التطور المستقبلي للاقتصاد يتوقف على تفعيلها.. المزايا النسبية والمطلقة غير المستثمرة في الاقتصاد السوري..
هناك الكثير من نقاط الخلل الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد السوري، والتي تعود إلى سنين سابقة، وهذه الاختلالات تعمقت كثيراً بفعل السياسات الاقتصادية التي تم إتباعها مؤخراً، مما ساهم في تعميق أزمة الاقتصاد السوري، وهذا يحتم البحث عن المخرج لهذه المشكلات من خلال اعتماد البدائل الممكنة لإخراج الاقتصاد السوري من واقعه الحالي.. فأوجه هذه الأزمة تتجلى باستمرار اعتماد السياسات الاقتصادية على المزايا النسبية التي يملكها الاقتصاد السوري ضمن الحدود الدنيا، ونسيان العديد من المزايا المطلقة المتوافرة التي يمكنها أن تعزز مكانة هذا الاقتصاد، أو تفعّيل المزايا النسبية بتحويلها إلى مطلقة، فما هي هذه المزايا؟! وكيف يمكن تفعيلها؟!
نعم للحل الجذري
البحث عن مكامن الضعف والقوة في الاقتصاد هو الحلقة الأساس على طريق تفعيله، هذا التفعيل المرتبط أساساً برفع القيمة المضافة له ولموارده، فالمواد الخارجية غير متوفرة اليوم في ظل الأزمة الحالية، والاستثمار شبه متوقف، لا بل إن التعويل على هذه الاستثمارات بالأساس كمخرج لأي اقتصاد لا يعد نوعاً من الرشاد الاقتصادي، لأن الحل الجذري يتمثل في الموارد الداخلية، ولكن، أين هذه الموارد؟! فهل العمل على أساس المزايا النسبية التي عمل بها للاقتصاد السوري تاريخياً (قطن، نفط، ...إلخ) يكفي، أم يجب الذهاب إلى المزايا المطلقة في الاقتصاد، والتي لم نعمل عليها حتى الآن؟! خصوصاً أن الاقتصاد السوري قد شهد تطورات محدودة خلال الأربعين عاماً الماضية بالاعتماد على المزايا النسبية فقط، وضمن أطر ضيقة جداً!..
«الصادرات الخام» سيد الموقف
يعتمد الاقتصاد السوري التقليدي على الكثير من المواد الأولية، والقليل من الفكر، وبالتالي هناك انخفاض في القيمة المضافة الناتجة مقارنة مع الاقتصاد المعرفي الذي تكون فيه المواد الأولية المستخدمة قليلة، وينتج قيمة مضافة عالية، فالنظر إلى الميزان التجاري السوري يدعم هذا الادعاء الذي ندعي موضوعيته، حيث إن 50% من الصادرات السورية تكون على شكل مواد خام (أكثر من 250 مليار ليرة)، والجزء الباقي يتوزع على شكل مواد نصف مصنعة، وأخرى مصنعة، وهذا يؤكد حقيقة أن الاقتصاد السوري لا يزال بجوهره تقليدياً ، لأن الجهات المعنية لم تسعَ لتطويره باتجاه تعظيم فائدة موارده..
فسورية تنتج اليوم 700 ألف طن من القطن تقريباً، وكان الرقم يتجاوز 1 مليون طن في الماضي القريب، إلا أن سورية لم تستفد من هذه المزية النسبية لأقطاننا إلا من خلال تصدير الجزء الأكبر منها كمادة خام أولية (خيوط وغزول)، ومثل ذلك إضعاف وتحجيم لهذه المزيَّة النسبية التي يرتكز عليها العديد من الصناعات مثل صناعة وحلج الأقطان، و الخيوط القطنية، وصناعة المنسوجات، والأقمشة القطنية، وصناعة القطن للاستخدامات الطبية والصناعية، وكذلك صناعة الزيوت من بذور القطن "، لكن هذا لم يتم إلا بشكل جزئي وبسيط.. والدراسات الاقتصادية تؤكد أن تصنيع الأقطان قبل بيعها يرفع القيمة المضافة لها بمقدار 12 ضعفاً، وهذا يعني أيضاً، وعلى الضفة الأخرى تشغيل أيدي عاملة كبيرة في مراحل الإنتاج المختلفة من جهة، وتطور الصناعة الوطنية وتنمي إمكاناتها، كما أنها تعظم درجة الاستفادة من الميزات النسبية عبر تحويلها إلى مزايا مطلقة بهذه الحالة..
وميزة «النفط» تسقط سهواً
والنفط الخام ليس بمزية أقل أهمية من القطن، فسورية التي سارت لعقود على منوال تصدير النفط الخام وشراء المشتقات النفطية لا يمكن أن تستمر على هذه الحال، وهذا يدخل في إطار ضرورة تفعيل المزايا النسبية للاقتصاد السوري، فثلث النفط السوري يصدر خاماً (قرابة 150 ألف برميل يومياً)، مقارنة بإنتاج يبلغ نحو 385 ألف برميل يومياً، وفي المقابل فشل في مشاريع المصافي الثلاث التي لا تزال متعثرة، والمعلن عن إنشائها منذ العام 2007..
فمن المستغرب أن يباع جزء من النفط السوري خاماً، بينما نجد دولاً تستورد كامل حاجتها النفطية خاماً لتقوم هي بتكريره، وتأمين حاجة سوقها المحلية من المشتقات النفطية، لا بل إن هذه الدول تبيع مجدداً هذه المشتقات إلى الدول التي استوردت منها النفط الخام، ولكن بأسعار مضاعفة بالتأكيد، فكوريا الجنوبية -غير المنتجة للنفط- تستورد 85% من احتياجاتها النفطية خاماً من الشرق الأوسط، ومن دول الخليج العربي وإيران أيضاً، والمفارقة هي أن كوريا تمتلك ثاني وثالث أكبر المصافي النفطية في العالم بعد مجمع التكرير- باراغوانا في فنزويلا، وذلك حسب تصنيفات مجلة النفط والغاز العالمية، كما تمتلك هولندا غير المنتجة للنفط أيضاً، أكبر المصافي على المستوى العالمي، وإحدى مصافيها تحتل المرتبة 19 عالمياً بطاقة إنتاجية تصل إلى 416 ألف برميل يومياً.
فإنشاء مصفاة للنفط يكلف 2 مليار دولار أو أكثر بقليل، وهذا الرقم قد يعتبره البعض كبيراً، ولكن التفكير بشطب المشتقات النفطية من قائمة المستوردات، إذا ما تم إنشاء مصفاة نفطية ثالثة فقط، فهذا يعني توفير بمقدار عشرات المليارات سنوياً بالحد الأدنى من قيمة المشتقات النفطية المستوردة بأسعار عالية، أفلا يستحق ذلك تفعيل هذه المزية النسبية بجعلها مطلقة، لأنها بحدود كونها مادة خاماً لم تعد تخدم التطور المستقبلي للاقتصاد السوري!!
المزايا المطلقة هي الأفضل
المزايا المطلقة بكل الأحوال هي الأفضل، وهي الحل الحالي والمستقبلي للاقتصاد السوري، فالورود النادرة كثيرة، ويصل عددها إلى المئات من الأنواع والفروع ذات الميزات المطلقة في سورية ، ويمكن استخدام خلاصاتها في الصناعات الدوائية والتجميلية، وفي حال تصنيعها يمكن تصديرها بأسعار عالية، وكذلك هي حال الأعشاب العربية التي تستخدم في مجال الطب أيضا،ً وهذه كلها حتى الآن غير مفعّلة، لا بل إنه لم يتم البحث عن هذه المزايا واكتشافها بالحد الأدنى، لذلك لا بد من البحث عن هذه المزايا المطلقة وتحفيز الاستثمار الحكومي فيها، بدلاً من تجاهل وجودها، لعدم الحدث عن ضرورة الاستفادة منها، لأنها الحل الوحيد والرئيسي أمام اقتصادنا إذا أراد التطور اعتماداً على موارده المحلية المتاحة!