدول العربية لا تتبنى هذه السياسة في التغيير أبداً، لذلك لابد من عملية نضال سياسي يشترك به الشعب لوضع خطوط دفاع داخلية قوية بإرادة وطنية على غرار تجربة دول أمريكا اللاتينية التي غيرت مسارات دول بأكملها من سلطة الشعب نفسه بمواجهة الإمبريالية العالمية وضرب مصالحها الاقتصادية في دولها.
واختتم محاضرته بالقول إن حكامنا في غيبوبة عما يجري في البلدان العربية وأصبح التضامن العربي تضامناً عربياً أمريكياً وأوروبياً ضد شعوبها.
تعقيبات على الندوة
وبعد أن أنهى العيسوى محاضرته قدم مجموعة من الاقتصاديين السوريين جملة من المداخلات كان أهمها:
د. نبيل سكر: يبنى المنطق الاقتصادي لتحرير التجارة على أساس أن التدفق الحر للسلع بين الدول يؤدي إلى الشراء من المنتجين والموردين الأكثر كفاءة، مما يؤدي إلى توجه رأس المال إلى الصناعات الأكثر إنتاجية، بينما يؤدي وجود الحواجز الجمركية وغير الجمركية إلى قيام صناعات غير كفوءة، تعيش وتكبر وراء جدران حمائية، وبتوجه رأس المال نحو الصناعات الأكثر إنتاجية، تتعزز عملية النمو وتخلق فرصاً للإنتاج والاستثمار، وهذا بدروه يخلق فرصاً للتوظيف وبالتالي يخفف من البطالة والفقر، ولكن إذا سلمنا بأن نظام التخطيط المركزي لا يمكن العودة إليه مهما بلغت محاسنه أو مساؤه وإن نظام حرية التجارة قدر لابد منه في عالم اليوم، خاصة مع دخول 140 دولة في منظمة التجارة العالمية، يصبح السؤال كيف نتأقلم مع النظام الاقتصادي العالمي ،الجديد مثلما تأقلمت معه الصين والهند وقبلها دول آسيا الشرقية ومثلما تتأقلم معه اليوم بعض من دول أوروبا الشرقية والوسطى.
صحيح أنه لا يمكن استنساخ تجربة النمور الآسيوية في عالمنا العربي في ظل ظروف تاريخية وجغرافية وعلاقات اقتصادية مختلفة، ولكن كيف نستفيد من هذه التجربة في التأقلم مع النظام الاقتصادي العالمي الجديد والذي تحكمه منظمة التجارة العالمية.
د. أيمن كيوان: من المعلوم أن الأمم المتحدة أصبحت حجراً بيد الأمريكان فكيف نعتمد بكل إحصائياتنا الاقتصادية على تقارير الأمم المتحدة ومنظماتها. وأصبحت سياسة البنك الدولي مفبركة في السياسة الدولية التي هدفها النهائي في منطقتنا مع منظمة التجارة العالمية مدخل إلى تحقيق الشرق الأوسط الكبير والمنطقة العربية بالأخص.
د. عصام الزعيم: مع كل التجارب التي ذكرها المحاضر إلا أنه أغفل التثبيت المالي والنقدي وأثره على النمو والبطالة والتطور ، فالتثبيت المالي يؤدي إلى تقليص دور الدولة في الاقتصاد وإما تقليص الأموال الجارية الذي هو جزء من التثبيت المالي.
وبالتالي تقليص الأجور وإلغاء العلاوات، يؤدي ذلك كله إلى زيادة الفقراء فقراً وزيادة أصحاب الدخل المحدود، وفي محاضرته اعتمد على الدور أو التطور التدريجي مع العلم أن الدول النامية بمعظمها اندمجت مع منظمة التجارة العالمية والدول التي لم تندمج معها كسورية اندمجت مع تلك الدول وعندنا تريد سورية الانضمام يجب التفكير ملياً قبل الدخول وأظن أن سورية استعجلت في دخولها للشراكة بالرجوع إلى المناخ المتغير والتحليل الصحيح في المناورات الجارية بين جميع الدول.
د. حيان سلمان: أظن أن من أهم النقاط التي تناولها المحاضر هي تفكيك العولمة التي بدأنا نتلمس تفككها من الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأمريكية لكن كيف يمكن إعطاء أنزيمات لهذه التكتلات من أجل تفكيك العولمة التي أراها مرتبطة جداً بمفهوم الأمركة وإن تسمية الشركات المتعددة الجنسية كذبة كبرى فلا توجد شركة وإلا لها ولاؤها وهنا يأتي ويؤكد دور الدولة التدخلي.
د. رزق الله هيلان: إن الدخول التدريجية لمنظمة التجاربة العالمية لا يعتبر دخولا ًناجحاً فما هو الضمان أن يكون هذا التدخل التدريجي مختلفاتً عن دور الدولة كما حصل إصلاح القطاع العام فقضية التنمية بحاجة إلى إعادة نظر بكل مسارها بمجموعة من التحولات فكيف انتقلنا بكل مسارها بمجموعة من التحولات فكيف انتقلنا من حضارة متقدمة إلى حضارة متخلفة إذاً ما هو البديل عن منظمة التجارة العالمية ها لم ينبه إليه المحاضر.
■ متابعة وإعداد: علي نمر
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.