وزير الاتصالات.. وراء خصخصة الهواء على الطريقة السورية!
«المعركة محتدمة وستستمر طويلاً».. هذا ما يجب أن يدركه كل من اختار أن يقف في صف الوطن، وفي صف القطاع العام الصامد حتى الآن رغم كل الحراب السامة الموجهة إلى قلبه، وفي جبهة محاربة الفساد والفاسدين التي لم يظهر بشكل جلي بعد من هو الصادق في الانتماء إليها ومن هو الدخيل المدعي فيها..
إن كل الوقائع والمؤشرات تؤكد بوضوح أن القوى الساعية لتكريس الفساد والنهب، وفرض الخصخصة كأمر واقع، وطرح موارد البلاد الاقتصادية وقرارها السياسي للبيع في المزاد العلني أو السري، ماتزال تبذل أقصى ما بوسعها في هذا السبيل، وهي موجودة في أجهزة الدولة، كوجودها خارجها، بعضها داخلي وبعضها خارجي، ومصلحتها في ذلك: ربح سريع في فترة قصيرة، أو غنيمة إستراتيجية في زمن ليس ببعيد..
مناسبة هذه المقدمة ما افتضح مؤخراً من خطوات تمهيدية، لكنها أساسية، قام بها عتاة الاتصالات الرسميون لجعل قطاع الاتصالات المحلي مرتهناً لقطاع خاص مستحدث مشبوه المال والرأسمال والهوية و«الدعم» والتكوين والوسائل والغايات القريبة والبعيدة..
ودخولاً في التفاصيل نذكّر بما قامت «قاسيون» بنشره في عددها السابق (292) نقلاً عن الزميلة الثورة في عددها الصادر يوم الأربعاء 7/2/2007 بعنوان: «الفساد (بالتراضي) في وزارة الاتصالات»، حيث جرى فضح قيام وزارة الاتصالات والتقانة بتوقيع مذكرة تفاهم مع جمعية (Bicta) لإدارة جميع الشبكات الحاسوبية والانترنت في سورية. وكانت الزميلة «الثورة» قد أكدت في ما نشرته أن مذكرة التفاهم هذه ستتيح لجمعية (Bicta) حق تشغيل البنية التحتية (PDN) في مؤسسة الاتصالات ومزود الخدمة (تراسل) ومزود الخدمة (190) وجميع الشبكات الحكومية السورية، ونددت بموافقة وإذعان وزارة الاتصالات بالقبول بملكية لا تتجاوز الـ 25% من الأسهم فقط، تاركة 25% منها لجمعية (Bicta) أما الـ 50% المتبقية فستطرح على الاكتتاب العام، وافترضت الصحيفة، وهذا أكيد، أن معظمها ستكون لأفراد محددين من جمعية (Bicta) أو أصحابهم!!
وخلصت الصحيفة في النتيجة إلى أن «ماتم حالة فساد واضحة»..
الوزير يرد
وبالطبع فإن وزير الاتصالات أصابه الذعر نتيجة وصول أجزاء من مذكرة التفاهم إلى الصحافة، فأرسل رداً توضيحياً على ما نشر إلى جريدة الثورة، جرى نشره في الصحيفة نفسها يوم الأحد 11/2/2007، أكد فيه أن الصحيفة عمدت إلى «التجني والاستهداف وتبني معلومات غير دقيقة»، واستنكر الوزير زج اسمه بالقضية واعتبر ذلك «متعمداً وله أغراض»، وأوضح أن المذكرة المشار إليها هي مذكرة تفاهم أولية وليست عقداً، ونبه إلى ضرورة «التفريق بين مذكرة التفاهم وبين العقد»، وأكد أن وزارة الاتصالات والمؤسسة التابعة لها لم تتنازلا عن حق أو واجب لا في الماضي ولا في المستقبل» وأنهما ليستا «بصدد أي نوع من الخصخصة».
تعقيب.. ومزيد من الإحراج
رد الوزير كما يتبين أعلاه كان ناقصاً وعاجزاً ومهلهلاً، وجاء التعقيب عليه ليزيد من إحراج الوزير وفريقه الذين قاموا بتوقيع مذكرة التفاهم (المريبة)، حيث أكد المعقب أن «الرد الذي كنا نتوقع أن يقدم تفسيراً لما حصل لم ينطو على تبرير, بل كان نفي تهم لا أكثر ولا أقل»، وتساءل المعقب عن إغفال الرد لنقاط بقيت دون تفسير، ومنها أنه «ما بين إشهار الجمعية وتوقيع مذكرة التفاهم أقل من أسبوع.. وهذا يعني أن المفاوضات على مذكرة التفاهم قد سبقت إشهار الجمعية, وربما يعني أيضاً واستنتاجاً, أن إنشاء الجمعية بحد ذاته كان بهدف توقيع هذه المذكرة كواجهة لبعض الشركات التي انطوت تحت الجمعية حيث يدور الحديث عن وجود 38 شركة في الجمعية, مما يدل على وجود تدليس، إذ أن كثيراً من هذه الشركات لا علاقة له بهذا الأمر لا من قريب ولا من بعيد وكانت مجرد زيادة في العدد»..
مذكرة التفاهم..
بنود ذات معان خطيرة
الموضوع ومنذ البداية، أثار انتباهنا في «قاسيون»، وعمدنا منذ اللحظة الأولى للوقوف على حيثياته وتفاصيله، ورحنا نجمع المعلومات من هنا وهناك إلى أن أفادتنا مصادر مطلعة بأهم التفاصيل، والتي بينت لنا، فيما بينت، مجانبة الدقة في بعض ما نشر سابقاً بدءاً من اسم الشركة، فتصحيحاً هو Picta وليس (Bicta) كما أوردناه أعلاه أمانة في النقل.. وانتهاءً ببعض التفاصيل الصغيرة..
هذه المصادر المطلعة أكدت لنا أن مذكرة التفاهم الموقعة بين وزير الاتصالات وشركة Picta نصت في مقدمتها على أن يجري تأسيس شركة مشتركة تسمى «الشبكة السورية لنقل المعطيات»، تهدف إلى نشر خدمات المعلوماتية المتطورة وتراسل المعطيات لتمكين المجتمع السوري من الاستفادة منها، لكون الطرف الثاني picta (بحكم مرونته وأذرعه الطويلة) قادراً على تأمين هذه الخدمات بالتعاون مع شركات مختصة معروفة على المستوى العالمي، أما الأسس العامة للشركة المشتركة كما بينتها مذكرة التفاهم، فهي كما يلي:
- تم الاتفاق على تأسيس شركة مساهمة مغفلة Syrian.data.network، (SDN) تعمل بقانون التجارة السوري كشركة محدثة..
- مجلس الإدارة مؤلف من عدد من الأعضاء يحدده النظام الأساسي، وتُمثل المؤسسة فيه حسب نسبة مساهمتها، والمساهمات جاءت على الشكل التالي:
1 - Picta 51% وهي تتألف من عدد من الشركات المحلية منها على سبيل المثال لا الحصر: (إنتيليكوم)، الشبكة الوطنية التجارية، (ترانستك)، عطار أخوان للتجارة، شركة المثنى... وغيرها الكثير..
2 - المؤسسة العامة للاتصالات: 25%
3 - الاكتتاب العام: 24%
- يسمي الفريق الثاني أي (Picta) المؤسسين بحيث يكون المجموع خمسة شركاء على الأقل..
- يضع المؤسسون مشروع النظام الأساسي للشركة المحدثة، ويصدر بقرار من وزير الاقتصاد والتجارة ..
- مدة الشركة 25 سنة قابلة للتجديد!!
- رأسمال الشركة: يحدد رأسمال الشركة ومساهمة كل فريق وفق ما يلي:
أ- 51% لـ Picta بحيث لا تزيد نسبة كل مشارك عن 10% من رأسمال الشركة كحد أقصى.
ب- المؤسسة العامة للاتصالات 25%
ج- 24% من رأس المال يطرح للاكتتاب العام بحيث لا تزيد مشاركة الشخص العادي عن 1% من رأس مال الشركة، والشخص الاعتباري عن 5%..
ويحق هنا للصناديق العامة ذات النفع العام المساهمة بنسبة لا تزيد عن 5% من رأسمال الشركة.
- اتفق الفريقان على أن لا تزيد فترة البدء بالاستثمار والشروع بالعمل عن ستة أشهر اعتباراً من تاريخ 8/1/2007..
وقد وقع المذكرة بالنيابة عن Picta المهندس محمد فراس بكور والمهندس محمد بلال التركماني، وعن الاتصالات وزير الاتصالات عمرو نذير سالم.
وهكذا فإن هذه المذكرة وكما تبين بنودها الملزمة لجميع الأطراف، ستمنح القطاع الخاص (المنظم) صاحب الـ51% من الأسهم والملكية (كحد أدنى)، ولمدة ربع قرن قابلة للزيادة، أحقية التفرد شبه الكامل بالقرارات المصيرية المتعلقة بطبيعة وطريقة وآليات التشغيل، وأسلوب الإدارة المالية والتنفيذية، وحقوق العمال، ومستوى ونوع وشكل الخدمات، وآليات التطوير والإصلاح... إلخ..، هذا إذا افترضنا أن الحصة السهمية لـ Pictaستقتصر على الـ51%، ولن تحتكر أو تعتدي بشكل أو بآخر على الـ24% المخصصة للاكتتاب العام، أما المؤسسة العامة للاتصالات فسيكون لها حضور صوري ليس ذا تأثير أو سلطة، وسيكتفي ممثلوها بالموافقة على ما يقرره المساهمون الحيتان شركاؤهم في الإدارة..
خصخصة لم تعد مقنّعة
إن ما تقدم يؤكد بوضوح أن ثمة خطة متكاملة لخصخصة قطاع الاتصالات يجري تنفيذها بسرعة ودقة، ليستمر بالتالي بيع الهواء (وهو ملك عام) لغيلان المال والفساد والذي أصبح منهجاً على ما يبدو، بهدف سرقة ما تبقى من مال يسير في جيوب المواطنين والخزينة العامة، وحسب رأي د. عيد أبو سكة المنشور في الزميلة تشرين يوم 14/2/2007 فإن «التجاوزات والارتكابات التي ألقت بحمولتها على الثقيلة قطاع الاتصالات منذ أكثر من عشر سنوات حتى الآن (أي) منذ أن أسس أحدهم شركة لشفط حقوق الخزينة جراء ثرثرات البزنيسمان، جعلته أكثر حساسية وتأثراً من باقي القطاعات ... (كونه) يقدم للخزينة الدولة موارد مالية ضخمة»..
إذن القضية خطيرة جداً، ويتورط في هذا الفساد العلني أصحاب القرار في وزارة الاتصالات والمؤسسة التابعة لها وعلى رأسهم وزير الاتصالات، ومن يقف خلفهم ويدعمهم من الأشباح في بعض مراكز القرار الاقتصادي ومن أصحاب رؤوس الأموال الجدد، ولعل هذا يبرر التلكؤ المتعمد الذي ما يزال معتمداً في تطوير الكادر العامل في هذا القطاع، والتباطؤ في دعم الاتصالات بتجهيزات حديثة ومتطورة وتحديداً من قبل وزير الاتصالات نفسه الذي لا أحد يعلم لماذا يراوغ ويسوف في تطوير عمل وزارته ورفد جميع مناحي قطاع الاتصالات بالمعدات والأجهزة الحديثة التي وعد بها أكثر من مرة، والإصرار على الانحدار بخدمات الاتصال بكافة أنواعها ودفعها لتسير من سيء إلى أسوأ، وهو أيضاً الذي ما انفك مواظباً على الإيحاء بمناسبة ودون مناسبة أن القطاع العام غير قادر على تسيير هذا المرفق الاستراتيجي والحيوي، كما أنه لم يفوت، شأنه شأن من سبقوه، أية فرصة لفرض مزيد من الضرائب والرسوم على خدمات الاتصال ورفع كلفها.. ونعتقد أن الوقوف في وجه ذلك كله يتطلب أولاً قراراً سياسياً صارماً وقاطعاً، يوقف من يمضي بقطاعنا العام إلى هذا المصير عند حده، ويمنح الجهات الرقابية والقضائية ضوءاً أخضر حقيقياً للبدء في محاسبة أولئك الفاسدين عن كل ما ارتكبوه ويستمرون في ارتكابه بحق الوطن والمواطن والمال العام..
■ قاسيون